رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة خاطفة إلى دراما رمضان

كنت قد اختتمت رؤيتى الخاصة بدراما رمضان قبل نحو أسبوعين مضيا. واليوم، وأمام حالة مجتمعية خلقها مسلسل «تحت الوصاية» أجدنى فى حاجة للعودة من جديد لهذا العمل الدرامى نتيجة ما أحدثه من حراك قلّما تكرر منذ روائع سابقة كـ«الشهد والدموع، ما زال النيل يجرى، المال والبنون، أولاد آدم، بوابة الحلوانى» وغيرها من كلاسيكيات الدراما المصرية. 
لم أكن فى حاجة لأن أعرف بإشادة الجارديان البريطانية بهذا المسلسل لتزيد قناعتى بتميزه كعمل، وبقدرتنا كمصريين على إنتاج دراما تشد انتباه الجماهير العربية من المحيط للخليج، رغم المتغيرات التى أُدخلت على سوق الدراما من دراما أجنبية وافدة يتم تعريبها، فضلًا عن تمكن الإخوة العرب من إنتاج مسلسلات تشبه مجتمعاتهم المحلية وتناقش قضاياهم. وهذا يقودنى لتكرار الدعوة للتفكير فى إنتاج دراما تعبر عن المجتمع العربى ككتلة واحدة وليس كشعوب متفرقة.
غير أننى ما إن تابعت كتابات عدد ممن أعتد برأيهم وتفكيرهم حول ما طرحه المسلسل من قضايا وما ناقشه من أفكار، حتى قررت العودة لمتابعة المزيد من حلقاته من جديد لأخرج بانطباع أرجو أن ألخّصه فى هذا المقال. غير أننى سأبدأ برصد آراء بعض الشخصيات العامة البارزة التى دفعنى حماسها للعمل واعتدادى بآرائها إلى إعادة المشاهدة والرصد المدقق. 
فقد كتب الناقد الكبير محمود عبدالشكور، الذى اختار منى زكى كأفضل ممثلة دور أول فى دراما رمضانم قائلًا: «دورها هو الأفضل بين أدوارها التليفزيونية، وربما يكون بداية مرحلة جديدة لأدوار مختلفة فى مسيرة هذه الممثلة الموهوبة. إنها كلاعب الكرة الحريف الذى تعرض لهجوم ظالم فسكت وقرر أن يرد فى الملعب ليخرس كل الألسنة». فيما اختار «عبدالشكور» الفنان رشدى الشامى كأفضل ممثل دور ثانٍ عن دور «عم ربيع» الذى يمثل الأب البديل والسند والرجل الحقيقى وسط غابة الميناء.
فى حين كتب الكاتب المغربى الأصل هولندى الإقامة مصرى الهوى فؤاد زويريق يقول: «يمكننى القول إن (تحت الوصاية) أجمل وأهم عمل درامى مصرى لهذا الموسم. أجمل لأنه اهتم بكل العناصر الإبداعية والتقنية من الرؤية الإخراجية المتميزة، وجماليات التصوير، وحسن اختيار الممثلين، والتشخيص الرهيب لكل الممثلين دون استثناء، والموسيقى التصويرية والحوار.. والأهم لأنه أشعرنا بالانتماء إليه وجعلنا نسائل معه المجتمع الذكورى دون الدخول فى الوعظ والخطابة المباشرة، والأهم أنه ناقش بشكل مقنع وذكى قانون الوصاية وأبرز سوءاته».
أما الإذاعية القديرة أمينة صبرى فقد كتبت تقول: «لا أعرف إلى مَن أتوجه بهذا الطلب! فرأيى أن يتم ترشيح مسلسل (تحت الوصاية) لنيل جائزة إيمى أو الجولدن جلوب فهو مسلسل نتباهى به عالميًا»، لهذا الحد بلغت قناعتها بالعمل. بينما اختار السيناريست وائل أبوالسعود، رئيس تحرير أخبار الحوادث الأسبق، مسلسل «تحت الوصاية» كأفضل مسلسل، ومنى زكى كأفضل ممثلة، وخالد وشيرين دياب كأفضل كتاب سيناريو وحوار، ورشدى الشامى كأفضل ممثل دور ثانٍ. أما لقب أفضل مخرج فقد جعله «أبوالسعود» من نصيب محمد شاكر خضير، وقد اتفق معه فى الرأى الكاتب علاء الغطريفى وزاد عليه باختياره «مخرج العام» بلا منازع. 
ورغم كل الإشادات والإيجابيات التى رصدها كبار النقاد والمتابعين فإن المسلسل، وكأى جهد بشرى، يبقى له وعليه. فقد أُخذ على «تحت الوصاية» كثير من الأمور القانونية، أو بالأحرى الإجرائية التى رصدها خبراء قانونيون. وظنى أن كثيرًا من تلك الملحوظات لو كان أخذ بها «آل دياب» فى أثناء كتابتهما النص لانتفت الحبكة الدرامية من الأساس. وتجدر الإشارة إلى أن ظلم الوصى للموصى عليهم من أحفاده أو أبناء أخيه المتوفى ليس هو الأصل، فكثيرة هى الحالات فى مجتمعنا التى رأينا فيها وصيًا راعى الله فى الأمانة وحفظها حتى بلغت سن رشدها فرد لها حقوقها غير منقوصة. 
وهنا ينبغى ألا يبهرنا المسلسل بأحداثه لدرجة تصديق أن قضيته هى القاعدة فى المجتمع وليست الاستثناء.
الجميل فى المسلسل أنه فتح مجالًا للنقاش حول قضية الوصاية على الأطفال ولفت الانتباه لتلك المسألة الشائكة بين تفسير البعض للشرع ورؤية آخرين التى تتلخص فى أنه «حيث وجدت المصلحة فثّم شرع الله». والخلاصة أن «تحت الوصاية» جاء عاكسًا لجانب من الواقع الذى عاشه بعضنا بينما تابعه كثيرون منا فى عائلات تحيط به. فكم من العائلات جار فيها الكبير على حقوق اليتامى، وللأسف فقد وجد الظالم فى نصوص القانون ما يحقق مأربه، فى حين ظلت الأمهات- وهن الأكثر حرصًا على مصالح الأطفال خاصة فى غياب الأب للوفاة- بلا سند قانونى يسمح لهن بالتصرف فى حقوق صغارهن بما يحقق لهم الحد الأدنى من متطلبات المعيشة.
وفى ظنى أن أهم ما أنجزه هذا المسلسل هو حالة الجدل التى أثارتها الحلقات حول قضية شائكة كانت من المسكوت عنه، وهذا هو دور الفن الحقيقى والصادق، أن يكون ملتصقًا بقضايا الناس ومعبرًا عنها. ويقينى أن هذا المسلسل سيتبعه حراك مجتمعى ينتهى بتغيير أو تعديل تشريعى يكون أكثر إنسانية وأكثر ارتباطًا بروح الشرع التى تسعى لراحة الإنسان وتحقق له المصلحة- فى رحاب تفسير عصرى لشرع الله- هذا عن الإنسان الناضج القادر على الدفاع عن نفسه وحماية ممتلكاته ومصالحه، فما بالك إذا كان هذا الإنسان طفلًا غير قادر على التمييز وتحت الوصاية.