رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسرة واحدة

المعنى الذى يتكرر لدىّ فى كل عيد وفى كل مناسبة مصرية أصيلة أننا أسرة واحدة.. أسرة متعاضدة.. متضامنة.. أما المعنى الآخر فهو أن التقاليد السياسية للدولة أصبحت مستمدة من ثقافة هذا الشعب ومن عاداته، وأنها تستثمر فى المضمون الحضارى لهذا الشعب وتدعمه وتعيد إنتاجه بشكل يجعله أكثر رسوخًا ويبرزه ويلفت النظر لقيمته التى قد لا يلتفت إليها أحد.. قفزت هذه الأفكار إلى ذهنى وأنا أتابع احتفالية العيد مع أبناء الشهداء بحضور الرئيس ورعايته.. والتى منعنى ظرف صحى من حضورها.. إن هذه الاحتفالية تعيد إحياء تقليد مصرى أصيل وهو الاحتفال بالعيد ونحن معًا.. وهو تقليد حافظ عليه المصريون عهودًا طويلة وكانوا يدمجون فيه بين تذكر الراحلين منهم ثم الاحتفال بالعيد بعد زيارة الراحلين.. وأذكر أننى حتى منتصف الثمانينيات كنت أصحب أسرتى لزيارة مقابر المتوفين من أبناء الأسرة فى قريتنا ثم أتجه بعد زيارة المقابر مباشرة للاحتفال بالعيد على بعد أمتار قليلة من المقابر! والعيد فى القرى هو مجموعة من الألعاب والمراجيح الحديدية التى يطلق عليها «الزقازيق»، بالإضافة إلى باعة الألعاب الورقية البسيطة مثل الطراطير وأغطية الرءوس المبهجة، وغيرها من أشكال البهجة البسيطة التى ينهمك فيها الأطفال حتى ينتهى أقاربهم من زيارة المقابر.. وكانت هذه الحضارة المصرية العظيمة تجمع دائمًا بين الوفاء للراحلين وبين مظاهر الحياة المختلفة.. ولا شك أن إقدام الرئيس منذ سنوات على الاحتفال بالعيد مع أبناء شهداء الجيش والشرطة يتجاوز فكرة الوفاء لأرواح الشهداء إلى ما هو أكبر.. وما هو أكبر هو إحياء هذا التقليد المصرى الذى كان قد تلاشى تحت ضغط مظاهر التغريب والحياة فى المدن الكبيرة وشيوع حالة من البهتان فى كل تقاليد حياتنا خلال آخر عقدين.. فلا نحن حافظنا على تقاليد حياتنا القديمة والمتفردة.. ولا نحن اتبعنا تقاليد حداثية حقيقية مبنية على قيم حداثة حقيقية.. ولا شك أن من أسباب تراجع زيارة المصريين لموتاهم فى الأعياد وهو تقليد فرعونى أساسًا.. تلك الأفكار المتسلقة التى حرمت زيارة المقابر على الإطلاق.. ولم تفرق بين الزيارة بهدف الدعاء للمتوفى وبين مبالغات السلفيين ووصفهم زيارة المقابر بالوثنية!! وبعيدًا عن هذه التفصيلة فقد أحيا احتفال الرئيس بالعيد مع أبناء الشهداء ذلك التقليد المصرى القديم والأصيل.. فنحن نتذكر الراحلين فى العيد ولا نفرح بدونهم.. وفى الوقت نفسه نُدخل الفرحة والبهجة على أبنائهم ونقول لهم لستم وحدكم ولن تكونوا وحدكم.. أنتم جزء من أسرة كبيرة تضم كل المصريين الذين يذكرونكم فى السراء والضراء.. تمامًا كما تتذكر هذه الأسرة أبناءها البسطاء فى شهر رمضان فتوفر لهم احتياجاتهم وما يزيد، وكما تتذكر أى مصرى آخر فى قرى حياة كريمة أو فى قوائم انتظار العمليات الجراحية أو غير ذلك من مجالات الحقوق الأساسية للمصريين.. نحتفل بالعيد معًا ونحن أسرة واحدة رغم المصاعب.. مستقرون فى محيط تضربه الفوضى آمنون فى محيط يضربه الخوف.. ماضون للمستقبل فى محيط أريد له أن يعود للوراء عشرات السنوات.. كل عام ونحن آمنون وطيبون ومستقرون.