رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"الدستور" تنفرد بنشر دراسة عن نقل جسد القديس أنطونيوس إلى فرنسا

الانبا انطونيوس
الانبا انطونيوس

أصدر المؤرخ الكنسي نشأت زقلمة، عضو لجنة المصنفات الكنسية، دراسة بحثية عن اكتشاف جسد القديس العظيم الأنبا أنطونيوس المصري الذي وضع النظام الرهباني والذي عرفه عنه العالم أجمع، كما تتضمن الدراسة كذلك كواليس نقل جسده إلى فرنسا.

وكان قد تم إخفاء الجسد بطلب من الأنبا أنطونيوس شخصيا لتلاميذه وعدم عرضه للناس لئلا يُعبد، وهو ما ورد في سيرته التي كتبها القديس أثناسيوس بابا الأقباط رقم 20 الملقب بالرسولي، إلا أن الصورة الذهنية المأخوذة حاليا لدى الأقباط أنه لا يزال مخفى في الدير بناء على رغبته، إلا أن الدراسة تؤكد أنه نُقل إلى فرنسا بسماح من الله.

القديس أنطونيوس

وخص “زقلمة” الدستور بالدراسة التي قال فيها إن القديس العظيم الأنبا أنطونيوس هو أب الأسرة الرهبانية في مصر والعالم، وهو يتميز عن غيره من القديسين الذين يدعون بنفس اسمه “أنطونيوس”، مثل أنطونيوس اللشيوني، ويرجع ذلك الاختلاف نظرًا لأهميته بين آباء الصحراء، حيث قام بتغيير في نفوس الآلاف من الناس على مر العصور، ولا سيما في أوروبا الغربية، والتي تغيرت بسبب ترجمتها اللاتينية.

ولعظم قيمة ذلك القديس – وفق الدراسة- فقد أنعم عليه الله بنعمة شفاء الأمراض المعدية، وخصوصا الجلدية مثل “الجمرة”، والتي كانت تُسمى بـ"الجمرة المُقدسة"، نسبة إلى القديس أنطونيوس الكبير، المحفوظ جسده في كنيسة موط سان ديديار، في جنوب فرنسا.

هذا وتحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في 22 طوبة الموافق 30 يناير بشكل سنوي، بتذكار رحيل القديس أنطونيوس الكبير.

أولًا قصة اكتشاف جسد الأنبا أنطونيوس عام 561م:

قالت الدراسة إن الله العظيم الذي قال في الماضي للأنبياء أنه لا يُفقد عظمة من عظامهم، سمح أن يبقى جسد الأنبا أنطونيوس زمنًا طويلًا مخفيًا، ولم يتم اكتشافة الا عام 561، وتحديدا في عصر البطريرك الثالث والثلاثين وهو البابا ثاؤذوسيوس الأول (536 - 567 م.)، وفي الحال اتخذت الكنيسة كل الإجراءات الخاصة بعرضه على المؤمنين للاحتفال بذلك الحدث الهام.

شهادة الأنبا فيكتور أسقف تونس في افريقيا:

كان الأنبا فيكتور أسقف تونس في افريقيا احد شهود العيان، حيث كان منفيا في كابونوهي احد البلدان الكائنة على يُعد 45 فرسخ- والفرسخ من مقاييس الطول القديمة ويقدر بـ4 كم تقريبا- من مدينة الاسكندرية، الذي يقول ان جد الأنبا أنطونيوس تم نقله باحتفال عظيم الى هذه المدينة، وان الشعب تقاطر من كل انجاء مصر، الى الاماكن التي مر منها الجسد، ملتمسا صلوات ومعونة ذلك القديس العظيم، حيث كان الشعب يعبره حاميا وشفيعا له، وقد تم وضع الجسد الثمين، في مدينة كابون القريبة من الاسكندرية.

ولم تكن مصر وحدها التي تتشفع بالقديس بل بلدان الشرق باكملها، فبدً من الجيل الخامس كان القديس أنطونيوس من اشهر القديسين في اسيا وافريقيا.

الأنبا أنطونيوس

كيف نُقل الجسد من الأسكندرية:

لما كانت القسطنطينية هي عاصمة الدولة البيزنطية التي تحكم مصر وقتها، استغلت نفوذها بكل اسف في عصر الامبراطور هرقل (610-641)، الذي امر بنقل جسد القديس الأنبا أنطونيوس من الاسكندرية الى القسطنطينية التي هي اسطانبول حاليا، عام 635، وذلك في عصر الأنبا بنيامين البطريرك الـ38 (623-662)، واستمر هناك حتى اوائل القرن الـ11.

وفي ذلك العصر طلبه احد السادة في ايبارشية فيينا، وتحديدا في الدوفينة وهي في مدينة بوردو الفرنسية، من الامبراطور رومانوس الثالث امبراطور القسطنينية في الفترة (1028- 1034)، فسلمة اياه وتم نقله الى كنيسة موط سان ديارد، وقد ظهرت عجائب كثيرة من جسد القديس أنطونيوس ولعل ابرزها ما حدث عام 1098 من وباء جلدي كان يدعى بالجمرة المقدسة والذي دعي فيما بعد بجمرة القديس أنطونيوس، وهو المرض الذي اودى بحياة الكثيرين في فرنسا، حيث استنذفت كافة الحيل الطبية دون جدوى، الا ان الله صنع اعاجيب متعددة في هذا المرض مع الذين تشفعوا بالقديس أنطونيوس وصلوا عند الجسد.

حيث قامت الكنيسة حينها بفرض صلوات جماعية، لطيف ذخائر القديس خارج الكنيسة، فكان كل من حضر للصلاة وهو مصابا بالمرض نال الشفاء في الحال، فأخذ الشعب في التزاحم على الكنيسة التي كان بها الجسد، وهو ما جعل احد الاشراف يدعى غاطسون وكان مجاورا لايبارشية فيينا، ان ينشئ مع والده جيرار، مستشفى بالقرب من كنيسة موط سان ديرارد لخدمة الفقراء، شكرا لله على شفاءهما من مرض الجمرة، ثم انضم اليهم 7 اخرين من الذين تم شفاءهم فكونوا جمعية من العلمانيين تهتم بخدمة الفقراء.

لما بلغ البابا اوربان الثاني، رقم 159 من باباوات روما (1088-1099)، ما يفعله العلمانيين السبعة لخدمة الفقراء، حول الكنيسة الى دير وسلمه اليهم، وجعل جمعيتهم جمعية دينية وامرهم باتباع قانون رهبان مار اغناطيوس، وجعل رئيسهم قائدا عاما للجمعية الجديدة التي اتخذت منذ ذلك الحين اسم وشعار رهبان القديس أنطونيوس القانونيين.

دير كنيسة الأنبا أنطونيوس في إقليم ( إزار جنوب فرنسا) .
 

الدير الفرنسي يعلن احتواءه على رفات من جسد القديس أنطونيوس:

قد اعيد تسمية دير موط سان ديدار، الى كنيسة الأنبا أنطونيوس الابيية، بعد ان اصبح موطنا لرفات القديس أنطونيوس الكبير، ويقع الدير في اقليم ازار، وهو اقليم فرنسي يقع في منطقة فرنية رون الب، في الجنوب الشرقي من فرنسا، الذي نشأ على جزء من منطقة دومنين السابقة، وتم تجديد الدير في القرن الـ15 م.

ولعل اكبر ما يثبت صحة وجود رفات القديس أنطونيوس هُناك حاليا هو ما هو مكتوب على موقعه حاليا والذي تعني ترجمته من الفرنسية للعربية: «هذا الدير يرحب بالحجاج القادمين من جميع انحاء العالم، للتامل عن قرب في رفات القديس المصري أنطونيوس والاستفادة من معجزاته الشافية».

وتم تصنيف الدير كنصب تذكاري منذ عام 1840، وذلك للجمال المعماري الذي يشهده الدير، وجمال ديكوراته الداخلية، وجدارياته وأعماله الخشبية الضخمة، مما جعل الدير يعلن انه مفتوحا طيلة العام وهناك زيارات تنظم بواسطة مرشدين.

نقل الجسد مجددا الى موقعه الحالي:

وقد نقل جسد القديس أنطونيوس ما عدا احدى ذراعيه، في اواخر القرن الرابع عشر، من دير موط سان ديديار الى مونت ماجور، بالقرب من مدينة ارك في اقليم بوش دو رون جنوب فرنسا، حيث استمر محفوظا في الدير الى التاسع من يناير عام 1491، ووتم نقل الجسد الى كنيسة القديس يوليانوس التائب في مدينة ارك الفرنسية، حيث وضع في محفظة كثيرة الثمن حيث داوم المؤمنين على تكريم الجسد.

 

كنيسة الأنبا أنطونيوس الابيية بفرنسا

مراجع وشهادات تاريخية على صحة الواقعة:

هناك عدة مراجع تحدث عن الامر نفسه مثل كتاب العيشة الهنية في الحياة النسكية، الذي قام بتاليفه الاب القس افرام الديراني، احد مديري الرهبنة الحلبية المارونية اللبنانية، وقام بمراجعته يوحنا بطرس الحاج، بطريرك انطاكية وسائر بلاد المشرق، وهو البطريرك الماروني السابع ( 1890- 1898)، للكنيسة السريانية المارونية الانطاكية.

كما ذكرت الامر دائرة الدرسات السريانية لبطريركية انطاكية وسائر بلاد المشرق للسريان الارثوذكس نقلا عن عالم اللاهوت والكاتب والمؤرخ ومترجم الكتاب المقدس الراهب الانجليزي بيدا، من نورثميرنا (672-735)، وهو احد الذين اكدوا انتقال جسد القديس انطونيوس ككاتب ومؤرخ لسير القديسين، كما ان القديس ايزدورس دي سافيل، الذي كان يعيش في ذلك الجيل (560 – 636)، وهو القديس والفيلسوف والعالم اللاهوتي وعملاق المعرفة في العصور الوسطى، وكاتب سير القديسين، وكثيرون غيره، تناولوا كقيقة مثبتة عن واقعة انتقال جسد القديس أنطونيوس، من الاسكندرية وحتى القسطنطينية.

   

المؤرخ الكنسي نشأت زقلمة