رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفوت عمارة: تحروا ليلة القدر في جميع ليالي العشر الأواخر

د. صفوت عمارة
د. صفوت عمارة

قال الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف، إنّ اللَّه تعالى جعل لعباده مواسم للطاعات تضاعف فيها الحسنات وتقال فيها العثرات؛ واختص شهر رمضان وفضَّله على غيره، وجعله أفضل الشهور، فصار كالشمس بين الكواكب، واختص هذا الشهر بفضائل عظيمة ومزايا كبيرة؛ فهو الشهر الذي أنزل اللَّه فيه القرآن، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

وتابع «عمارة»، إنّ اللَّه فضَّل العشر الأواخر من رمضان عن باقى الشهر؛ فخصها بليلة هي خير من ألف شهر، أي ما يزيد على ثلاثٍ وثمانين سنة وأربعة أشهر في الفضل والخير عما سواها، فجعلها أفضل الليالي من قامها إيمانًا واحتسابًا غفر اللَّه تعالى له ما تقدم من ذنبه، ومن حرم خيرها فقد حرم الخير كله؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم]، وفي هذا الحديث يبين النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فضل ليلة القدر، وأنَّ من أحيا هذه اللَّيلة المباركة تصديقًا باللَّه وبفضل هذه اللَّيلة، وفضل العمل فيها، وبما أعد فيها من الثواب خائفًا من عقاب تركه، مُحتسبًا جزيل الأجر غفر اللَّه له ذنوبه السابقة.

وأكد الدكتور صفوت عمارة، أنّ الفرصة ما زالت قائمة حتى آخر ليلة في رمضان لمن أراد أن يعتق نفسه من النار، وينال الفضل العظيم، فلا يوجد ليلة محدده لليلة القدر، واختلف العلماء في تعيينها، وأكثرهم على  أنها ليلة السابع والعشرين؛ فلا يمكن لأحدٍ أن يجزم بليلة بعينها أنها ليلة القدر، ‏والصحيح أنها في العشر الأواخر دون تعيين، لما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر رضي اللَّه عنهما، أنّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر» [رواه البخاري ومسلم]، وفي رواية: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر» [رواه البخاري]، أي: ابذلوا جهدكم وحرصكم في طلب ليلة القدر وهي في الوتر، أي: في الليالي الوترية وهي: الحادية والعشرون، والثالثة والعشرون، والخامسة والعشرون، والسابعة والعشرون، والتاسعة والعشرون من العشر الأواخر من رمضان، وذهب بعض أهل العلم إلى أنها تطلب في جميع ليالي العشر أشفاعه وأوتاره، فإن كان الشهر ناقص كانت ليلة القدر في أوتار العشر الأواخر، وإن كان الشهر تام كانت ليلة القدر في أشفاع العشر الأواخر، وهذا يوجب علينا ‏الاجتهاد في جميع ليالي العشر.

وأضاف الدكتور صفوت عمارة، أنّ الحكمة من إخفاء ليلة القدر هى اجتهاد المسلمين في العبادة والذكر في جميع أيام العشر الأواخر، وألا تقتصر عبادتهم على يومٍ بعينه، وترك بقية الأيام، كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس وأخفى اسمه الأعظم بين أسمائه الحسنى، وقال الإمام قال الرّازي في تفسيره إن الحكمة من إخفاء ليلة القدر عن الناس حتى يعظموا جميع ليالي العشر الأواخر في نفوسهم، فقد أخفى اللَّه سبحانه اسمه الأعظم حتى يعظم المسلم كل أسمائه، وأخفى تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة حتى يعظم العبد جميع ساعات هذا اليوم المبارك بالدعاء، كما أخفى اللَّه عزّ وجلّ الصلاة الوسطى حتى يعظم المسلم كل الصلوات، وأخفى موعد الموت لكي يخاف المكلف ويعظم أمر حياته، فيستثمرها فيما يرضي اللَّه، وأخفى قبول التوبة ليعظم المرء أمرها ويبقى ثابتا عليها، وهكذا كان إخفاء موعد ليلة القدر حتى يكون تعظيمها في النفس أبلغ وأشد تأثيرًا.

وأشار الدكتور صفوت عمارة، إلى أنّ ليلة القدر كانت معلومة لدى النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، ولكن اللَّه أراد أن يتنازع اثنان من صحابه النبي بعدما هم بإخبار الأمة بموعدها، حيث أخرج البخاري في صحيحه من حديث عبادة بن الصامت، رضي اللَّه عنه قال: خرج النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى -أي: تنازعا- رجلان من المسلمين، فقال: «خرجت لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمسوها في العشر الأواخر» [صحيح البخاري]؛ فبسبب التشاحن والتشاجر بين اثنين في المسجد أنسى الله تعالى النبي موعد الليلة المباركة لكي يجتهدوا في الطاعات وفعل الأعمال الصالحة.