رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى حضرة منى زكى

لم أندهش مع المندهشين الذين انتفضوا للدفاع عن منى زكى عند نشر بوسترات مسلسلها الجديد.. مجرد صورة جعلت البعض يهاجمها دون سابق معرفة.. يادوب شكل الحجاب الذى ترتديه ظنًا منهم أنها تحارب الحجاب أو ما شابه.. يعنى شتمناها واتهمناها بعشرات التهم من باب الاشتباه.. وتبارى المدافعون عنها يرجمون المهاجمين كذلك دفاعًا عن حقها فى الاختيار.. وكأن الأمر حدث فعلًا.. لكنه تضامن من باب الاحتياط.. الطرفان صمتا تمامًا الآن بعد أن سرقت منى ومن معها من نجوم «تحت الوصاية» الأضواء والترند من الجميع.. أجبرتنا جميعًا أن نعود إلى عقولنا.. إلى أرواحنا.. فهذا هو النموذج لما يجب أن تكون عليه الدراما.

خمس حلقات فقط كانت كافية لأن نتسمر فى مقاعدنا نشاهد هذه المباراة المدهشة.. الجميع يلعبون لعبة التمثيل وكأنهم ينزلون إلى البساط الأخضر لأول مرة.. الجميع يعزفون لحنًا شديد الروقان.. ومطلوب منا أن نلعب معهم لعبة الفرجة.. لقد وضعونا فى مقاعدنا مشدوهين.. يسألوننا فى مكر.. مالكم ساكتين ليه..؟

 

يقول بعضهم إن الدراما لا بد أن تتبنى رسالة ما.. و«تحت الوصاية» قرر أصحابه أن تكون رسالتهم شديدة الوضوح ومن أول مشهد.. نحن فى صف المرأة المصرية.. فى صف المستقبل.. نحن ننحت فى صخر الأمس لنفتح ثغرة ليمر منها النور.. نور الوعى.. هذه هى الرسالة.. نحن نفتش فى إحدى مواد قانون الولاية.. على ميراث الأبناء.. هى مادة أو أكثر فى قانون مصرى موجود منذ سنوات رأى واضعه فى وقتها أنها فى صالح الأبناء الذين يتوفى والدهم ويتركهم قصّرًا فتنتقل الوصاية على ميراثهم للجد وهو وريث أيضًا.. ربما كانت الحكمة وقتها أن النساء لا يعملن ولا يخرجن إلى الشارع ولا يعرفن ماذا يجرى فى هذا العالم.. وقتها افترض المشرع أن تكون أموال هؤلاء الأطفال فى يد الجد العاقل الحكيم الخبير.. الآن وبعد مرور كل هذه السنوات تغيرت أشياء كثيرة وجرت مياه جديدة فى النهر.. ولأن الواقع يفرض تفاصيله على الجميع خرجت آلاف الصرخات من بيوت موجوعة من مشاوير المجلس الحسبى ووصلت إلى عقل خالد دياب أو ربما شقيقته لا أعرف.. وكان لا بد أن تصل إلى قلبيهما أيضًا حتى يمكنهما العزف على الورق فى سيناريو محكم.. وبمهارة الجراح راح كلاهما يغزل تفاصيل الرسالة على الورق، وكان على الموهوب محمد شاكر خضير أن يحول هذا الهدف إلى حكاية من لحم ودم.. وقد نجح فى ذلك أولًا باختياره منى زكى ومها نصار ورشدى الشامى ودياب والطفل عمر شريف وباقى الفريق المدهش.. صاحب الموسيقى ومهندس الديكور.. من اختار مناطق التصوير فى دمياط والمنصورة.. مَن صمم الملابس.. ثم من لضم كل هذه العناصر فى سيمفونية لا نستطيع ملاحقتها. 

 

لقد حقق «تحت الوصاية» هدفه بسرعة شديدة، وحاز على تعاطف الجميع مع حنان الشخصية التى تلعبها منى زكى.. بل تجاوزنا ذلك إلى الواقع ورحنا نفتش فى قانون الأحوال الشخصية.. ونقرأ فى تفاصيل مواد وآيات المواريث.. رحنا نتناقش فى الحل.. رحنا نبحث عن إجابة.. وراح أحد نواب البرلمان المصرى يطلب مناقشة الأمر تحت قبة المجلس لبحث تعديل مواد الولاية لتنتقل للأم.. لقد كسبت منى كثيرًا.. نحن لا نتحدث الآن عن طريقتها فى المشى.. ولا عن لهجة مها نصار ولا عن فجاجة وفجر دياب.. ولا براعة الطفل عمر شريف.. لقد تجاوزنا السؤال عن رشدى الشامى.. ولماذا تأخرت نجوميته كل ذلك الوقت.. ورحنا نفتش عن حل لمشكلة حنان.. كل حنان فى حياتنا الحقيقية. 

 

لقد راهنت الشركة المنتجة على وعى المشاهد المصرى وعقله عندما وفرت كل الدعم لهذا العمل وكسبت الرهان.. وكسب نجومه رهانهم أيضًا عندما انتصروا على فكرة المسلسلات الثلاثينية وقبلوا عملًا لن يحتل الشاشة طيلة الشهر، فإذا به يحتل كل الشاشات فى عقولنا وربما يفعل ذلك لسنوات مقبلة.. الرهان على الأفكار وعلى الموهوبين ها هو ينجح مجددًا ويطرد كل المزاحمين من الذين راهنوا على الإفيهات المضروبة وعناصر النجاح التى ظنوا أنها مضمونة.. كسب الذين صدقوا أن الفن فكرة.. ومتعة.. وتسلية.. وأن الدراما الجيدة لا تعنى العويل والصراخ والمواعظ.. الفن المغزول بمهارة يصل للجميع.. وهذه هى الرسالة الأجمل التى يبعث بها نجوم مسلسل «تحت الوصاية» وفى مقدمتهم منى زكى.. وأعتقد أن الرسالة وصلت.. ومن بدرى جدًا.