رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد جبريل: غيابي عن جيل الستينيات أنسبه إلى نفسي.. وأواجه اتهاماً بغزارة الإنتاج (2/2)

بورتريه للكاتب محمد
بورتريه للكاتب محمد جبريل

النظر إلى القصة القصيرة كأنها فصل من الرواية، خطأ كبير، القصة القصيرة وليدة دفقة شعوريةـ أو لا شعورية! واحدة. أما الرواية فهى ترتكز إلى الإلهام.

“الإسكندرية، حي بحري،  دنياي التي أحبها، عشت فيها طفولتي وصباي وشبابي، صور الأماكن والكائنات منطبعة في وجداني”، هكذا تحدث الروائي والقاص محمد جبريل ابن مدينة الثغر الذي ولد في السابع عشر من فبراير عام 1938.

كان أبوه محاسبا ومترجما وله مكتبته الخاصة التي استفاد منها في قراءاته الأولى ويعتبرها سببا في حبه للأدب. 

بدأ “جبريل” حياته العملية محررا بجريدة الجمهورية مع الراحل رشدي صالح، وفي الفترة من يناير 1967 إلى يوليو 1968 مديرا لتحرير مجلة “الإصلاح الاجتماعي” الشهرية، ثم خبيرا بالمركز العربي للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والتعمير، ورئيسا لتحرير جريدة “الوطن” في سلطنة عمان، ثم رئيساً للقسم الثقافي بجريدة “المساء”.

تبنت فدوى البستاني نشر أعماله الأدبية إيمانا منها بعالمية الرجل، حيث بلغت الكتب المنشورة عن محمد جبريل 13 كتاباً، نشرت بعض قصصه القصيرة في ملحق الجمعة بجريدة الأهرام، كما درست أعماله في جامعات السربون ولبنان والجزائر، متزوج من الكاتبة والناقدة زينب العسال، رشحه بعض المثقفين لنيل جائزة نوبل في الأدب، تحدث لـ"الدستور" من أول سطر.

* كيف تختار أسماء شخصياتك؟

صورة للكاتب محمد جبريل ولقاء إذاعي بحضور زوجته الكاتبة دكتور ة زينب العسال.
صورة لغلاف رواية الصهبة للكاتب محمد جبريل.

- تنبهت إلى أنى لم أحاول أن أختار أسماء تعبر عن الشخصية، مثل أمينة فى بين القصرين، ورضوان الحسيني في زقاق المدق، ونور فى اللص والكلاب، وبسيمة عمران وصابر والسيد الرحيمي فى الطريق.. اختياري للشخصيات لا تشغله الدلالات، بل إنه - في معظم الأحيان - كيفما اتفق. بالطبع، فإن الشخصية النابعة من البيئة الشعبية لها اسم يختلف - على نحو ما - عن الشخصية ذات النشأة الأرستقراطية، وأسماء أبناء كل مهنة تتشابه بحكم النشأة الواحدة، وظروف المهنة، وأسماء المتصوفة وعلماء الدين، ولهم فى الأعمال الأدبية نصيب وافر، استمراراً لتسميات القدامى من علماء الدين والأولياء ومشايخ الطرق. ثمة من يحرصون أن تكون الأسماء تعبيراً صارخاً - لا يحضرنى تعبير آخر - عن البيئة، فأسماء نساء البيئة الريفية تقتصر على خضرة وست الدار وست أبوها وبخاطرها، فى حين أن أجمل الأسماء يختارها الأهل فى مجتمع القرية، وكان اختيار نجيب محفوظ لشخصيات ذات أسماء غريبة مثل كرشة، وجعدة، وزيطة وغيرهم حافزاً لأن يختاروا أسماء مشابهة فى التعبير عن البيئة الشعبية، والتعبير عن البيئة - بالطبع - ليس فى مجرد الأسماء، لكنه يتبدى فى ملامح المكان وقسماته، والفترة التى يعيشها، ومن السذاجة تصور أن من يمتلك اسماً غريباً هو بالضرورة من بيئة شعبية، ويميل البعض إلى استعارة الأسماء التركية والكردية لأسماء أبطالهم باعتبار أنهم من أبناء الطبقة العليا، وهذا اجتهاد غير صحيح، فغالبية أبناء تلك الطبقة يشغلهم أن تعبر أسماؤهم عن انتمائهم إلى البيئة المصرية، ولا أدرى لماذا اسم جرجس - وحده - هو التعبير عن الشخصية المسيحية فى معظم الأعمال التى يكون أحد شخصياتها من القبط؟ الاسم لقديس، لكن الأسماء متاحة، لقديسين، وامتداداً لأسماء مصرية قديمة، تعود إلى عصور الفراعنة. بل إنه من الصعب أن نفرق ـ في زمننا الحالي ـ بين أسماء المصريين، فلا يجد المرء إلا أن يخاطب محدثه باعتباره مصرياً. أتذكر قول سيمون دي بوفوار إنها تلجأ فى اختيار أسماء شخصياتها إلى دليل التليفون. أضيفه إلى وسيلة اختيارى للأسماء، وهى صفحة الوفيات، أو يجتذبني اسم أراه صالحاً للتعبير عن شخصية ما. ورأيى أن تفسيرات النقاد لأسماء الشخصيات والأماكن، ربما يبلغ حد شطط الخيال: مطار السيب فى مسقط هو بوابة العاصمة العمانية مسقط، فهو مكان واقعى تماماً.. لكن ناقداً أحترمه فسر الاسم بمعان يصعب أن تنطبق على قصتى القصيرة " العودة" التى تناولت التسمية. مع ذلك فإن اختيارات الأسماء عندي لا تجاوز البيئة، ففي الروايات التي تعنى بالحياة في بحرى تطالعنا أسماء: ياقوت، عباس، جابر، أنصاف، وغيرها من الأسماء التي تنتسب إلى بيئة الإسكندرية. أما الأعمال التي تجاوز المدينة، فأنا أستمد أسماؤها من قراءات الصحف، ومنها صفحة الوفيات.

صورة بل غلاف رواية “زوينة” للكاتب محمد جبريل

* ما رأيك في القول إن القصة القصيرة فصل من رواية؟  

                                  

- يجد جارثيا ماركيز فى كتابة القصة القصيرة ما يشبه صب الأسمنت المسلح . أما كتابة الرواية فهى أشبه ببناء الآجر ، بمعنى أنه إذا لم تكشف القصة القصيرة عن جدتها وجديتها فى المحاولة الأولى ، فمن الأوفق أن يتخلى المبدع عن كتابتها. تمزيق الأصول هنا تصرف مطلوب ، يجب ألا يخالطه تردد أو إشفاق على الصفحات التى جرى تسويدها . أما الرواية فإنه من الممكن أن يعود المبدع إلى نقطة البداية ، إلى الكلمة الأولى ، فى الجملة الأولى ، فى السطر الأول . يبدأ الكتابة الأصدق تعبيراً ، والأصدق فناً ، والرواية ـ بعامة ـ قد تحتفى بما تعتبره القصة القصيرة زيادة أو حشواً . ويضيف الكاتب الروائي والقاص محمد جبريل.

النظر إلى القصة القصيرة كأنها فصل من رواية ، خطأ كبير . القصة القصيرة وليدة دفقة شعورية ـ أو لا شعورية ! ـ واحدة . أما الرواية فهى ترتكز إلى الإلهام ، إلى فترات من الإلهام ، وإلى فترات من التأمل العميق كذلك . القصة القصيرة تكاد تقتصر على حكاية واحدة ، على موقف واحد ، وعدد محدود من الشخصيات ، بعكس الرواية التى قد يقترب كل فصل فيها من شكل القصة القصيرة . وبتعبير آخر ، فإن القصة القصيرة مثل ضربة الجزاء ، يجب أن يحدد اللاعب / الفنان الموضع الذى ستنطلق إليه ، ويصوب إلى هذا الموضع بالفعل . فإذا تردد ، أو بدّل نيته ، فإن الكرة سيصدها حارس المرمى ، أو أن اللاعب سيطوح بها بعيداً .

* اللافت ندرة كتاباتك فترة الستينيات، قياساّ للفترات التالية؟

- غيابى عن فترة الستينيات أنسبه إلى نفسى. قليل ما نشرته فى صحف تلك الفترة، ولم أشارك فى الأنشطة الثقافية بصورة فعالة، ذلك لأنى ألزمت نفسى - قبل أن أفرغ للإبداع - أن أقرأ الإبداع، وما يتصل به، وأمضيت حوالى تسع سنوات أنهيتها بكتابي " مصر فى قصص كتابها المعاصرين"، الذى حصلت به على جائزة الدولة، وأصدرت أولى رواياتي " الأسوار ". ثم سافرت إلى الخليج في رحلة عمل، استغرقت حوالى تسع سنوات أخرى، لم يكن لانشغالي فيها بالعمل الصحفي تأثير على الكتابة الأدبية، انتزعت من الوقت ما أنفقته فى القراءة والكتابة الإبداعية، وهو ما تواصل عقب عودتي إلى القاهرة، أعانى إدمان القراءة، وأحاول التعبير، وأواجه اتهاماً بغزارة الإنتاج، دون أن يتطرق أصحاب الاتهام إلى قيمة الإبداع، وهل يستحق التسمية، بل ودون أن يطرحوا المقارنة - من حيث الكم - بين ما صدر لي، وما صدر لزملاء أعزاء، تكاثرت كتاباتهم مثل خلايا نحل. لا أعتبر كثرة الكتابات مقياساً لمكانة المبدع، ولا أعتبر قلة الكتابات مقاساً مقابلاً، المهم أن يساوى الإبداع قيمة الوقت الذى أنفق في كتابته، والورق الذى سطر عليه. إن لى مشروعي الأدبي الذى ينهض على فكرة المقاومة، وما يتصل بها من قضايا مهمة، تشكل فى مجموعها ما أعتبره فلسفة حياة، وتحاول الاقتراب من تكامل مشروعي الأدبي.

* أنت كاتب صحفي، فهل توافق على الرأي بأن الصحافة تجني على المبدعين؟   

- أرفض الادعاء أن الصحافة تسلب الكاتب وقته. بل أني أدين لها بأفضال كثيرة: الراتب الذي يعين على مواجهة أعباء الحياة، القراءة في المجالات المتعددة، تجدد يقظة الوعي في متابعة الأحداث المهمة، كسب الصداقات، السفر إلى داخل المكان وخارجه، التعرف إلى الكثير من التجارب والخبرات. ممارسة الكتابة بصورة يومية. ولعل أهم ما أفادني من الصحافة مخاطبة اهتماماتي السياسية.

* هل نتحدث عن تجربة ندوة المساء؟                                               

- ندوة المساء بدأت في 1985 . بدأتها بمفردي . نشرت عنها فى جريدة " المساء " ، وانتظرت الأصدقاء . مضت بضعة أسابيع قبل أن يأتى أول الأصدقاء : الأديب نيازى مصطفى . طلب أن أناقشه فى قصة قصيرة له . وتناقشنا . ثم جاء فى الأسبوع التالى بصحبة الأديبين ناصر أحمد وخالد عبد المنعم . ثم اتسعت الدائرة لتشمل عشرات الأدباء الذين أعتز ـ شخصياً ـ بصداقتهم ، وأصبحت ندوتى أهم ندوات القاهرة ، سواء من حيث الكم أو الكيف . أما الكيف فقد تحدث عنه العديد من كبار الأدباء والنقاد الذين شاركوا فى نشاط الندوة . وأما الكم فإن القائمة تطول للغاية إن حاولت أن أورد كل الأسماء .

إنها ـ باختصار أرجو ألا يكون مخلاً ـ ورشة أدبية تعنى بتقديم أجيال جديدة من الأدباء ، فضلاً عن مناقشة إبداعات الجيل الحالي والأجيال السابقة . إنها ملتقى كل التيارات ، وكل الأجيال ، سعياً لتقديم أعمال أدبية تحرص على القيمة الفنية ، وتعبر عن واقعنا المعاش ، بلا خطابة ولا جهارة ولا افتعال ، وتطمح إلى تقديم أدب مصري يعبر عن الخصائص المصرية ، والمحلية المصرية ، توقاً لمسايرة الأدب العالمي في أكمل تطوراته .

وكيف تحولت الندوة الأدبية إلى ورشة ؟

عندما تتحول الندوة إلى ورشة أدبية، تعين الأدباء على التعرف إلى الأساليب الفنية الصحيحة ، وتساعدهم على تقويم محاولاتهم ، فإنها تحقق الهدف من تنظيمها . أما أن تصبح مجرد جلسة للدردشة والنميمة والغمز واللمز والنيل من عباد الله ، فإنها تصبح شيئاً آخر لا صلة له بمعنى الندوة الأدبية ، وأية ندوة تنظم في هذا الإطار مطلوبة ، وكلما زاد عددها ، اتسعت الفائدة ، والندوات المهمة كثيرة . أخشى أن أهمل ـ بالنسيان ـ بعض الندوات ، وأذكر بعضها الآخر ، فاعفني من ذكر الأسماء .

* في تقدير البعض أن عزوفك عن المجتمعات يصنع حاجزاً بينك وبين الحياة المعاشة؟ 

- إذا كانت العملية الجراحية الفاشلة فى عمودي الفقرى قد قيدت حركتي إلى حد بعيد، فإن حياتي عمومًا في الاعتكاف، لا تردد على الأمكنة، ولا جلوس على المقاهي، ولا إجادة للألعاب الرياضية، أو لألعاب التسلية. من أين يستمد كتاباته؟ كيف يجد ما يشاهده، ويعيشه، ويستفزه للكتابة؟ تلك هي الأسئلة التي شغلت بعض الأصدقاء من مبدعي جيلي. تصوروا أنهم على معرفة بتفصيلات حياتي، ما كان، وما هو حادث، وتوقعات المستقبل. حياة تحددت خطواتها بين البيت والجريدة، فضلاً عن مشاوير متباعدة لإنجاز احتياجات أسرية أو شخصية. ظني أن فصول كتابي " أيامى القاهرية " - الفصل الأول تحديدًا - ستبدل ما ثبته الأصدقاء في أذهانهم عن النبع الذى صدرت عنه كتاباتي.

* ما طقوس كتاباتك الإبداعية؟

- لقد تبينت - بعد اتساع قراءاتى وخبراتى ومخاطبتى للآخرين- أنى أستطيع الكتابة دون إعداد، دون نقاط مسبقة . أنا لا أضع ملفات مثلما كان يفعل أستاذنا نجيب محفوظ ـ على سبيل المثال ـ وما يفعله أدباء آخرون، لا أضع مخططاً عاماً ، لا أرسم الملامح الظاهرة أو الجوانية للشخصيات، ولا أتقصى ماضيها، ولا أخطط للأحداث التى أضمنها السرد، ولا حتى التقنية التى ربما ألجأ إليها، وما إذا كنت سأكتب بصوت الكاتب الذى يعرف كل شيء، أم بصوت الراوى المخاطب ، أم الراوى المشارك، أم أكتب بصوت الجماعة، أم ألجأ إلى تقنية تعدد الأصوات، أم ألجا إلى المونولوج الداخلى. أحياناً يعرونى قلق أو خوف، وأنا أفكر فى الحرف الأول، الكلمة الأولى، الجملة الأولى. أعانى التوتر والارتباك والشرود، يجرى القلم بالسطر الأول، فتغيب كل تلك المشاعر، بل إنى أسلم مشاعري وقلمي للعمل الذى أكتبه، يتخلق من داخله الشخصيات والأحداث، حتى يكتمل فى صورته النهائية. وفى جلستي أمام الكومبيوتر ربما أضفت الكثير مما لم أكتبه في مسودات النص. يعروني ما يشبه حالة إبداع مغايرة لتلك التي أخلو فيها إلى القلم والورق. هي تختلف عن المراجعة التي تعقب نقل الكلمات على الكومبيوتر، أعيش فيها النص تماماً: الأحداث والشخصيات وفنية السرد. أجاوز الكتابة الآلية على الكومبيوتر إلى لحظات إبداع متجددة.

وفي تقديري أنه يجدر بالفنان - اذا اعتبر الابداع قضية حياة - أن يحاول استغلال كل ما يسمح له من وقت دقائق أو ساعات قصرت او طالت، ولعله أشد اطمئنانًا الي مكتبته في تلك الاوقات العابرة، اوقات ما بين عملين أوقات الفراغ والضيق واللاجدوى، أجرى بالقلم على الأوراق، ربما لمجرد الانشغال بإزجاء الوقت، لأضع في النهاية نقطة الختام لعمل كنت قد أهملت الحاحه قبل ذلك فترة طويلة. ويضيف الكاتب والروائي الكبير محمد جبريل،

لقد حاولت منذ تعرفت الي الكتابة الادبية – أن اكتسب عادة الكتابة اليومية بصرف النظر عن كل شيء حتى الايام التي كان الاجهاد يلفني فيها تمامًا بعد تواصل عمل شاق، كنت أحرص على ان أكتب ولو بضعة أسطر. ولعلي أعترف أني حاولت ان تكون لي عاداتي المصاحبة للكتابة مثل شرب القهوة والسجاير وسماع الموسيقا والتحكم في مساحات الضوء فلم أوفق. تكفيني المعادلة السهلة : فكرة + مكان للكتابة + اوراق + قلم، لا يشغلني بعد ذلك أي شيء. حتى الشاي تعرفت اليه مؤخرًا، وكنت قد حاولت قبلًا أن تكون لي – مثل بقية الناس – هوايات أمارسها، لكن الفشل كان هو الحائط الذي اصطدمت به كل محاولاتي .

كيف، ليتك تشرح للقارئ؟ 

كانت الآلة الكاتبة مثلاً، تبتلع وقنى بصورة قاسية. إن أخطأت - بصرف النظر عن بساطة الخطأ أو ضخامته - أو بدت الصفحة غير منضبطة، نزعتها من الآلة، وأعدت كتابتها. وكنت ألجأ - أحيانًا - إلى موسى الحلاقة، أو " الكرّيكتور "، لتقويم الأخطاء، أو إزالتها.

معظم جلوسي للكتابة على طاولة الطعام، أكتب، ثم أنقل ما كتبته على الآلة الكاتبة [الكومبيوتر فيما بعد ]، لكنني أكتب حين تواتيني الكتابة، لا أتعمد زمانًا محددًا، ولا مكانًا بذاته، تلح الفكرة فأكتب حيث أكون، أكتب بإفاضة، أو مجرد خطوط أولية، أرفض طريقة السيناريو السينمائي في الكتابة الروائية، أرفض الرسم المسبق للشخصيات والأحداث، فلا يبقى شيء للتلقائية.

وكيف أو ما هي آليات الكتابة ومحفزاتها أو طقوسها عند المبدع الكبير محمد جبريل؟

لا أميل إلى الكتابة ما لم أكن في صحة نفسية جيدة، إذا فقدت الاقتناع أو الحماسة أو التركيز، فإني أتوقف عن الكتابة حالًا، حتى تواتيني الرغبة في لحظة تالية، أتوقعها، وأنتظرها.

قد ينتهى عمل ما على نحو مغاير، ربما إلى حد التباين، مع الفكرة التي كانت تشغلني. تحل شخصيات، وتختفي شخصيات، وتظهر أحداث بدلاً من أخرى، تصورتها، يأخذ العمل الإبداعي - في أثناء كتابته - طريقا لم أكن تعرفت إلى ملامحها. وأحيانًا، تتسع الرؤية، وتبين الملامح والقسمات، فأشاهد من التقيت بهم في مراحل عمرى المختلفة، وأستمع إلى أحاديثهم، وأناقشهم.

* ماذا عن محمد جبريل الآن؟

- الحمد لله!.. هذا هو التعبير الذي يحضرني بعد سلسلة العمليات التي أجريت لي. أستطيع القراءة والتأمل والكتابة، وهو غاية مرادي. أتناسى الألم ، وصعوبة الحركة، وأجد في ما يتاح لي من قدرة على التجاوز، سبلًا للعوم في بحر الإبداع الذي تساوي محبته عندي محبة أهل بحري للبحر في هدوئه وتقلباته وآفاقه اللانهائية.

_ بعيدا عن الكتابة والقراء هماك أبعاد صوفية مؤكدة وواضحة في غالبية كتاباتك، حدثنا عن هذا المسار في حياتك ؟

حياتي في القراءة والتأمل والكتابة. وقد أتاحت لي فترة المرض اعتكافًا إجباريًا، راجعت فيه بعض ما كتبت، وحاورت أفكارًا ناوشتني، وبدأت في ما استطعت إنجازه، وما أدعو الله أن أنهيه. آخر رواياتي " النوارس"، عن تجربة شبان ثلاثة ركبوا البحر فرارًا من قسوة الواقع. ورواية " حيرة الشاذليّ في مسالك الأحبّة" عن ولي الله أبي الحسن الشاذلي، يزور تلاميذه في بحري أبو العباس وياقوت العرش واالبوصيري وغيرهم، يسألهم عن تطورات الأحوال في الحي الذي تحول - بمقاماتهم وضرائحهم وفرقهم الصوفية - معلمًا روحيًا يسم بحري بمغايرة لافتة، ورواية" كشارف اليقين"، وهي تتسق مع أجواء الواقعية الروحية التى أجد فيها تعبيرًا حقيقيًا عن واقعنا المجتمعي. أما أحدث الروايات فهي "أسرة القط حميدو". سميتها رواية تسجيلية، لكنها تناقش همومًا مصرية وإنسانية مهمة.