رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتفاق وعقيدة نتنياهو

إذا خلقت فراغًا دبلوماسيًا فسوف تملؤه جهة ما، المنطقة الآن تتحدث عن نفسها، إنها لا تتبع إملاءات أى شخص، إنها تتحرك بشكل مغاير للنظريات والمنطق. تتحرك وفقًا للمصالح. لعبة تبديل الأدوار بدأت منذ زمن، واليوم نجنى النتائج.

المفاجأة- التى ليست هى مفاجأة- بعودة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران لاقت صدى واسعًا داخل إسرائيل، فى إسرائيل يحبون المبالغة، ويحبون الوقوف عند التفاصيل، ويحبون أيضًا ضرب الأزمات الداخلية بالأحداث الخارجية، ويحبون دائمًا أن يكون هناك شخص يلقون باللوم عليه. مَن يتذمرون من وجود نتنياهو على رأس الحكم اعتبروا الاتفاق فرصتهم لتوجيه الضربات لـ«بيبى»، قالوا: «هذا نصر سياسى لإيران وفشل لحكومة بنيامين نتنياهو». وقال وزير الدفاع السابق «جانتس»: «التحديات الأمنية الهائلة التى تواجه البلاد تتزايد ورئيس الوزراء وحكومته مشغولون بانقلاب».

فريق نتنياهو استغل الفرصة ولعب بالتفاصيل وألقى اللوم على المعارضة «الحكومة السابقة»، قال مسئول من فريق نتنياهو إن المحادثات بين الرياض وطهران بدأت فى عام ٢٠٢١، أثناء ولاية نفتالى بينيت وحكومة يائير لابيد التى لم تدم طويلًا عندما كانت إدارة بايدن أكثر التزامًا بالعودة إلى الاتفاق النووى الإيرانى. 

اتركوهم يهاجمون بعضهم بعضًا.. ليس مهمًا كيف تم الاتفاق، المهم هو ما التداعيات؟

ينبغى الاعتراف بأن استئناف العلاقات بين الرياض وطهران لا يعنى إنهاء الصراع، ولكن يعنى خفض درجة التوتر فى الشرق الأوسط، القطيعة تمت عام ٢٠١٦، وقبلها كان التوتر قائمًا، العلاقات الدبلوماسية شىء والواقع الاستراتيجى شىء آخر. فالتوتر سيستمر هنا لفترة أخرى من الوقت، لكن مع وجود تعهدات دبلوماسية بعدم التدهور ربما فى صراع عسكرى. 

تجديد العلاقات له دلالة رمزية، فهو يشير إلى أن مساعى إسرائيل نحو تحالف إقليمى لم تنجح، فالآن واضح أن دول المنطقة تعتبر الحوار أفضل طريقة للتعامل مع إيران، فى الوقت الذى تعتبر فيه إسرائيل الخيار العسكرى هو المفضل لها. 

الهزة الأكبر هى لـ«نتنياهو» على وجه التحديد، والسبب هو عقيدته الخاصة، نتنياهو هو من كرس سنوات من حياته لصوغ التهديد الإيرانى أمام العالم، خاض حربًا ضد الاتفاق النووى، وهاجم طهران من فوق كل منصة، واعتبر نفسه الزعيم الذى شرح للعالم تفاصيل القنبلة النووية ومخاطر إيران، وضع نفسه فى مقدمة الأمم التى تحذر من إيران، فى إسرائيل هاجموه وقالوا إنه يخيف الإسرائيليين من إيران لكى يحتفظ بالحكم، الحقيقة أنه يريد الحكم، ولكنه يشعر بالتهديد من إيران فعلًا. هو لا يدعى.. هذه كانت رؤية نتنياهو، ورسالته خلال العقد الأخير.

وفقًا لهذه الرؤية حاول نتنياهو تجنيد الغرب والولايات المتحدة والدول العربية من أجل هذا الغرض، حتى اتفاقات إبراهام فى جزء حيوى منها كان تحالف الدول السنية وإسرائيل ضد المد الشيعى الذى تقوده إيران فى المنطقة. والصياغة كانت أعداء الأمس وحلفاء اليوم من أجل عدو مشترك.

ضيقو الأفق، يربطون بين الاتفاق واحتمالات التطبيع بين إسرائيل والسعودية، والحقيقة أنه لا توجد روابط، ما الذى يمنع الرياض من تجديد العلاقات الدبلوماسية مع طهران، وفتح قنوات دبلوماسية مع تل أبيب؟ 

أزمة التطبيع بين السعودية وإسرائيل لا تتعلق بإيران، بل تتعلق بمطالب السعودية من الولايات المتحدة، وبرغبتها فى تطوير برنامجها النووى. هذه هى الحقيقة، عليهم الاعتراف. هناك فرضية أخرى تقول، إنه كلما زادت صرامة المواقف الإسرائيلية والغربية بشأن إيران زادت احتمالية استعداد المملكة العربية السعودية لتوطيد العلاقات مع إسرائيل، لتوازن مع علاقتها بإيران.