رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ركوب الترند!

يعني الترند شيئا لافتا تم التركيز عليه فصار في صدارة الأشياء، حدث أو خبر أو شخص أو موضوع أو رأي، وقد صارت فكرة "ركوب الترند" بمعنى الصعود المعنوي لمستخدم السوشيال ميديا من خلال فكرة ذائعة ومحببة إلى النفوس، بل محل تنافس كثيرين من المغرمين بوسائل التواصل الاجتماعي، وترتب على الأمر ما ترتب من الخطر والفوضى طبعا؛ فأمور كثيرة، تتسم بالخفة والتفاهة، لم يكن يصح استثمارها ونشرها على نحو صارخ لمجرد الحصول على مكانة بين المستخدمين الآخرين، ولكنه هوس فعلي أصاب الناس، هوس بالتسلية وهوس بالشهرة المجانية، وفي الحقيقة تعبير "ركوب الترند" هو إعادة صياغة لتعبير قديم معروف هو "ركوب الموجة"، الموجة هي الترند، وقد كان الناس العقلاء، في زمن ضاعت ملامحه الآن، أو توشك أن تضيع، يصفون الشخص الذي يركز عقله ومشاعره في حكاية من الحكايات التي تلفت النظر بأنه "راكب للموجة"، والمعنى أنه ذاهب خلف الرائجة ومنسحق أمامها حتى ظهور أخرى أكثر جاذبية! 
الأهم، من وجهة نظري، هو استغلال الإعلاميين للمسألة، لا أعني بالأهم أن هذا وضع مميز، وإنما أعني أنه أكبر صدى من صفحة في فيسبوك أو تويتر، ومن ثم فهو أبلغ تأثيرا، ومن هنا تأتي أهميته ولو كان حقيرا للغاية؛ فالجماهير التي يمكن أن تكذب شخصا لا تعرفه لا يمكنها أن تكذب إعلاميا موثوقا فيه، وهذه الجماهير أخلاط من العقول والأفئدة، يمكن أن تمرر من خلالها كارثة بكل معنى الكلمة!
نعم.. ركب إعلاميون الترند بمنطق الأولى بالركوب؛ فالإعلام مهنتهم الأصلية، يعرفون خفاياه أكثر مما يعرفها الآخرون، ويدركون سلطته ونفوذه، وما يمكنهم تحقيقه لأنفسهم من بابه، معنويا وماديا، وعلى هذا ركبوا الترند مطمئنين، أو هم من اخترعوه أصلا وألقوه لتصرفات الباقين..
في هذه الفترة على وجه الخصوص هناك قضايا عجيبة ومريبة تنتشر انتشار النار في الهشيم، تنتشر في ثوان معدودة، كأنها معدة من قبل، وكانت تنتظر اللحظة المناسبة لتنفجر، كقنبلة ألوان، تنفجر في الجموع التي أضحى الملل رفيقها، وأضحت تترقب الجديد لتلعب به، الجديد المثير، ضاحكا أو حزينا أو سوى الضدين مما يسلب الألباب.
لم نكن نعرف الإعلامية فلانة التي تتحدث عن الرجل بكل هذا التقدير والإعجاب، المبالغ فيهما طبعا، ولم نكن نعرف الإعلامية الثانية التي ترفض منطق الأولى، وتدعو إلى استقلال المرأة واستغنائها عن خدمات الرجل، بنفس المبالغة أيضا، لكننا عرفنا الاثنتين، وعرفنا غيرهما، من نساء الإعلام ورجاله، صانعات الترند وصانعيه وراكباته وراكبيه!
يظل الشارع المصري بعيدا عن هذه الموضات المسعورة، يظل ساخرا إذ يصل إليه نبأها، وناقما بنفس الدرجة، وصحيح أن بعده ليس محمودا على طول الخط، ولكنه يساوي صفعة علي وجه الزور والرخص والتنطع الكلامي المقرف!