رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فبراير القصير المكير «2-2»

مر بنا فى المقال السابق كيف شهد هذا الشهر القصير، أقصر شهور السنة، شهر فبراير، وقائع مهمة لعبت دورًا محوريًا فى متغيرات التاريخ المصرى المعاصر. رأينا كيف أدى تصريح ٢٨ فبراير ١٩٢٢ إلى رفع الحماية البريطانية عن مصر، وتغير النظام السياسى فى مصر من «السلطنة المصرية» إلى «المملكة المصرية»، هذا فضلًا عن السماح بصدور دستور ١٩٢٣. كذلك رأينا كيف لعب حادث ٤ فبراير ١٩٤٢ دورًا فى البدء فى تقويض الزعامة الشعبية لحزب الوفد- للأسف الشديد- وكيف بدأ تذمر الضباط الأحرار فى الجيش منذ تلك اللحظة، وكيف مهد ذلك بشكل غير مباشر للبدايات التاريخية لفكرة تحرك الضباط لتغيير النظام السياسى بأكمله.

من الأحداث المهمة والمثيرة التى شهدها أيضًا شهر فبراير: إعلان الوحدة المصرية- السورية فى ٢٢ فبراير ١٩٥٨. وبالقطع نحن من أنصار القومية العربية، لكن ترتب على تلك الوحدة تغير كبير فى النظام السياسى؛ إذ تغير مسمى الدولة من «جمهورية مصر» إلى «الجمهورية العربية المتحدة». وعاب البعض على ثورة يوليو أنها تخلت عن اسم مصر لصالح المسمى الجديد، وأن مصر أصبحت مجرد «الإقليم الجنوبى» فى الجمهورية العربية المتحدة. ومهما يكن من وجاهة الرأى السابق، إلا أنه فى الحقيقة يتجاهل أن هذا التغيير كان يدور فى زمن صعود القومية العربية، وأحلام الوحدة. ومن ناحية أخرى كان عبدالناصر نفسه يرى أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذه الوحدة لأسباب داخلية وإقليمية وعالمية، لكن الجانب السورى شكل ضغطًا كبيرًا، كما أن الخطر الإسرائيلى على سوريا كان بمثابة الدافع الأساسى وراء سرعة إنجاز الوحدة.

على أية حال، وتحت ضغط العديد من العوامل الداخلية والخارجية، سرعان ما وقع الانفصال بين سوريا ومصر فى عام ١٩٦١. ويُحسب لعبدالناصر عدم استخدامه القوة ضد الانفصاليين، وإلا تحول الأمر إلى صراع على السلطة مما يفتح الباب للتدخل الخارجى، هذا التدخل المتربص أصلًا بالوحدة. ويثير البعض سؤالًا حول استمرار مسمى «الجمهورية العربية المتحدة» حتى بعد الانفصال، وعودة مرة أخرى إلى ما يطرحه التيار القومى المصرى حول «محو» اسم مصر من مسمى الدولة.

الحدث المهم والخطير، والذى أعتقد أننا ما زلنا نعيش تبعاته حتى الآن، وهو «تخلى» الرئيس مبارك عن الحكم فى ١١ فبراير ٢٠١١، بعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير؛ إذ أنهى هذا الحدث فترة حكم مبارك التى قاربت ثلاثين عامًا، وهى بالمناسبة أطول فترة حكم لرئيس منذ قيام ثورة ٢٣ يوليو. كما يطرح علينا هذا التاريخ السؤال المزمن والأبدى فى تاريخ مصر حول ماهية ومعنى مصطلح «الثورة»، وهو سؤال مزمن فى تاريخ مصر المعاصر منذ الثورة العرابية. وكانت الآمال والأحلام عريضة بعد ١١ فبراير، ولكن مرت مصر بأحداث عصيبة لم تمر بها من قبل ووصل الإخوان إلى الحكم، وحدثت ثورة ٣٠ يونيو، ورأى المصرى لأول مرة رئيسين فى قفص الاتهام. وطرح البعض سؤالاً افتراضيًا: هل كان من الضرورى المرور بكل هذه المصاعب والأهوال؟ ألم يكن من الأفضل- أو الأجدى- والأقل تكلفة أن يُصلِح نظام مبارك نفسه من الداخل؟ وهنا نعود إلى السؤال الأزلى فى التاريخ السياسى والاجتماعى، ليس فى مصر فحسب بل فى التاريخ العالمى: هل نختار النموذج الإنجليزى والإصلاح الدستورى والإصلاح من الداخل؟ أم نختار النموذج الفرنسى والإصلاح الثورى؟