رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محبة لا تمحوها الأيام ولا مؤامرات اللئام

تمضي علاقات الدول بين تقارب وتباعد وفقاً للمصلحة، لكن علاقات مصر الخارجية بأشقائها العرب عموماً والمملكة العربية السعودية خصوصاً تظل ثابتة راسخة لا تؤثِّر فيها تقلبات الأيام إلا بالإيجاب، وتتحطم أمام قوتها كل محاولات زرع الفتن أو صناعة الأزمات أو افتعال الخصومات، ورأيي أن لهذه الطبيعة الخاصة في العلاقات عوامل مهمة جداً. 

إذ إن العاطفة الدينية هي المحفز الأول- وليس الوحيد- لمضي العلاقات في منحناها الصاعد دائماً، فالمصري معروف بشديد حبه لموطن ميلاد الحبيب المصطفى محمد  صلى الله عليه وسلم. كما كانت التحديات التاريخية عاملاً مهماً في رسم ملامح طبيعة هذه العلاقة. فأمام كل تحدٍ كانت المواقف تثبت- وبما لا يدع مجالاً للشك- أن قوة مصر مصدر لاطمئنان أشقائها، كما أن نمو الدول العربية وتطورها وتقدمها ضمان لاستقرار مصر. 

وقد ضربت الدولتان العربيتان الكبيرتان مصر والسعودية نموذجاً يحتذى في قوة ومتانة العلاقات وتنسيق الجهود وتوحيد الرؤى لصالح البلدين خصوصاً، ولصالح الدول العربية جميعها عموماً.

ومن هنا ينبغي تذكير مَن يتظاهرون بالنسيان إلى موقف المملكة الذي لا يمكن أن ننساه حين قررت دعم إرادة الشعب المصري في ثورته يوم 30 يونيو 2013، حين وجّه جلالة الملك عبدالله وزير خارجيته الأمير سعود الفيصل- عليهما رحمة الله- بالتحرك لدى العواصم المؤثرة في العالم سعياً لبيان موقف السعودية المؤيد والمناصر والداعم بشدة لإرادة الشعب المصري في ثورته التي حماها الجيش المصري ورجاله.

وهو ذاته ما فعلته مصر من قبل حين تصدت للعدوان الغاشم الذي هدد دول الخليج حين أقدم صدام حسين على غزو الكويت، فكانت مصر ضلعاً أصيلاً في الدفاع عن الخليج كله انطلاقاً من الأراضي السعودية.

ومنذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن سعود ثم خلفائه من بعده ظلت المملكة على عهدها مساندة وداعمة لمصر على كل الأصعدة، وهو الموقف الثابت الذي شهد مزيداً من الترسيخ في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وكيف لا؟ وقد كان الملك سلمان واحداً من أبناء الملك عبد العزيز الذين تطوعوا ليشاركوا مصر في حربها لصد العدوان الثلاثي عام 1956، وترأّس لجنة التبرع لمنكوبي السويس جراء العدوان. ثم عاد ليدعم مصر من خلال اللجنة الشعبية لدعم المجهود الحربي في مصر إبّان حرب أكتوبر 1973.

ويبقى الحديث من حين لآخر عن عمق ومتانة العلاقات العربية- العربية أمراً ضرورياً لتذكير الغافلين، وقطع الطريق على المتربصين، وتثبيت قلوب المحبين. وتلك مهمة جهات كثيرة بينها الساسة والدبلوماسيين، فضلاً عن رجال الفكر والإعلام في الطرفين. وإن كنت لا أرى أجدر من أهل الفن والإبداع بكل أشكاله للقيام بهذا الدور. فظني أن مواقف الدعم والمساندة المتبادلة لابد أن تسلّط عليها الأضواء الإعلامية وأن تخلّدها الأعمال الفنية من أغنية، لمسرحية، لمسلسل، لبرنامج، لقصيدة شعر. 

وفي هذا كانت لي مساهمة شخصية متواضعة قمت بها عن قناعة شديدة مؤلفاً، وأخرجتها يسرية علي حين قدّمنا مسلسلاً إذاعياً تم بإنتاج مشترك بين إذاعة صوت العرب وإذاعة الرياض. حمل المسلسل اسم "خيوط الشمس" قام ببطولته من مصر الفنان القدير الراحل عزت العلايلي، ومن السعودية الفنان الكبير راشد الماجد، ومعهما النجوم الكبار: أشرف عبد الغفور ، عبد العزيز السكيرين، إنعام سالوسة، عليّان العمري، ميرنا وليد، سارة حسن، رضا الجمّال.

دارت أحداث المسلسل في إطار فني بحت، ولكنه غاص في عمق العلاقات بين البلدين وأصّل لها بسلاسة دون لغة خطابية أو تشنجات سياسية. وقد نجح تتر المسلسل- والذي شدا به المطرب الكبير لطفي بوشناق وغنّاه ضمن أحداث المسلسل أيضاً أحد أبطاله النجم محمد الشرنوبي- نجح في تلخيص فكرة العمل، إذ كتبه الشاعر الراحل صفوت زينهم ووضع ألحانه الموسيقار الراحل أحمد الحجار وقام بتوزيعه الموزع الموسيقي أحمد عبد العزيز ، تقول كلماته:

إيدي في إيدك، نتحد.. حلمي وحلمك يتولد 

سنة حياتنا الاختلاف.. فلو اختلفنا ليه نخاف 

ما دمنا في نهاية المطاف.. مع بعض يجمعنا الطواف

شمس العروبة حلمنا، من غير وجودها عمرنا ما حنتوجد

الأرض واحدة من محيطها نشوف خليجها يضمنا

ولغتنا واحدة ربك خلقها بيها يجمع شملنا

بالحب نقدر والله نقدر 

الحب مولود في البشر ومش اختراع ولا اكتشاف

وهكذا يمكن للفن أن يقوم بدور فاعل ومؤثر في دعم العلاقات الثنائية وتمتينها، وهذا ما كانت تفعله كوكب الشرق أم كلثوم بزياراتها للعواصم العربية وشدوها هناك. وهو ذاته ما فعلته حين غنت "مكة وفيها جبال النور..."، وبالمثل فعل فنان العرب محمد عبده إذ غنى لمصر "رفرف يا طير الحرية". كلي أمل أن يكون للجهات الإنتاجية مزيد من الجهد في مجال تمويل أعمال فنية مشتركة تعمل على تعزيز العلاقات الأخوية. أما وقد بدأت السعودية خطوات جادة في سبيل بناء قاعدة للإنتاج الفني ففي تصوري أن المملكة بهيئاتها، ومعها مصر بنجومها ومبدعيها وقاعدتها الفنية الكبيرة يمكنهما أن يتشاركا في تقديم منتج فني عربي يعزز الصلات العربية ويقوّي الروابط بين الأشقاء ويمتّن العلاقات الأخوية بين العرب وبعضهم البعض.

ويبقى التأكيد أن الأصوات النشاز من هنا أو هناك وكتائب المستأجرين على مواقع التواصل لن تفلح في تحقيق مخططها بتفتيت أواصر علاقات قديمة قدم التاريخ بنيت على المحبة والاحترام المتبادل وترسيخ مبادئ حسن الجوار وتفعيل فكرة المصالح المشتركة لصالح كلا الشعبين والدولتين.