رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«نبيذ على الطائرة وسر المقلب».. مواقف من حياة إبراهيم أصلان

 إبراهيم أصلان
إبراهيم أصلان

العديد من المواقف في حياة الكاتب الكبير إبراهيم أصلان والذي تحل اليوم ذكرى رحيله حيث رحل في مثل هذا اليوم من عام 2012، وفي هذا التقرير نرصد العديد من المواقف للأديب الكبير.

لم أفهم منه حرفًا واحدًا

قال الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، في ندوة لمناقشة تجربته الإبداعية والتي استضافتها ورشة يوسف إدريس الإبداعية بمقر التجمع بالزيتون في 1 إبريل 1993: "تجربتي مع الكتابة ليست شيئا وحياتي ليست شيئا آخر، كلهما شيء واحد ومترابط، ويعني ذلك أنك حينما تجلس لتتحدث عن الكتابة فإن هذا يعني أنك سوف تتكلم عن حياتك، أنا باختصار أنتمي لأسرة رقيقة الحال من أصول ريفية، والدي وجدي كانا يعملان في هيئة البريد، وعندما تزوج أبي عشنا في طنطا، وأنا ولدت في طنطا، وبعد حوالي أربع أو خمس سنوات انتقلنا إلى القاهرة، وذلك لأن انتقال للعمل في القاهرة كان يعني زيادة مرتبه بعلاوة تبلغ خمسين قرشا، كنت أكبر اثنى عشر أخا وأختا، تبقى منهم سبعة فقط.

ويكمل: “هناك مشكلة في رصد أحداث حياتي هي تداخل الأزمنة، فالاحساس بالزمن بالنسبة لي غير دقيق بشكل حازم، أذكر الفترة التي عشتها في سيدنا الحسين، فقد اختزلت بالنسبة لي إلى مشهد صغير جدا يتمثل في كوني أقف على منتصف السلم، البيت معتم نسبيا، الأولاد تحت ينادون علي، وأمي فوق، وأنا لا أراها من العتمة، حتى سمعتها تقول لهم، لماذا كلما لع

ويضيف:" إنني أعتقد أن الذاكرة بالنسبة لي ذاكرة مشهدية، أول ما لفت نظري لعملية القراءة، وارتباط الإنسان بها أخ لصديق كان يصطاد معي في النيل، بعدها بدأت اتعرف على عالم الكتب، وفي سوق امبابة بجانب بيتنا كنت أجد روايات الجيب التي بدأت بالتعامل معها وبمجرد ما تعرفت على روايات الجيب التي بدأت بالتعامل معها وبمجرد ما تعرفت على روايات الجيب بدأت اٌقرأ أرسين لوبين بشراهة، ثم زادت قراءاتي واتسعت".

ويواصل:" أذكر حينما ذهبت لدار الكتب كان أول كتاب أطلبه هو رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، كان هذا هو الكتاب الوحيد في حياتي الذي استعرته وأرجعته دون أن أفهم منه حرفا واحدا".

مقلب سكرتير مبارك

روى الكاتب هشام أصلان، نجل الكاتب الكبير إبراهيم أصلان، واقعة بطلها «مقلب» لأسامة الباز، السكرتير السابق للرئيس مبارك وذلك على صفحته الشخصية بفيس بوك.

ويقول هشام أصلان: عندما انتقل أصلان إلى منزله الجديد من إمبابة إلى المقطم: البيت الجديد اللّي سكنا فيه في المقطم بعد ما سبنا إمبابة مكانش فيه أسانسير، وهو كان بدأ يتعب من السلم، وكان بيجمعه بأصحاب البيت ده ود كبير بس محرج يتكلم في موضوع الأسانسير بشكل مباشر، لغاية ما مرة قابل السيدة صاحبة البيت على السلم، كانت زي الستات اليونانيات اللي بنشوفهم في الأفلام.

وواصل أصلان الابن حكايته عن صاحب مالك الحزين:«لمّا لقيته بيريّح كل كام سلّمة قالت له: إن شاء الله هانركب الأسانسير قريب يا إبراهيم بيه، قال لها: يا ريت يا دكتورة، مش عشاني، أنا ممكن استحمل، لكن أنا راجل زي ما انت عارفة بيجيلي ضيوف مهمين طول الوقت، طب تصدقي؛ لسه كان بيزورني الدكتور أسامة الباز، سكرتير الرئيس مبارك من كام يوم، وأحرجت جدًا لما مدير مكتب الريّس دخل علىّ وهو بينهج، وسألني: «إزاي يا أصلان ماعندكش أسانسير لغاية دلوقت؟ طبعا الفكرة الطريفة كانت وليدة اللحظة.

وأضاف هشام أصلان عبر حسابه بـ«فيس بوك»: «الست الجميلة ماكدّبتش خبر، أسبوعين تقريبًا والأسانسير ركب، وتقديري إنها فهمت المقلب وتجاوبت معاه عشان متزعلوش».

واختتم أصلان حكايته:« بعد سنوات قليلة الست دي توفت في حادثة صعبة، أمي وأبويا ماستحملوش يكملوا في البيت وهي مش فيه، كانت بهجة المكان، شهرين تقريبًا وعزلوا من البيت لشقة دور أرضي، ورحل هو بعد العزال ده بأقل من 10 أيام.

مع محمد حافظ رجب

وذكر الروائي الكبير إبراهيم أصلان موقفا جمعه والكاتب محمد حافظ رجب، حيث قال: “أخذني محمد حافظ رجب إلى دار الأدباء في شارع قصر العيني، وكانت هذه هي أول مرة أحضر فيها ندوة أدبية، أو غير أدبية، وكانت القاعة التي أنشأها يوسف السباعي مشغولة عن آخرها، والمنصة يعتليها شخص لا أذكره، حين لمحت شيخًا عجوزًا يغادر مكانه ويشق طريقه بقامته القصيرة والنحيلة، ويقف أمام المنصة”.

وتابع في مقال نشره بمجلة الهلال 1991: “تكلم الرجل عن القصص التي يتم الاشتراك فيها في مسابقة نادي القصة، قال إن هذه القصص يتم تحويلها أخيرًا إلى عدد من كبار الكتاب لكي يضعوا تقديراتهم النهائية، مؤكدًا أن أعضاء هذه اللجنة لا يجدون وقتا للقيام بهذا العمل، لذلك يدفعون بها سرًا إلى مَن يقوم بالمهمة، ثم يعطونه شيئا من المكافأة التي يحصلون عليها، وأنه شخصيًا واحد من هؤلاء المحكمين من الباطن”.

واستكمل: “انقلبت الدنيا ومال علي حافظ رجب وقال: هذا عمك عبد المعطي المسيري، الذي أضاف بهدوء أنه لا يريد أن يفضح أحدا، لكنه يريد أن يقول بأن الأوان قد آن لكي يتحول كل المحكمين من الباطن في هذا البلد إلى محكمين شرعيين معترف بهم”.

وانفض الاجتماع وأخذني حافظ رجب ورافقنا العم عبده إلى الخارج، وأثناء الكلام علمت أنه صاحب مقهى المسيري الشهير بدمنهور، وقد تركها قبل سنوات وجاء إلى القاهرة لكي يأخذ وضعه، ويعمل الآن موظفًا صغيرًا بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب.

وعندما سألته لماذا سكت كل هذا الوقت ويتكلم الآن تطلع إلي وهو يلعب بشفتيه لكي يضبط طاقم الاسنان داخل فمه وقال إن الكاتب الكبير الذي يتعامل معه قبض الفلوس هذه المرة من غدارة النادي وكتم عليها وهرب، وابتسم وهو يضيف: شوف قلة الأدب.

البوسطجي

في ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ، بـ 8 شارع ﺭﺳﺘﻢ ﺍﻟﻤﺘﻔﺮﻉ ﻣﻦ ﺷﺎﺭﻉ اﻣﺮيكا ﺍﻟﻼﺗﻴﻨﻴﺔ في منطقة ﺟﺎﺭﺩﻥ ﺳﻴﺘﻲ.. كان إبراهيم أصلان يتولي توزيع برقيات وخطابات عملاء هيئة البريد التي كان يعمل فيها ببداية حياته كبوسطجى، ثم في إحدى المكاتب المخصصة للبريد.. وهى العمارة التي كانت مقر مكتب جريدة الحياة اللندنية بالقاهرة، التي تولى فيها رئاسة القسم الأدبى في أوائل التسعينيات، إلى جانب رئاسته لتحرير إحدى السلاسل الأدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، إلا أنه استقال منها إثر ضجة رواية وليمة لأعشاب البحر للروائى السوري حيدر حيدر.

علاقة إبراهيم أصلان مع البرقيات والجوابات ألهمته كتابة مجموعته القصصية «ورديه ليل»، وكانت سببًا في تقديم نصوصًا أدبية ما بين الرواية والمجموعة القصصية قائمة على التكثيف في العبارة، وهو ما تعلمه من الكلمات المحدودة بالبرقيات، والتي كان أصحابها يدفعون لهيئة البريد مقابلًا ماديًا نظير الكلمة، فحرصوا على أن تكون قصيرة وموجزة وتحمل من المعاني الكثير.

وعن تأثر والده ببرقيات وخطابات العملاء خلال فترة عمله كبوسطجى، قال نجله شادي أصلان: «إن إنطباعات العملاء ممن كانوا يستلمون منه الخطابات والبرقيات كخطابات التعيين، أو كلمات الوفاء من المغتربين لأقاربهم وأصدقائهم، ساهمت في تكوين العديد من الصور لدى ذاكرة والده، استعادها واستعان بها في أوقات الكتابة، كما أن قصر كلمات البرقيات ساهم في كون أعماله لم تكن من القطع الكبير، إيمانًا منه بأن النص الإبداعي لا يوزن بالكيلو، بل يقاس بمدى وصول عباراته وجمله وصوره لقارئه على وجه السرعة».

إبراهيم أصلان وعلاقته بالبرقيات كانت محطة ضمن سلسلة حلقات في حياة صاحب «مالك الحزين»، حيث انتقل خلال فترة دراسته بين عدة مدارس، حتى استقر في مدرسة لتعليم فنون السجاد لكنه تركها متجها إلى الدراسة بمدرسة صناعية.

البهجوري طلب نبيذ على الطائرة

قال الكاتب إبراهيم أصلان، أينما جلسنا أو وقفنا أو تنقلنا بين كافيتيريا مطار القاهرة الدولي أو توجهنا إلى دورة المياه أو صالة السفر، كان جورج البهجوري يرسم خطوطا كاريكاتورية سريعة لكل وجه يقابل، وهو يملأ بطاقة المغادرة أمام النافذة ويكتب في خانة المهنة "رسام عالمي"، ويرسم نفسه مع توقيعه الكبير الذي نعرفه، وضباط الجوازات يتقبل البطاقة ويبتسم.

وأضاف "أصلان" في كتابه شئ من هذا القبيل، كنا في الطائرة أنا والروائي محمد البساطي، والسينمائي علي أبو شادي، والتشكيلي جميل شفيق، والموسيقي فتحي الخميسي، والشاعر إبراهيم داود، نجلس متجاورين، والمضيفة سألتنا عما نشربه من شاي أو قهوة، وجورج البهجوري بهدوئه الجميل، وملامحه التي لا تخلو من أسى طلب بالفرنسية كأسا من النبيذ غير المسموح به على الخطوط الجوية الكويتية، وعندما بان الذهول على وجه المضيفة اعتذر، وطلب شمبانيا وهي غير مسموح بها أيضا على الخطوط نفسها.

وبينما راحت تشاركنا الضحك كان هو قد انتهى من رسمها على ظهر ورقة مكتوبة وأهداها لها، والمضيفة تأملت الورقة باحثة عن الشئ الذي يشبهها في هذه الخطوط، ثم انتبهت إلى أن عليها أن تشكره ممتنة، وانصرفت.