رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يتعارض الاحتكار مع ضرورة الأمة؟.. نادية عبدالله تجيب

مجلة الأزهر
مجلة الأزهر

استعرضت مجلة الأزهر الشهرية التابعة لمجمع البحوث الإسلامية، في عددها الصادر يناير 2023، ملفًا تحت عنوان "الممارسات الاحتكارية المعاصرة بين الشريعة والقانون"، وشمل الملف عددًا من المقالات السابقة لإعلام الأزهر الشريف من تراث الأزهر الشريف. 

وتحت عنوان “الاحتكار‭ ‬وضرره‭ ‬على‭ ‬الأمة” كتبت الدكتورة نادي‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬محمد، ما يلي:

الإسلام‭ ‬دين‭ ‬المحبَّة‭ ‬والرحمة‭ ‬والإخاء،‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬أفراده،‭ ‬وقد‭ ‬مَنَعَ‭ ‬أن‭ ‬يستغلَّ‭ ‬الإنسانُ‭ ‬أخاه‭ ‬الإنسان،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يستغلَّ‭ ‬حاجاته‭ ‬الضرورية‭ ‬والأساسية‭ ‬من‭ ‬مأكل‭ ‬أو‭ ‬ملبس‭ ‬أو‭ ‬دواء‭ ‬أو‭ ‬غيره؛‭ ‬وذلك‭ ‬بأن‭ ‬يحبس‭ ‬هذه‭ ‬الأشياء‭ ‬عنده‭ ‬لأجل‭ ‬أن‭ ‬يرتفع‭ ‬سعرها،‭ ‬فيستغل‭ ‬حاجة‭ ‬الناس‭ ‬إليها،‭ ‬ومن‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فهو‭ ‬خاطئ،‭ ‬كما‭ ‬أخبر‭ ‬النبي‭ ‬الأكرم‭ ‬ﷺ؛‭ ‬فعن‭ ‬معمر‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬‭-‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭-‬‭ ‬عن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭ ‬قال‭: ‬الا‭ ‬يحتكر‭ ‬إلا‭ ‬خاطئب‭(‬‭)‬،‭ ‬والحديث‭ ‬يفيد‭ ‬تحريم‭ ‬احتكار‭ ‬أقوات‭ ‬المسلمين‭ ‬وما‭ ‬فيه‭ ‬معايشهم‭ ‬ومصالحهم‭.‬

والمحتكر‭ ‬نظرته‭ ‬قاصرة؛‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬مِن‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬يزداد‭ ‬مالُه،‭ ‬ولكن‭ ‬الواقع‭ ‬أنه‭ ‬بفعله‭ ‬هذا‭ ‬يجلب‭ ‬لنفسه‭ ‬الخسران‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬والمال،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬النبي‭ ‬ﷺ؛‭ ‬فعن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطّاب‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬قال‭: ‬سمعت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭ ‬يقول‭: ‬امن‭ ‬احتكر‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬طعامًا‭ ‬ضربه‭ ‬الله‭ ‬بالجذام‭ ‬والإفلاسب‭‬‭.

قال‭ ‬المناوي‭ ‬في‭ ‬فيض‭ ‬القدير: ‬اضربه‭ ‬الله‭ ‬بالجذامب‭ ‬ألصقه‭ ‬الله‭ ‬وألزمه‭ ‬بعذاب‭ ‬الجذام‭ ‬اوالإفلاسب،‭ ‬خصهما‭ ‬لأن‭ ‬المحتكر‭ ‬أراد‭ ‬إصلاح‭ ‬بدنه‭ ‬وكثرة‭ ‬ماله،‭ ‬فأفسد‭ ‬الله‭ ‬بدنه‭ ‬بالجذام‭ ‬وماله‭ ‬بالإفلاس،‭ ‬ومَن‭ ‬أراد‭ ‬نفعهم‭ ‬أصابه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬نفسه‭ ‬وماله‭ ‬خيرًا‭ ‬وبركة‭.‬

والبركةُ‭ ‬في‭ ‬النفس‭ ‬والمال‭ ‬وسائر‭ ‬الأشياء‭ ‬إنما‭ ‬تستجلب‭ ‬بتقوى‭ ‬الله،‭ ‬لا‭ ‬أنْ‭ ‬يحتكر‭ ‬الإ‭ ‬نسان‭ ‬ويستغل‭ ‬حاجة‭ ‬إخوانه،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭
“وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”

وقال تعالى:" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا". 

فالتقوى‭ ‬تزيد‭ ‬في‭ ‬بركة‭ ‬العمر‭ ‬والرزق‭.‬

وعن‭ ‬عمر‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬عن‭ ‬النبي‭ ‬ﷺ‭ ‬قال‭: ‬االجالب‭ ‬مرزوق،‭ ‬والمحتكر‭ ‬ملعونب‭(‬‭)‬‭.‬

والمراد‭ ‬من‭ ‬قوله‭: ‬االجالبب‭ ‬أي‭: ‬التاجر‭ ‬امرزوقب‭ ‬أي‭: ‬يحصل‭ ‬الربح‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬إثم،‭ ‬اوالمحتكر‭ ‬ملعونب‭ ‬أي‭: ‬آثم‭ ‬بعيد‭ ‬عن‭ ‬الخير‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الفعل،‭ ‬ولا‭ ‬تحصل‭ ‬له‭ ‬البركة‭.‬

قال‭ ‬الطيبي‭: ‬اقوبل‭ ‬الملعون‭ ‬بالمرزوق،‭ ‬والمقابل‭ ‬الحقيقي‭ ‬مرحوم‭ ‬أو‭ ‬محروم‭ ‬ليعم،‭ ‬فالتقدير‭ ‬التاجر‭ ‬مرحوم‭ ‬ومرزوق‭ ‬لتوسعته‭ ‬على‭ ‬الناس،‭ ‬والمحتكر‭ ‬محروم‭ ‬وملعون‭ ‬لتضييقه‭ ‬عليهمب‭(‬‭)‬‭.‬

وممَّا‭ ‬سبق‭ ‬يتبيَّن‭ ‬أنَّ‭ ‬الاحتكار‭ ‬مشئوم،‭ ‬وأنه‭ ‬يعود‭ ‬على‭ ‬فائدته‭ ‬بالتلف‭ ‬والخسران‭.‬

وإنما‭ ‬ذمَّ‭ ‬الإسلام‭ ‬الاحتكار‭ ‬وحذَّر‭ ‬الأمَّةَ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬غلاء‭ ‬الأسعار؛‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬مَعْقِلِ‭ ‬بْنِ‭ ‬يَسَارٍ‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬قال‭: ‬سَمِعْتُ‭ ‬رَسُولَ‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭ ‬يَقُولُ‭: ‬امَنْ‭ ‬دَخَلَ‭ ‬فِي‭ ‬شَيْءٍ‭ ‬مِنْ‭ ‬أَسْعَارِ‭ ‬المُسْلِمِينَ‭ ‬لِيُغْلِيَهُ‭ ‬عَلَيْهِمْ‭ ‬كانَ‭ ‬حَقًّا‭ ‬عَلَى‭ ‬الله‭ -‬تَبَارَكَ‭ ‬وَتَعَالَى‭- ‬أَنْ‭ ‬يُقْعِدَهُ‭ ‬بِعُظْمٍ‭(‬‭)‬‭ ‬مِن‭ ‬النَّارِ‭ ‬يَوْمَ‭ ‬القِيَامَةِب‭(‬‭)‬؛‭ ‬وذلك‭ ‬لعدة‭ ‬أمور؛‭ ‬منها‭:‬

الاحتكار‭ ‬يورث‭ ‬الضغينة‭ ‬والكراهية‭ ‬بين‭ ‬الناس‭:‬

إنَّ‭ ‬الاحتكار‭ ‬يكون‭ ‬سببًا‭ ‬في‭ ‬انتشار‭ ‬الحقد‭ ‬والكراهية‭ ‬بين‭ ‬الأفراد؛‭ ‬ممَّا‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬تفكُّك‭ ‬المجتمع‭ ‬وانهيار‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬أفراده،‭ ‬وهذا‭ ‬يناقض‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الاسلام‭ ‬من‭ ‬الترابط‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع‭.‬

عن‭ ‬النُّعمانِ‭ ‬بنِ‭ ‬بَشيرٍ‭ -‬رَضِيَ‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭- ‬قال‭: ‬قال‭ ‬ﷺ‭: ‬امثَلُ‭ ‬المؤمنينَ‭ ‬في‭ ‬توادِّهم‭ ‬وتراحُمِهم‭ ‬وتعاطُفِهم،‭ ‬مَثَلُ‭ ‬الجَسَدِ؛‭ ‬إذا‭ ‬اشتكى‭ ‬منه‭ ‬عُضوٌ‭ ‬تداعى‭ ‬له‭ ‬سائِرُ‭ ‬الجسَدِ‭ ‬بالسَّهَرِ‭ ‬والحُمَّىب‭(‬‭)‬‭.‬

والحديث‭ ‬فيه‭ ‬حضٌّ‭ ‬على‭ ‬المؤاخاة‭ ‬والأُلفة‭ ‬والمواساة‭ ‬بين‭ ‬المؤمنين،‭ ‬وأن‭ ‬يكونوا‭ ‬متكاتفين‭ ‬مثل‭ ‬الجسد‭ ‬الواحد،‭ ‬ومثل‭ ‬البنيان‭ ‬المرصوص؛‭ ‬لتقوى‭ ‬وحدتُهم‭ ‬وتتفق‭ ‬كلمتُهم،‭ ‬ولذلك‭ ‬أرشد‭ ‬النبي‭ ‬ﷺ‭ ‬أمَّته‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الحديث‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يُنشِئ‭ ‬فيهم‭ ‬التراحم‭ ‬والحب‭ ‬والعاطفة‭.‬

والاحتكار‭ ‬يناقض‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الآداب‭ ‬والأخلاق‭ ‬الإسلامية‭ ‬السامية‭.‬

بل‭ ‬جاء‭ ‬الإسلام‭ ‬ليجعلنا‭ ‬كرجلٍ‭ ‬واحدٍ‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬الحديث‭ ‬الذي‭ ‬رواه‭ ‬الإمام‭ ‬مسلم‭ -‬أيضًا‭- ‬عَن‭ ‬النُّعْمَانِ‭ ‬بْنِ‭ ‬بَشِيرٍ‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬قَالَ‭: ‬قَالَ‭ ‬رَسُولُ‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭: ‬االمؤمنون‭ ‬كَرَجُلٍ‭ ‬وَاحِدٍب‭(‬‭)‬‭.‬

الاحتكار‭ ‬فيه‭ ‬تضييق‭ ‬على‭ ‬الأمة‭:‬

الاحتكار‭ ‬هو‭ ‬حَبْسُ‭ ‬ما‭ ‬يحتاج‭ ‬إليه‭ ‬الناس،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬طعامًا‭ ‬أم‭ ‬غيره‭ ‬ممَّا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬احتباسه‭ ‬إضرارٌ‭ ‬بالناس‭ ‬وتضييقُ‭ ‬الحياة‭ ‬عليهم‭.‬

وهذا‭ ‬يناقض‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬والتراحم‭ ‬بين‭ ‬المسلمين،‭ ‬قال‭ ‬‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭: ‬﴿ﯭ‭ ‬ﯮ‭ ‬ﯯ‭ ‬ﯰﯱ‭ ‬ﯲ‭ ‬ﯳ‭ ‬ﯴ‭ ‬ﯵ‭ ‬ﯶﯷ‭ ‬ﯸ‭ ‬ﯹﯺ‭ ‬ﯻ‭ ‬ﯼ‭ ‬ﯽ‭ ‬ﯾ‭ ‬﴾ ‭(‬المائدة‭: ‬2‭) ‬

واعلموا‭ ‬أنَّ‭ ‬الجزاء‭ ‬من‭ ‬جنس‭ ‬العمل،‭ ‬ومَنْ‭ ‬ضيَّق‭ ‬على‭ ‬الأمة‭ ‬ضيَّق‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬ومن‭ ‬أحسن‭ ‬إليها‭ ‬أحسن‭ ‬الله‭ ‬إليه،‭ ‬ومن‭ ‬شقَّ‭ ‬عليها‭ ‬شقَّ‭ ‬الله‭ ‬عليه،‭ ‬ومن‭ ‬يسَّر‭ ‬عليها‭ ‬يسَّر‭ ‬الله‭ ‬عليه‭.‬

وفي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أبي‭ ‬هريرة‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭-‬‭ ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭ ‬قال‭: ‬امن‭ ‬نفَّسَ‭ ‬عن‭ ‬مسلمٍ‭ ‬كُربةً‭ ‬مِن‭ ‬كُربِ‭ ‬الدُّنيا؛‭ ‬نفَّسَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عنهُ‭ ‬كربةً‭ ‬مِن‭ ‬كُرَبِ‭ ‬يومِ‭ ‬القيامةِ،‭ ‬ومن‭ ‬يسَّرَ‭ ‬على‭ ‬مُعسرٍ‭ ‬في‭ ‬الدُّنيا؛‭ ‬يسَّرَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬عليهِ‭ ‬في‭ ‬الدُّنيا‭ ‬والآخرةِ،‭ ‬ومن‭ ‬سَترَ‭ ‬على‭ ‬مُسلمٍ‭ ‬في‭ ‬الدُّنيا؛‭ ‬سترَ‭ ‬اللَّهُ‭ ‬علَيهِ‭ ‬في‭ ‬الدُّنيا‭ ‬والآخرةِ،‭ ‬واللَّهُ‭ ‬في‭ ‬عونِ‭ ‬العَبدِ،‭ ‬ما‭ ‬كانَ‭ ‬العَبدُ‭ ‬في‭ ‬عونِ‭ ‬أخيهِب‭(‬‭)‬‭.‬

إنَّ‭ ‬خدمة‭ ‬الناس‭ ‬ومساعدة‭ ‬المستضعفين‭ ‬دليلٌ‭ ‬على‭ ‬طيب‭ ‬المنبت،‭ ‬ونقاء‭ ‬الأصل،‭ ‬وصفاء‭ ‬القلب،‭ ‬وحسن‭ ‬السريرة،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الاحتكار‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬دناءة‭ ‬النَّفس‭ ‬وسوء‭ ‬الخلق،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ذمَّه‭ ‬الإسلام‭.‬

وفي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬بن‭ ‬عمر‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنهما‭- ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭ ‬قال‭: ‬اأَحَبُّ‭ ‬الناسِ‭ ‬إلى‭ ‬اللهِ‭ ‬أنفعُهم‭ ‬للناسِ،‭ ‬وأَحَبُّ‭ ‬الأعمالِ‭ ‬إلى‭ ‬اللهِ‭ -‬عزَّ‭ ‬وجلَّ‭- ‬سرورٌ‭ ‬تُدخِلُه‭ ‬على‭ ‬مسلمٍ؛‭ ‬تَكشِفُ‭ ‬عنه‭ ‬كُربةً،‭ ‬أو‭ ‬تقضِي‭ ‬عنه‭ ‬دَيْنًا،‭ ‬أو‭ ‬تَطردُ‭ ‬عنه‭ ‬جوعًا،‭ ‬ولأَنْ‭ ‬أمشيَ‭ ‬مع‭ ‬أخ‭ ‬في‭ ‬حاجةٍ؛‭ ‬أَحَبُّ‭ ‬إليَّ‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أعتكِفَ‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المسجدِ‭ -‬يعني‭ ‬مسجدَ‭ ‬المدينةِ‭- ‬شهرًا،‭ ‬ومن‭ ‬كظم‭ ‬غيظَه‭ ‬ولو‭ ‬شاء‭ ‬أن‭ ‬يُمضِيَه‭ ‬أمضاه؛‭ ‬ملأ‭ ‬اللهُ‭ ‬قلبَه‭ ‬يومَ‭ ‬القيامةِ‭ ‬رِضًا،‭ ‬ومن‭ ‬مشى‭ ‬مع‭ ‬أخيه‭ ‬في‭ ‬حاجةٍ‭ ‬حتى‭ ‬يَقضِيَها‭ ‬له؛‭ ‬ثبَّتَ‭ ‬اللهُ‭ ‬قدمَيه‭ ‬يومَ‭ ‬تزولُ‭ ‬الأقدامُب‭(‬‭)‬‭.‬

المحتكر‭ ‬يضر‭ ‬بمصالح‭ ‬الأمة‭: ‬

إنَّ‭ ‬الواجب‭ ‬على‭ ‬المسلم‭ ‬أن‭ ‬يهتمَّ‭ ‬بأمور‭ ‬أمَّته‭ ‬وحاجاتهم،‭ ‬ولا‭ ‬يضر‭ ‬بمصالحهم،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬أمور‭ ‬معاشهم‭ ‬من‭ ‬مأكل‭ ‬ومشرب‭ ‬وملبس‭ ‬وغيره،‭ ‬وفي‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬أنس‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬أن‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭ ‬قال‭: ‬الَا‭ ‬يُؤْمِنُ‭ ‬أحَدُكُمْ‭ ‬حتَّى‭ ‬يُحِبَّ‭ ‬لأخِيهِ‭ ‬ما‭ ‬يُحِبُّ‭ ‬لِنَفْسِهِب‭(‬‭)‬‭. ‬

على‭ ‬المؤمن‭ ‬كاملِ‭ ‬الإيمان‭ ‬أن‭ ‬يحبَّ‭ ‬لأخيه‭ ‬المسلم‭ ‬ما‭ ‬يحب‭ ‬لنفسه،‭ ‬ومعنى‭ ‬هذه‭ ‬المحبَّة‭ ‬هي‭ ‬مواساته‭ ‬أخاه‭ ‬بنفسه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الأمور‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬نفع،‭ ‬سواء‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬دنيوية،‭ ‬من‭ ‬نصحٍ‭ ‬وإرشادٍ‭ ‬إلى‭ ‬خير‭ ‬وأمر‭ ‬بمعروف‭ ‬ونهي‭ ‬عن‭ ‬منكر،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬مما‭ ‬يوده‭ ‬لنفسه،‭ ‬فإنه‭ ‬يرشد‭ ‬أخاه‭ ‬إليه،‭ ‬وما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬يكرهه‭ ‬وفيه‭ ‬نقص‭ ‬أو‭ ‬ضرر‭ ‬فإنه‭ ‬يبعده‭ ‬عنه‭.‬

أمَّا‭ ‬المحتكر‭ ‬فإنه‭ ‬محب‭ ‬لنفسه؛‭ ‬ومن‭ ‬ثمَّ‭ ‬كان‭ ‬الاحتكار‭ ‬ثمرة‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬حبِّ‭ ‬النَّفس‭ ‬المقيت،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬ذمَّه‭ ‬الاسلام‭.‬

الاحتكار‭ ‬يناقض‭ ‬فضيلة‭ ‬الإيثار‭: ‬

يُعَدُّ‭ ‬الإيثار‭ ‬مِن‭ ‬محاسن‭ ‬الأخلاق‭ ‬الإسلاميَّة؛‭ ‬فهو‭ ‬مرتبة‭ ‬عالية‭ ‬مِن‭ ‬مراتب‭ ‬البذل،‭ ‬ومنزلة‭ ‬عظيمة‭ ‬مِن‭ ‬منازل‭ ‬العطاء؛‭ ‬لذا‭ ‬أثنى‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬أصحابه،‭ ‬ومدح‭ ‬المتحلِّين‭ ‬به،‭ ‬وبيَّن‭ ‬أنَّهم‭ ‬المفلحون‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬والآخرة‭.‬

وعن‭ ‬أبي‭ ‬موسى‭ ‬الأشعري‭ -‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭- ‬قال‭: ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭: ‬اإنَّ‭ ‬الأشعريِّين‭ ‬إذا‭ ‬أرملوا‭ ‬في‭ ‬الغزو،‭ ‬أو‭ ‬قلَّ‭ ‬طعام‭ ‬عيالهم‭ ‬بالمدينة؛‭ ‬جمعوا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬عندهم‭ ‬في‭ ‬ثوب‭ ‬واحد،‭ ‬ثمَّ‭ ‬اقتسموه‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬إناء‭ ‬واحد‭ ‬بالسَّويَّة،‭ ‬فهم‭ ‬منِّي‭ ‬وأنا‭ ‬منهمب‭(‬‭)‬‭.‬

يقول‭ ‬الإمام‭ ‬العيني‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭: ‬افيه‭ ‬منقبة‭ ‬عظيمة‭ ‬للأشعريين‭ ‬من‭ ‬إيثارهم‭ ‬ومواساتهم‭ ‬بشهادة‭ ‬سيدنا‭ ‬رسول‭ ‬الله،‭ ‬وأعظم‭ ‬ما‭ ‬شرفوا‭ ‬به‭ ‬كونه‭ ‬أضافهم‭ ‬إليه‭... ‬وفيه‭ ‬فضيلة‭ ‬الإيثار‭ ‬والمواساةب‭(‬‭)‬‭.‬

وقال‭ ‬أبو‭ ‬العبَّاس‭ ‬القرطبي‭: ‬اهذا‭ ‬الحديث‭ ‬يدلُّ‭ ‬على‭ ‬أنَّ‭ ‬الغالب‭ ‬على‭ ‬الأشعريِّين‭ ‬الإيثار‭ ‬والمواساة‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬فثبت‭ ‬لهم‭ ‬بشهادة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬ﷺ‭ ‬أنَّهم‭ ‬كرماء‭ ‬مؤثرونب‭(‬‭)‬‭.‬

نسأل‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬لهذه‭ ‬الأمة‭ ‬سالف‭ ‬عهدها،‭ ‬وماضي‭ ‬عزِّها،‭ ‬وصلَّى‭ ‬الله‭ ‬وسلَّم‭ ‬وبارك‭ ‬على‭ ‬سيدنا‭ ‬محمد‭ ‬وعلى‭ ‬آله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‭.‬