رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأزهر يوضح المنظور الشرعى للممارسات الاحتكارية بين الشريعة والقانون

مجمع البحوث الإسلامية
مجمع البحوث الإسلامية

نشرت مجلة الأزهر الشهرية التابعة لمجمع البحوث الإسلامية في عددها الصادر يناير 2023 ملف تحت عنوان "الممارسات الاحتكارية المعاصرة بين الشريعة والقانون" وشمل الملف عددا من المقالات السابقة  لإعلام الأزهر الشريف من تراث الأزهر الشريف وكان في مقدمة الملف الشيخ محمد الخضر حسين، شيخ الجامع الأزهر الشريف في الفترة 1952 - 1954.

والذي جاء فيه..

تحدَّث مندوب «الأهرام» الخاص إلى فضيلة الأستاذ الأكبر فضيلة شيخ الجامع الأزهر عن الأزمة المستحكمة التي تعانيها في هذه الأيام المواد الغذائية الضرورية؛ بسبب اختزان بعض هذه المواد؛ طلبًا للربح الفاحش، وطلب إلى فضيلته أن يوضح للناس حكم الشريعة السمحة في مثل هذا الإجراء، وقد تفضَّل فضيلته بإجابة هذا الطلب، وقال:إن الاحتكار الذي حرمه الله -عزَّ وجلَّ- هو إمساك شيءمن الأغذية وضروريات الناس، والامتناع عن بيعها انتظارًا للغلاء، حتى إذا ازداد اضطرار الناس إليها تحكَّم محتكرها ببيعها بالسعر الفاحش الذي يفرضه عليهم.

وهذا العمل حرام شرعًا، ولا يُعدُّ من البيع الحر الذي أحلَّه الله، ولذلك كان الكسب منه كسبًا خبيثًا لا يباركه الله -عزَّ وجلَّ- ولا يرضى عن صاحبه.

استغلال الفريقين

إن مثل المحتكرين كمثل المرابين من جهة استغلال الفريقين حاجة الناس وتحكمهم فيهم بسبب هذه الحاجة، غير أن المحتكرين يزدادون عند الله إثمًا من جهتين؛ إحداهما: أن استغلال حاجة الناس إلى الأقوات والأغذية وما أشبهها أفظع من استغلال الحاجة إلى النقود، والثانية: أن استغلال المحتكرين لأقوات الناس وضرورياتها يعم ضرره جماهير الناس، أما استغلال المرابين لحاجة من يحتاج إلى النقود فإن نطاقه ضيق يخص عددًا قليلًا منهم ولا يعم جماهيرهم، فإذا كان المرابي يأكل ربحه من الربا نارًا في جوفه لاستغلاله حاجة عدد محدود من الناس، فالمحتكر يأكل ربحه من الاحتكار لهيبًا مننار الجحيم بقدر ما ينال جماهير الناس من أذى جشعه الذي لن يبارك الله له بشيء منه.

وقد صحَّ في الحديث النبوي أن عاقبة المحتكر أن يضربه الله بالإفلاس، أو بأخبث الأمراض وهو الجذام، وروى الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه- في مسنده بإسناد صحيح، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- خرج إلى المسجد فوجد طعامًا منثورًا، فقال: ما هذا الطعام؟ قالوا: طعام جُلب إلينا، قال: بارك الله فيه وفيمن جلبه، قيل: يا أمير المؤمنين فإنه قد احتكر، قال: ومن احتكره؟ قالوا: فروخ مولى عثمان، وفلان مولى عمر، فأرسل أمير المؤمنين إليهما فدعاهما فقال: ما حملكما على احتكار طعام المسلمين؟ قالا: يا أمير المؤمنين نشتريبأموالنا ونبيع، فقال عمر: سمعت رسول الله -ص- يقول : «من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالإفلاس، أو بجذام، فقال فروخ عند ذلك، يا أمير المؤمنين أعاهد الله وأعاهدكألَّا أعود –أي: إلى الاحتكار- في طعام أبدًا، وأمَّا مولى عمر فقال: إنما نشترى بأموالنا ونبيع. قال أبو يحيى المكيراوي هذا الحديث: فلقد رأيت مولى عمر مجذومًا([1]).

حقوق المسلمين

ومما يلاحظ في هذا الحديث أن النبي -ص- سمَّى الأغذية العامة المعروضة للبيع طعام المسلمين؛ لأنهإذا كان للذي يشتريها ليبيعها حق الثمن الذي يشتري به ثم يتقاضاه في البيع، فإنَّ إباحتها في السوق من حق المسلمين؛ لأنها طعامهم وغذاؤهم ومن ضرورياتهم، فبيعها لهم بالثمن هو من حق رأس المال، وأما إباحتها وعرضها في السوق فهو من الحق العام الذي هو حق الأمَّة، واحتكارها اعتداء على الحق العام وهضم لحقوق الأمَّة.

وفي مسند الإمام أحمد-أيضًا- عن سعيد بن المسيب أن معمر بن عبد الله بن فضلة القرشي-رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -ص- يقول «لا يحتكر إلا خاطئ»([2]). والخطأ في الشرع الخروج عن سبيل الشرع، وسبيل الشرع هو سبيل الله، ويا ويل من يخطئ سبيل الله لأجل كَسْبٍ حرام غير مشروع يستغل به ضرورات الأمَّة في غذائها وقوت عيالها، فيستحق عليه ما أنذره به النبي -ص- من إفلاس أو الأمراض الخبيثة، ويعاقب عليه يوم القيامة بما يستحقه الذين يسخطون الله في إيذاء مخلوقاته.

وروى الإمام أحمد-أيضًا- في مسنده عن الحسن البصري عن معقل بن يسار -رضي الله عنه- وهو من أهل بيعة الرضوان، وهو الذي حفر نهر معقل بالبصرة بأمر عمر بن الخطاب؛ أنه لما ثقل المرض على هذا الصحابي الجليل جاءه أمير البصرة عبيد الله بن زياد ليعوده، فدار بينهما حديث، ثم قال معقل رضي الله عنه: أجلسوني، ثم قال: اسمع يا عبيد الله حتى أحدثك شيئًا لم أسمعه من رسول الله  مرة ولا مرتين، سمعت رسول الله  يقول: «من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم؛ فإن حقًّا على الله أن يقعده بعُظْمٍ من النار يوم القيامة»، فقال عبيد الله لمعقل: أأنت سمعته من رسول الله-ص- ؟ قال: نعم، غير مرة أو مرتين([1]).

احتكار السلع

ومن هنا يعلم كلُّ مسلم يتاجر في المواد الغذائية والضرورية للمسلمين، أن احتكارها ليس من البيع الذي أحلَّه الله، بل هو كَسْب حرام وأشد ضررًا على عامة المسلمين من المراباة والعياذ بالله. والنبي -ص- قد أنذر مرتكبه بالإفلاس والأمراض وبنار جهنم يوم القيامة، فليعلم المحتكر عاقبة عمله قبل أن يقدم عليه.

محمد الخضر حسين .. الجزائري الذي تولى مشيخة الأزهر - إسلام أون لاين