رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«من أحياها».. حكايات مصريين كتبوا وثيقة للتبرع بأعضائهم بعد الوفاة

أرشيفية
أرشيفية

كان احتياج والدة نور نجم، لزراعة كلى بمثابة تحد للابنة كى حتى تنقذ أمها، من خلال إيجاد متبرع حيّ، فعلى مدار عدة أيام لإيجاد المتبرع وعرضها لأموال طائلة على كثيرين إلا أن كل طلباتها قوبلت بالرفض فلا يوجد من يعطي أعضاءه لآخرين.

 

فقدت «نور» الأمل، خاصة أن الطرق الرسمية تحتاج إلى انتظار طويل لا يكون في صالح والدتها، حتى عثرت صدفة عبر الإنترنت على تطبيق باسم "التبرع بالأعضاء بعد الوفاة" وجدت فيها أشخاصا يكتبون إقرارات للتبرع بأعضائهم بعد الوفاة، ما دفعها لكتابة منشور إنها تحتاج كلى لأمها إلا أن الحالات كانت قليلة للغاية.

 

لم تجد متوفى حديثا أقر بالتبرع بأعضائه يمكنها الاستعانة بكليته، لذلك بعد أيام قليلة توفيت أمها، فكان درسًا قاسيًا دفعها للمشاركة في تلك المجموعة وتوثيق إقرار بالتبرع بأعضائها بعد الوفاة لمن يحتاج.

 

«نور» ليست حالة فردية ولكن هناك مصريين أوصوا بالتبرع بأعضائهم بعد الوفاة وقاموا بتوثيق ذلك في الشهر العقاري، بالرغم من الجدل الديني والقانوني حسب حكايات استمعت لها "الدستور" وبحثت في ذلك الشأن أيضًا.

وكانت وزارة الصحة والسكان قد أعلنت منذ فترة، عن أول نموذج للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة صادرة عنها رسميًا، حيث تقوم الوزارة بتوثيقها وتسليم المتبرع كارنيه التبرع ساري العمل في أي مستشفى، وسيتم توفير النموذج فى إدارات العلاج الحر بمديريات الصحة بالمحافظات، ويمكن لجميع المواطنين توقيع نموذج التبرع في أي وقت دون اللجوء للشهر العقاري.

نور: "تجربتى والدتى جعلتنى أقر التبرع بأعضائى"

قبل أن تكتب نور الإقرار عقب وفاة والدتها بحثت في الأمر جيدًا، ووجدت أن هناك مادة رقم ٨ من القانون رقم ٥ لسنة ٢٠١٠، تسمح بنقل الأعضاء من متوفى أقر بذلك إلى آخر حيّ، من خلال إقرارات الشهر العقاري والتبرع بأنسجته وأي جزء من جسده ولا يوجد أي شبهات لبيع الأعضاء.

 

تقول: "يتم الأمر بشكل رسمي من خلال اللجنة العليا لزراعة الأعضاء بوزارة الصحة، وبيتم مطابقة أعضاء المُقر بالحالات الموجودة في قائمة الانتظار، ويتم الأمر من خلال أطباء ومستشفيات رسمية وجامعية من أجل التصدي لأي تلاعب".

 

وتوضح أن كثيرين لا يعلمون بذلك الأمر على الإطلاق، ولا يوجد أعداد كافية أقرت بالتبرع بأعضائها: "نشر الصحة لنموج التبرع بالأعضاء سيكون مفيدا في التوعية وزيادة عدد المتبرعين بأعضائهم بعد الوفاة".

 

طبيب: معدلات الوفاة تتزايد لعدم توافر أعضاء

الدكتور منصور سيد،  طبيب بقسم الجراحة العامة في مستشفى بنها العام ، يوضح أن عمليات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة تعد خطوة ستسهم بشكل ملحوظ في خلق حياة جديدة لمن هم في حاجة إلى زراعة عضو جديد بديلًا لنظيره الخامل، حيث ارتفعت في الآونة الأخيرة معدلات الوفاة نظرًا لعدم وفرة الأعضاء المناسبة في الوقت المناسب.

 

يضيف: "إن اتجاه الدولة وحرصها لتفعيل  الشق الخاص بزراعة الأعضاء من حديثي الوفاة من أبرز الجهود المبذولة لدعم أفراد المجتمع، وهي خطوة ستحدث بدورها فارقًا كبيرًا في المجتمع"، لافتًا إلى أن هذا الموضوع قد لاقى اهتماما وإقبالا كبيرا من قبل الكثيرين.

 

ويؤكد طبيب الجراحة: "التبرع بالأعضاء خطوة لأحياء الأمل في أجساد أنهكها اليأس والألم، ولكن يكون ذلك في إطارها القانوني، فاللائحة التنفيذية لقانون تنظيم زراعة الأعضاء البشرية الصادر رقم (5) لسنة 2010، نظم شروط عدة لقبول التبرع بالأعضاء".

وعن أبرز الشروط الهامة لإمكانية التبرع ونقل عضو بشري من شخص لآخر، حسب الطبيب، هو ألا يزيد سن المتبرع على 50 عامًا، وأن يكون المتبرع كامل الأهلية توافق الأنسجة وفصيلة الدم، حتى يتسنى للأطباء معرفة ذلك من خلال قيام المتبرع بإجراء الفحوصات اللازمة  للتحقق من سلامته وقدرته الكاملة على التبرع وملائمة ذلك العضو المتبرع به للمنقول إليه، لأن ذلك يعد فرصة قوية لنجاح زراعة العضو، فضلًا على أن تتم العملية بإحدى المنشآت الطبية  المهيأة.

 

ويشير إلى أنه: "لم تكن منظومة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة مفعلة في مصر، على الرغم من كونها أمرا منطقيا يسهم بشكل كبير في علاج المرضي، ويتم ذلك من خلال اتباع الإجراءات للازمة لعملية النقل والتبرع كافة".

 

ويختتم: "تعتبر عملية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة صدقة جارية عن روح المتوفي يمحو الله بها من سيئاته، فهو نقل من ملك الله إلى ملك الله"، منوهًا إلى أن الجسد يتعفن ومن ثم يتحلل ولا يمكن على الإطلاق الانتفاع به على أي نحو سوى التبرع به".

 

نادين: "نعطى فرصة لحياة الآخرين"

نادين.ر، فتاة ثلاثينية، وإحدى المصريات اللاتي خضن تجربة الإقرار بالتبرع بأعضائها بعد الوفاة خلال أكتوبر الماضي، بدافع أن هناك مرضى للكلى عددهم 50 ألف شحص ومرضى بفيروس سي يموت أعداد ضخمة منهم سنويًا بسبب الاحتياج إلى تلك الأعضاء التي يحاولون بالأدوية وجلسات الغسيل أن تعمل بـ20% فقط من وظائفها.

 

توضح: "أمراض كثيرة وحوادث وعمليات جراحية يحتاج أصحابها إلى أعضاء من آخرين، ولا بد أن يكون لنا دور بالمساندة، فلن يستفيد الميت شيئا من أعضائه بعد الوفاة سوى أنه منع فرصة للحياة لشخص آخر، وسمح لانتشار سوق سوداء للأعضاء في مصر".

أقرت نادين قبل نشر وزارة الصحة النموذج بالتبرع بأعضائها في الشهر العقاري من خلال إجراءات سهلة كما تصف: "هناك كتاب دوري للشهر العقاري وقانون قديم في مصر يتاح من خلاله تنفيذ الإقرار، ولا يحتاج الأمر سوى الذهاب لأقرب شهر عقاري وطلب تنفيذ إقرار بالتبرع بأعضائه بعد الوفاة".

 

ثم ذهبت الفتاة الثلاثينية بصورة الإقرار إلى اللجنة العليا لزراعة الأعضاء في مدينة نصر من أجل توثيقه: "رحلة سهلة ستكون بمثابة فرصة لحياة شخص آخر بعد وفاتي ربما أكون في موقفه وأحتاج نفس الفرصة، الإفتاء أجازت التبرع بالأعضاء خصوصًا أنه بيتم بشكل رسمي وفيه رقابة عليه".

 

الأطرش: "لا بد أن تتم العملية دون التربح المالى" 

الشيخ عبدالحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر، يقول: "تعتبر الأعضاء الحيوية ملكا لله سبحانه وتعالي، ولا يجوز لأحد بيعها أو الاتجار بها بغرض التربح المالي أو تحقيق منفعة، لأن ذلك يخالف قطعًا شرع الله، فقد أصبحت مؤخرًا مواقع التواصل الاجتماعي التربة الخصبة للاتجار بالأعضاء البشرية بقصد التربح المالي دون العلم بحرمانية هذا العمل".

 

ويوضح أن عمليات نقل الأعضاء البشرية بين الأحياء يجب أن تتم بغرض المساعدة دون الحصول على مقابل مادي، وبأن تكون خالصة لله عز وجل لا لتحقيق منافع أو مكاسب أخرى، ولكن التبرع العضو البشري المباح ويتم في إطار قانوني تحت أنظار الدولة المتمثلة في وزارة الصحة، ويكون ذلك بعد تطبيق الإجراءات اللازمة لعملية النقل".

ويضيف: "التبرع  بالأعضاء البشرية بغرض التربح المالي يعد حرامًا شرعًا، ولكن هناك دور عظيم يقوم به المتبرع دون تربح مالي لأنه أنقذ روح مريض يصارع المرض، والذي يمثل بصيص الأمل في حياة جديدة له، وتجعله يمارس حياته كما يجب أن يكون".

 

ويختتم الأطرش: "إن عملية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة للتربح المالي أمر لا يجوز في الدين والشرع، موضحًا أن الإنسان مؤتمن على ملك الله له، كما أن الله أمر بتكريم الإنسان حيًا وميتُا معلقًا: "وقد كرمنا بني آدم".

 

سلمى: "تبرعت بأعضائى بعد الوفاة بسبب سهولة الإجراءات"

سلمى.ت، فتاة أخرى في أواخر العشرينات، سبق وأوصت بالتبرع بأعضائها من خلال التسجيل على بوابة مصر الرقمية، وإعطائها موعدا لاستلام الإقرار: "لما روحت الموظف المسئول مكنش عارف أن فيه حاجة اسمها الإقرار بالتبرع بالأعضاء".

 

وتوضح أنها كانت معها صورة من الكتاب الدوري للشهر العقاري أفادها به مسئول مجموعة "التبرع بالأعضاء بعد الوفاة" على الفيس بوك، وحين أخرجته للموظف استوعب الأمر وقام بتنفيذ الإجراءات المطلوبة من أجل أن تقر بالتبرع بأعضائها.

 

وعن الهدف من تبرعها بأعضائها، تقول: "لديّ قناعة ذاتية بهذا الأمر منذ سنوات مضت، لكن العقبة كانت الإجراءات والورق الرسمي، لكن مع انتشار الفكرة أصبح الأمر سهلا، وأنا حابة أشكر كل شخص أقر أنه يتبرع بأعضائه بعد الوفاة لإنقاذ الآخرين".

الشق القانونى للتبرع بالأعضاء

على الدندراوي، محامي، يرى أن وزارة الصحة تبذل قصارى جهدها لإمكانية تفعيل منظومة زراعة الأعضاء من حديثي الوفاة، نظرًا للحاجة الماسة لاتخاذ تلك الخطوة الفاعلة التي ستسهم فيما بعد في خفض معدلات الوفاة الناتجة عن ندرة وجود الأعضاء البشرية المناسبة لحالة المريض.

 

يقول: "تحث الدولة الجميع على التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، لما له من دور هام في تغير المجتمع، والذي لاقى بالفعل اهتمامًا بالغًا وإقبالًا كبيرًا من قبل الكثيرون، قامت الدولة أيضًا بتسهيل إجراءات التبرع عبر رخصة القيادة أو البطاقة الشخصية أو وثيقة الشهر العقاري"، لافتًا إلى أن الوزارة ستخصص أماكن لإصدار بطاقات التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.

 

ويضيف: "هناك شروط محددة لإمكانية التبرع وهي أن تكون جنسية الموصي والموصي إليه مصرية، وأن تتضمن الوصية بالتبرع البيانات الكافية عن العضو أو النسيج الموصي به، وأن تتضمن الوصية بالتبرع كافة بيانات الموصي، وألا يكون الأمر من أجل التربح  المادي أو العيني أو مقابل منفعة سواء، ومن ثم تأتي خطوة التوثيق بالشهر العقاري".

 

ويؤكد أن التبرع بالعضو البشري مقابل التربح المالي يعد اتجارًا وليس تبرعًا مباحًا، معلقًا أن قانون العقوبات قد شرع مواد مخصصة لمعاقبة المتهمين بالاتجار في الأعضاء البشرية بالسوق السوداء، وذلك بالسجن المشدد مع دفع غرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تزيد عن مليون جنيه وفقًا لما نصته المواد رقم 20و23.