رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يغيب د. صلاح فضل تاركًا الفراغ.. والصراع

وظيفة اللغة فى تأكيد الهوية هي وظيفة وطنية، ولنذكر فى هذا المقام قول شوقى:

وطنى لو شغلت بالخلد عنه
                                         نازعتنى إليه فى الخلد نفسى 
ربما ندرك حجم الخسارة الأدبية والإنسانية والحضارية بعد غياب كبار النقاد وعبارة حياتنا الثقافية، في وقت، ما زلنا فيه، بحاجة لهم، لأن العالم يتغير بسرعة.

شكل المفكر الناقد الراحل د. صلاح فضل، حالة نقدية مختلفة، إلى لحظة إعلان وفاته أمس في القاهرة، حيث كان يشغل آخر منصب أدبي ولغوي عريق، هو رئاسة مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مجمع الخالدين. 
فضل الرئيس لهذا المجمع قال في 11 ديسمبر 2020، قبل عامين من الآن، بالضبط: لا أرغب فى نبش الماضى، ضمن حواره مع «الاهرام»، وفيه لفت إلى إشكالية المنصب والدراسة بما آلت إليه لغتنا العربية:

«عندما راجعت أهداف مجمع اللغة العربية، وجدت أن رسالته الأولى الحفاظ على اللغة وتيسيرها وتطوير قواعدها وتوسيع كفاءتها لاستيعاب مستحدثات التطور من الآداب والفنون».

وعن الآباء المؤسسين للمجمع، قال:
«كانوا يضعون نصب أعينهم أننا نعانى ازدواجية واضحة من اللهجة العامية من ناحية واللغة الفصحى التقليدية من ناحية أخرى، وكانوا يريدون تيسير العربية الفصحى ببلاغتها كى تحتضن الحياة العامة المعاصرة وأن يرتقوا باللهجة العامية، وهذا ما حدث فى العقود الأخيرة، ونجح فيه كثير من كبار الأدباء».

* في حد الموت ثقافة ولغة

في نعي الراحل د. فضل قال مجمع اللغة العربية بالقاهرة، إن الناقد الأدبي والمفكر والأكاديمي البارز، صلاح فضل، رئيس المجمع، توفي عن عمر ناهز 84 عامًا بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجاز.
هي سنوات زادت عن 50 عامًا، اشتغل فيها الراحل، بعد عودته من مدريد العام 1972، حاملًا شهادة الدكتوراه، وهو الذي ولد في كفر الشيخ عام 1938 وتخرج في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1962، وفقًا  لمعلومات توثيقية أفصح عنها «مجمع اللغة العربية بالقاهرة».
غالبًا لم يدرك نعي المفكر الراحل، تلك المعارك الأدبية والنقدية التي أسس لها د. فضل، وهي التي سافرت معه إلى الأندلس، وعاد مؤكدًا تبحره في الآداب العربية والعالمية، وبالذات في الرواية والشعر العربي، والدراسات النقدية المقارنة والسيرة الأدبية.

* مسرح الرؤية ومنطق اللغة
كان  أستاذًا للأدب والنقد بكلية اللغة العربية والبنات بجامعة الأزهر، ثم انتقل عام 1979 للعمل أستاذًا للنقد الأدبي والأدب المقارن بكلية الآداب في جامعة عين شمس، بعد ذلك دخل في معترك الثقافات والسياسات الثقافية العالمية عندما انتُدب مستشارًا ثقافيًا لمصر ومدير المعهد المصري للدراسات الإسلامية في مدريد من 1980 إلى 1985، هذا المعهد الذي بات من أبرز جسور الثقافة العربية في إسبانيا الأندلس ومنها إلى أوروبا المنفلتة نحو العولمة وانهيار النظريات الأدبية الكلاسيكية وتداخل الفنون مع بدء اللوثة الرقمية. 
عاد، كمحارب، يحمل شتات الغرب، وطرق التحول في النقد وفهم العالم، لكنه انتُدب عميدًا للمعهد العالي للنقد الفني بأكاديمية الفنون من 1985 إلى 1988، وحاول مصارعة النظرية والتطبيق، فكانت عديد الدراسات المؤثرة من طلبة الأكاديمية، وبالذات العرب والافارقة منهم، عدا الطلبة المغاربة ومن الخليج العربي.

* حياة من الحب والتواضع، لكنه تواضع العلماء

عرف الراحل بصلابة مواقفه وإنتاجه وعراكه مع الحوار، فكان له نشاط أكاديمي وثقافي واسع في مصر والبلاد العربية وأوروبا وإسبانيا تحديدًا، وقد كان مشاركًا صلبًا  في تأسيس الجمعية المصرية للنقد الأدبي وتولى رئاستها. 
عندما كان رئيسا مكلفًا باللجنة العلمية لموسوعة أعلام علماء وأدباء العرب والمسلمين، التي أعادتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، حاول أن يكون مجموعة من الخبرات التي تمحص السيرة الأدبية والفكرية، وبالذات لعلماء العربية في مجالات التنوير والنهضة والتأسيس الجذري في قضايا الوثائق والمخطوطات والمعارف العربية الإسلامية.

بين الصلاة والتواضع، عرفت له عشرات المؤلفات في النقد والأدب منها:
(منهج الواقعية في الإبداع العربي) و(أساليب السرد في الرواية العربية) و(مناهج النقد المعاصر) و(محمود درويش.. حالة شعرية) و(عوالم نجيب محفوظ) و(شعر العامية من السوق إلى المتحف).

حظيت جهوده بالعديد من الجوائز وكرمته جهات كثر منها جائزة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية في نقد الشعر عام 1996، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 2000، وجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في الدراسات الأدبية والنقد عام 2015، وجائزة النيل في الآداب عام 2018.
وفي عام 1996 كرمته مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين، بحضور نخبة كبيرة من الشعراء والأدباء والنقاد من مختلف أرجاء الوطن العربي، عندما كان ضمن نخبة الأدباء الكبار التي أعلنت مؤسسة البابطين عن تكريمهم، إضافة للراحل، كان منهم. 
الشاعرة العراقية نازك الملائكة، عن أعمالها الشعرية الكاملة، ود. صلاح فضل، عن مجمل أعماله النقدية، والشاعر المصري محمد محمد الشهاوي، عن قصيدته (المرأة الاستثناء). 
وشهد التكريم وقتها، كبار أدباء ونقاد العربية، منهم: د. محيي الدين صبحي، د. عبدالسلام المسدي، د. أحمد أبوزيد، د. هيا الدرهم، د. عزالدين إسماعيل، د. محمود علي مكي، د. عبدالله الغذامي، د. أحمد مختار عمر، د. محمد فتوح أحمد، د. عبدالله أبوهيف، د. جابر عصفور، فاروق شوشة، د. محمد حسن عبدالله، د. إبراهيم السعافين، د. جورجي طربيه، د. نورالدين صمود، د. حمادي صمود، د. عبدالله الغذامي، أ. عبدالعزيز السريع، امتازت تلك الحالة، بأن كان نجمها في كل الأمسيات التي شهدتها أبوظبي بالإمارات العربية، تتسامر بين الجد والجد، مع وجود الراحل، ما ترك أثرًا على مجمل علاقاته فيما بعد. 
يغيب د. صلاح فضل تاركًا كل الفراغ، لأن صراعاتنا النقدية لم تؤسس بعد، ولن تصل إلى جسور الوعي والتنوير المغيب.