رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العالم يرقص تانجو.. حينما يفوق المدرج إبداع الملعب

منتخب الأرجنتين
منتخب الأرجنتين

كان صوت أقدامهم وهي تدق المدرج في ملعب "٩٧٤" تُحدث زلزالًا، ضجيجهم يثير رعبًا، وحماستهم لا يضاهيها شيء هنا.. هكذا رسم الجمهور الأرجنتيني أجمل لوحات المونديال حتى الآن، في مباراة فريقهم أمام بولندا، أمس.

لا يهم أن تكون على دراية باللغة الإسبانية لتفهم ما يرددونه، ولست بحاجة لتكون محبًا وعاشقا لـ"التانجو" كي تستمتع بألحانهم وروعة عرضهم، فأيًا كانت انتماءاتك، سترقص "تانجو" رفقتهم، وإن لم تفعلها سيفعلها قلبك في أضعف الظروف.

البعض تجرد من قميصه، والآخر احتفظ به، لكن الكل كانت تلوح يداه أعلاه بالسماوي والأبيض، ممسكا بقميصه أو علمه، الأهم أن المشهد العبقري كان يكتمل بثلاثية الجسد الذي لا يتوقف عن القفز واليد التي ترفرف بألوان الوطن، والصوت الذي يعزف فنًا استثنائيًا.

أضاع ليونيل ميسي ضربة الجزاء، فغنوا له كما لو سجل وأكثر، ليس الهتاف الشهير: "ميسي.. ميسي.. ميسي" فحسب، بل أغنيات آخرى، كان مضمونها أننا جئنا ونلعب ونقاتل ومستمرون من أجلك وخلف يا "ليو".

كنت أظن أن حب "ميسي" مرهون بعطائه، وتوهمت بأن العرب، وأنا بينهم، متطرفون ومبالغون في تصوير عشق "ميسي" و"رونالدو"، حتى رأيت عشق الأرجنتينيين لـ"ليو" لا يُقارن.

أيقنت وقتها فقط، لماذا كان "ميسي" في أعظم فتراته مع برشلونة وهو يتوج بكل الأشياء الجماعية والفردية، مهمومًا ومكتئبا بسبب بلاده ومنتخبه، أيقنت لماذا يستطيع مغادرة "كتالونيا"، بينما بقيت بوينس آيرس قطعة من جسده، فهمت أن الأرجنتين تجري في دمائه، وأدركت أن ارتباطنا في الشرق به لا شيء، مقابل ولعهم بابنهم.

كان "ميسي" يرد على تلك الأغنيات الداعمة بنظرة عين خجولة تحمل اعتذارًا عن ضياع ركلة الجزاء، ثم منحه الانتصار فرصة الاحتفال ورقصة جديدة هادئة.

إصابة دي ماريا في نهاية المباراة أقلقت "سكالوني" وزادت مخاوفه حدة، خاصة أنه سيلعب مع أستراليا بلا راحة كافية، بينما حصل منافسه على يوم راحة أكثر، لكن تلك المخاوف لم تعطل الاحتفالات التي دامت طويلًا.

داخل الملعب ذهب ليفاندوفيسكي ورفاقه يقفون إلى جوار الجمهور البولندي، الذي جاء بأعداد قليلة يشاهدون الجزء المتبقي من مباراة المكسيك والسعودية، ومع تسجيل سالم الدوسري هدفًا لـ"الأخضر"، احتفل "ليفا" ورفاقه بالعبور إلى الدور الثاني بهدف السعودية.

هنأ "ليو" النجم البولندي، تصافحا وتحدثا معا، ولما سألناه عما جرى بينهما، قال: "ما يحدث في الملعب وغرف اللاعبين يجب أن يظل مكانه".

هكذا اختتم "ليو" واحدة من حكايات مونديال ٢٠٢٢، في انتظار حدوتة أخرى يتمناها "البرغوث"، على عكس الماضي، خاصة في ظل وجود هذا الفريق القوي للغاية.