رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عائلة «الجرشة» الطنطاوية.. أشهر فرقة فنية مصرية فى سوريا ولبنان

عائلة الجرشة الطنطاوية
عائلة الجرشة الطنطاوية

في خمسينيات القرن المنصرم، سجل محرر جريدة الكواكب المصرية في العاصمة السورية دمشق، لقاء مع ثلاثة فنانين مصريين أشقاء، كانوا قد نزحوا عن القاهرة، وعاشوا وتزوجوا في سوريا.

يستهل محرر اللقاء قائلًا: "بين كواليس محطات الإذاعات العربية والمسارح في بيروت ودمشق وبغداد، كثير من الفنانين المصريين الذين هاجروا إلى بلاد الشام في رحلة قصيرة، فطاب لهم المناخ وحلا لهم البقاء، فأقاموا في بلاد الشام وتزوجوا وعاشوا على ذكريات مصر التي لا تبرح خواطرهم أبدًا.

ومن أشهر الفنانين المصريين في دمشق، وأعرقهم تاريخًا في بلاد الشام، الشيخ عبد العال الجرشة، الذي ولد في قرية "ميت غزال" بطنطا وكان تلميذًا لــ "عبده الحامولي"، و"محمد عثمان"، جاء إلى بر الشام منذ نحو أربعين عامًا برفقة الفنانة "خيرية السقا"، فلما وصل إلي سوريا، وأنسجم مع أهلها في دمشق وحلب، قرر أن يقيم هناك ويتزوج منها بدلا من زوجته المصرية التي توفيت وأنجبت له أبنه "إبراهيم" وعندما كبر "إبراهيم" لحق بأبيه في الشام، وكان قد تعلم العزف علي القانون من عمه "أحمد الجرشة"، وكما استطاب والده من قبل الحياة في سوريا، كذكلك حدث للابن، فنشأ هناك وتزوج من ابنة فنان من حلب، وأنجب ابنه "عبد الرحمن"، الذي يعتبر اليوم أشهر وأمهر عازف كمان في سوريا ولبنان، وهكذا تكونت من هذه العائلة ثلاثة أجيال فنية، تؤلف اليوم في محطة الإذاعة السورية، فرقة ثلاثية تجمع مجد الموسيقي من أطرافه المختلفة.

هو لسه فيه مغني عربي لولا أم كلثوم؟

وفي حديثه إلي محرر الكواكب، قال الفنان عبد العال الجرشة: هو لسه فيه مغني عربي لولا أم كلثوم ؟، أيام زمان كان "المغني" كله طرب، ولكن الأيام دي بقي لعب عيال.

وحول أعظم وأفضل مطرب كما يراه "الجرشة" أضاف: ودي عايزة كلام؟ عبده الحامولي وبعدين محمد عثمان، هو كان في فن وطرب وليالي إلا أيام سي عبده وسي محمد؟ وسكت برهة راح يتذكر خلالها أيام شبابه ثم قال وهو يمصمص شفتيه: "يا عيني على السميعة اللي كانت تقطع هدومها وتترمي على الأرض، ويفوقوها بالمية الباردة من شدة الطرب بين إيدين عبده الحامولي، فين الحاجات دي؟، وفين السميعة اللي زي دول ؟ الطرب انتهي يا أستاذ الله يرحمه.

وهنا تدخل الابن "إبراهيم" وتنحنح معتذرًا عن أبيه فقال: "والشيخ سيد درويش يا بوي، يعني مش قد المقام؟" وأسرع الشيخ عبد العال الجرشة قائلًا: "سيد درويش عال، بس أن بحب سي عبده الحامولي لأنه بلدياتي من "ميت غمر" قلنا له: "وهل هذا يعني أن الموسيقي العربية وقفت بعد عهد سي عبده الحامولي والشيخ سيد درويش؟ وأجاب الأب والابن معًا: "ما فيش موسيقي عربية بعد كده".

صراع الأجيال 

ويستطرد محرر "الكواكب" في دمشق، خلال لقاءه مع آل "الجرشة": "ويبدو أن هذه الآراء لم تعجب الحفيد، وهو كما قلنا أمهر عازف كمان في سوريا ولبنان، فقال: "وعبد الوهاب يا جماعة؟ حد في الدنيا يقدر ينسي عبد الوهاب، وموسيقي عبد الوهاب وذوق عبد الوهاب؟.

وقال الأب والابن معًا: "بس بلاش كلام، عبد الوهاب بيشتغل تجاري"، وغضب الحفيد ثم تناول كمانه وقال لجده وأبيه : أسمعوا الحتة دي، وشوفوا إذا ماكنتش تساوي جميع ألحان الدنيا.

قال هذا وراح يعزف مقطوعة "بنت البلد"، وكان الكمان روحا حية لهذا اللحن الراقص في المعابد القديمة، وكانت أصابع عبد الرحمن تهمس كأنها أصداء روح تحس وتتألم، وعندما انتهي اللحن، قال الجد لحفيده: مزيكا حلوة مش عايزة كالم، بس أسمع أنت وهو، لحن محمد عثمان، ياللا قولوا معايا "ملا الكاسات وسقاني".

وأمسكت الأجيال الثلاثة بآلاتها، الجد يمسك بالرق، والأب يعزف علي القانون، والحفيد يضم كمانه فوق قلبه، وبدأت أنغام "ملا الكاسات وسقاني"، تملأ الاستديو وتكاد تشق جدرانه لتنطلق وراء الماضي البعيد.