رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسكندر حبش: «آني إرنو» لم تقدم أدبًا هدفه تغيير الكون

إسكندر حبش  آرني
إسكندر حبش " آرني إرنو لم تقدم أدبا هدفه تغيير الكون  وما قد

حصلت الكاتبة الفرنسية “آني إرنو”على جائزة نوبل لهذا العام  2022، وهي التي لم تكن يومًا غريبة على المشهد الإبداعي العربي فقد تُرجمت لها العديد من الأعمال الروائية،  لذا لم يكن اسم "آني" غريبًا على القارىء والمترجم العربي، وترصد “الدستور” شهادة الشاعر والمترجم اللبناني إسكندر حبش صاحب ترجمة رواية الاحتلال لآني إرنو في السطور التالية.   

يقول الشاعر والمترجم إسكندر حبش لـ"الدستور": "حين صدرت ترجمتي لرواية الاحتلال للكاتبة الفرنسية آني إرنو (الحائزة على نوبل للآداب 2022)، كتبت لي "صديقة افتراضية" تسألني التالي: "بالله عليك، لِمَ ترجمت هذه الرواية؟"، شممت يومها، في كلامها، رائحة تقزز ما. 

وتابع حبش: “كأنها كانت تريد أن تقول لي إنني ارتكبت فعلا مُشينا في نقلي إلى العربية رواية ترتكز على علاقة جنسية بحتة، لا تروي سوى عن هواجس امرأة في علاقتها برجل”. 

لفت حبش، إلى أن هذا من حيث الشكل العام، أما الرواية، فتعالج بعمق موضوعة "الغيرة"، التي تنسج حولها قصة جميلة، ذات يوم تعلم الراوية أن عشيقها السابق – الذي كانت قد غادرته هي، إذ لا تريد أن تعيش وكأنها في سجن، رغبت في أن تتمتع بحريتها القصوى – قد اتخذ لنفسه صديقة جديدة.

من هذا الخبر، تتولد عندها غيرة قاتلة تجتاح كل شيء، لدرجة أن الراوية لم تعد تحتمل هذا الألم الفظيع، الذي يلفها ولا يدعها تفكر بأي شيء آخر، حتى إعلانها بأنها أصبحت "محتلة" من قبل منافستها وغريمتها التي تؤرقها طيلة لحظات نهارها (وربما ليلها أيضًا). 

وأضاف حبش: "لم أفكر يومها بأي جواب على السؤال. لكن لنقل إني عدت ووجدته لاحقًا، بعد أن ترجمت رواية أخرى لإرنو وهي "شغف بسيط"، قد يكون الدافع بالضبط، هواجس امرأة في علاقتها بالآخر، جرأة المرأة في التعبير عمّا تريد قوله بدون مواربة وبدون اللجوء إلى أي تورية، بمعنى آخر، نحن أمام كاتبة تذهب رأسًا إلى هدفها، ضاربة عرض الحائط كلّ الترتيبات الاجتماعية المتوارثة، وكل الأحكام المسبقة، لا عن الإنسان وحده، بل أيضًا عن الأدب الذي يبقى الوسيلة الكبرى للغوص عميقًا في ثنايا الروح الإنسانية.

بهذا المعنى، ربما كنت أستعيد الفكرة التي كتبتها إرنو في بداية رواية "شغف بسيط"؛ تقول: يتراءى لي أن على الكتابة أن تميل إلى هذا الأمر، على هذا الانطباع الذي يولده المشهد الجنسي إلى هذا القلق وإلى هذه الدهشة، على تعليق الحكم الأخلاقي". 

وأوضح حبش "كل أدب آني إرنو يقع ضمن هذا الإطار: فمن "بساطة الكتابة" (أو "الكتابة البيضاء" كما وصفها النقد الفرنسي)، تنجح فعلا في طرح العديد من الأسئلة الوجودية التي تلفنا، تعرف كيف تطرح "السؤال الفلسفي" حول علاقتنا بالآخر، بالجنس، وحتى بكتابة هذه القضية الجنسية، التي تسيطر على غريزة الإنسان والتي هي المحرك الأكبر (فيما لو عدنا إلى فرويد) للكثير من دوافعه.

قد لا نجد "أدبًا كبيرًا" (ولا أعرف فعلا ما المقصود بهذه العبارة التي يستعملها البعض) عند "إرنو"، ولكن، من خلال تجربتي مع كتبها، كنت أجد متعة في القراءة، لأن نصها مكتوب بمتعة وثمة متعة بالتأكيد في الترجمة إلى العربية. 

واعتقد ليس على الأدب أن يكون دائما أدبًا يريد تغيير الكون، بل يمكنه أن ينطلق من هذه اليوميات العادية، ليدخلنا إلى قلب هذه النفس البشرية، وهذا ما فعلته آني إرنو في جميع كتبها. 

وأشار حبش إلى أن "بدأت إرنو مع كتاب "المكان" (ترجمه إلى العربية كل من أمينة رشيد وسيد بحراوي، "شرقيات") الذي شكل مفتاح عملها اللاحق بأسره، أي لما عرف في ما بعد باسم تيّار "التخييل الذاتي" – (وإن كان أول من استعمل هذا المصطلح الكاتب شارل دوبروفسكي العام 1979) –. 

بدءًا من ذلك الكتاب، بدأت كتابة إرنو "المينيمالية" تتركز على سبر أغوار الحميمي، أكان ذلك عبر شكل الرواية "الأوتوبيوغرافية" (السيرة الذاتية) أو عبر شكل "اليوميات"، إذ تخلت عن كتابة القصة المتخيلة التقليدية، لتركز على تلك "الرواية" المستمدة "أحداثها" من سيرتها، حيث تتقاطع فيها التجربة التاريخية مع التجربة الفردية. من هنا أصبحنا نجد أن كلّ رواية من رواياتها، تدور حول "تيمة" (موضوعة) معينة.

ففي كتاب "امرأة"، (ترجمته إلى العربية الشاعرة المصرية هدى حسين، مثلما ترجمت لإرنو العديد من الكتب الأخرى)، تتحدث الكاتبة عن أمها، وعن الانتظار العاشق في كتاب "شغف بسيط" وعن الإجهاض في كتاب "الحدث"، إلخ.

 وأكد حبش على أن "لا تشذ رواية "الاحتلال" عن المشروع الروائي الذي عملت عليه إرنو في أن تقدم لنا تفصيلًا عاديًا من تفاصيل الحياة، ربما لأنها في النهاية تشكل مرجعًا ما في سلّم الوجود، لحظات هي التي تؤسس بدون شك جوهر الحياة الكبير، "ما من حقيقة أقل من أخرى"، هذا ما تقوله آني إرنو في روايتها "الحدث". 

حياة متقطعة، تقدمها إلينا الروائية من كتاب إلى آخر، لذلك تبدو رواياتها، كأنها لعبة "بازل"، حيث تشكل كل واحدة منها قطعة منفردة، لكن إن جمعناها معا، لظهرت أمامنا الصورة (أو اللوحة) بشكل متكامل. 

واختتم حبش: "ثمة خاصية تتمتع بها إرنو وهي أسلوبها، بالتأكيد تملك الكاتبة أسلوبًا خاصًا بها، ربما يعتبره البعض بأنه أشبه بأسلوب "اليوميات الحميمة"، أي أسلوب بدون تزاويق أو ادعاءات، من هنا هذه المهارة في أن تجعلنا نعتقد وكأن ما تكتبه – من كتاب إلى آخر – ليس سوى يومياتها الحقيقية ومن دون أي تبديل أو تعديل.

ومن كتاب إلى آخر، تنجح إرنو في بناء "عملها" الأدبي، الذي يذهب مباشرة إلى الأساسي، إلى الجواني والداخلي، إلى الحميمي، من دون أي تعقيدات أو التفافات، يذهب عبر هذه الكثافة المكثفة التي تفتح، في الوقت عينه، حقولا متعددة للقراءة الخاصة أمام القارئ.