رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اليوم ذكرى القبطي الياس بقطر صاحب أول قاموس فرنسي عربي

الكنيسة
الكنيسة

تحل اليوم ذكرى العالم القبطي إلياس بقطر، الذي أطلق أول قاموس فرنسي عربي، وعنه قال ماجد كامل، عضو اللجنة الباباوية للتاريخ الكنسي، في دراسة له: «يمثل العالم المصري إلياس بقطر أهمية كبيرة في تاريخ الدراسات الاستشراقية ؛ فهو صاحب أول قاموس فرنسي - عربي . وهو القاموس المعروف بقاموس إلياس وهو ليس قاموس ألياس العصري المتداول بيننا حاليا.

أما عن إلياس بقطر نفسه فهو في حدود المعلومات المتاحة لدي حسب ما ورد في كتاب رمزي تادرس " الأقباط في القرن العشرين " " النابغة والعلامة الكبير الذي تفتخر به الأمة المصرية ؛ ولد في مدينة أسيوط في 12 أبريل 1774 من ابوين شريفين عرفا بعراقة نسبهما وكرم محتدهما . 

وقد طالع والده في وجهه منذ طفولته توقد الذهن وحسن الذاكرة فأحبه وزاد في الاعتناء بتربيته وتعليمه فخرج من طفولته نشيطا اليفه الكتاب وسميره القلم وشب عالما زكيا ملأ وادي النيل علما وفضلا وملأ حياته اجتهادا وعملا .

 وما أن بلغ العشرين من العمر نزح معه عمه الجنرال يعقوب الي بني سويف ثم القاهرة ؛ وقد خطر له ان يدرس اللغة الفرنسية لغة العلماء والشعراء فدرسها ورسخت قدمه فيها فبهر المصريين بقاموسه فما احقه أن يقال لاروس مصر وان عاش قبل لاروس والف قبله ونبغ فيه قبل ولادته. 

وقد تقلب في وظائف كثيرة فكان فيها مثال العالم النشيط والموظف العامل، رأي فيه نابليون حين احتلاله لوادي النيل استعدادا وكفاءة واقتدار في اللغة الفرنسية فعينه مترجما لجيشه ثم سكرتيرا خاصا له ثم عضوا في المجمع العلمي المصري الذي الفه الفرنسيون فخدمه وخدمهم أجل خدمة. 

والمترجم علي ما وصف به كان كاتبا في اللغة الفرنسية من أرسخ الكتبة ملكة ومترجما من أبرع المترجمين ونابغة يثبت نبوغه انفراده بالعلم في وقت كان فيه رجال مصر لا يفقهون لغة من لغات الأجانب علي الاطلاق ؛ قضى رحمه الله حياته بين المحابر والمكاتب فوق طاولة كان ينيرها علمه و يملأها أمله ؛فلم يألف النوم الكثير ولم يألف السرير الا بضع ساعات من الليل الطويل فكان لا يريد إلا أن يكون عالما فاضلا فعاش كما أراد ومات مخلدا إلى الذرية والأجيال القادمة . 

عرف الفرنسيس قدره واختبروا علمه وفضله مما دعاهم إلى استصحابه مع عمه الجنرال يعقوب حين خروجهم من هذه الديار إلى فرنسا وعينوه مترجما في نظارة حربيتهم فرئيسا للقلم الترجمة بها عام 1805 وهو أول مصري شهد له الفرنسيس أنفسهم بالذكاء والعلم فكان يدعوه نابليون بصديقه وولده ؛ وكليبر بنابغة مصر وشاتوبريان بالنابغة الحكيم .

وقد أخذ وهو في باريس يحيي ليله بنهاره في العلم والعمل فالف كتبا للتعليم وكتب كثيرا من المقالات العلمية والأدبية لم تزل محفوظة الي اليوم في مكتبة باريس ثم عكف علي وضع قاموسه المشهور بقاموس بقطر اتمه في عامين وهو اول قاموس ظهر بلغتي العرب والفرنسيس وما ان اتم تاليفه حتي انتكست صحته وعاجلته المنية في غضون عام 1811 حيث نام علي سريره الاخير بعد حياة كلها جهاد و عمل دون ان يطبع مؤلفه فعني المسيو كوسين دي برسقال العالم الفرنسي بطبعه ونوه بفضل المؤلف في خطبة صدر بها القاموس المشار إليه مما يثبت لنا جليا ان اللياس يقطر أول الناطقين بلغة الفرنسيس في الجيل الثامن عشر حيث كان العلم مريضا و الجهل فاشيا . 

ومن صفاته أنه كان أشد الناس ثباتا في العمل وأقدرهم علي الصبر ؛ وتدل عليه أعماله علي ذكاء وشرف محتد ولين عريكة وحب للعلم والعلماء وحسبنا في هذه الكلمات الصغيرة أن يقرأها أحفادنا ولو بعد أجيال طويلة ليخلدوا اسم هذا الرجل العظيم والنابغة الحكيم الذي بقي منسيا زمانا كبير.

كما ورد أسمه في قاموس التراجم والأعلام للزركلي تحت أسم " إلياس بقطر " حيث قال عنه " إلياس بقطر " مترجم عن الفرنسية منها وإليها ؛ مصري ؛ قبطي ؛ ولد بأسيوط ومات بباريس . كان من أعضاء المجمع العلمي المصري الذي أنشأه الفرنسيون أيام احتلالهم مصر . وخدم جيشهم بالترجمة . وسافر معهم عند رحيلهم ؛ فعين بباريس مدرسا للعربية في المكتبة الملكية لتعليم التلاميذ بمدرسة اللغات الشرقية في باريس .

 وكتب عنه الدكتور عبد الرحمن بدوي ( 1917- 2002 ) في موسوعة المستشرقين ؛ حيث قال عنه ؛ مصري قبطي التحق بجيش نابليون في مصر مترجما وغادر مصر بعودة الحملة الفرنسية الي فرنسا . وعين في كرسي اللغة العامية العربية في مدرسة اللغات في باريس . وكانت مهمتها تعليم اللهجات العامية الموجودة في البلاد العربية للشباب الفرنسيين الذين سيعملون في القنصليات الفرنسية في البلاد العربية . وكان بقطر هذا أول من شغل هذا الكرسي في تلك المدرسة ؛ وتلاه بعد وفاته المبكرة عام 1821 وهو في السابعة والثلاثين من عمره ؛ أرمان بيير كوسان دي برسفال ( 1795- 1871 ) مؤلف كتاب " بحث في تاريخ العرب قبل الإسلام " وبرسفال هو الذي اشرف علي طبع " القاموس الفرنسي – العربي  في مجلدين ؛ والطبعة الرالعة في باريس 1868 

كما كتب عنه المؤرخ الكبير جاك تاجر  في كتاب "حركة التلاجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر " حيث قال عنه " ولد في أسيوط سنة 1784 من أب قبطي ؛ ولما بلغ الخامسة عشر من عمره ألحق بقيادة الجيش الفرنسي مترجما ؛ وسافر الي فرنسا مع سائر رجال الحملة ؛ وعين سنة 1812 لترجمة الكتب المودعة محفوظات وزارة الحربية ؛ ثم الحق بالجيش مترجما ؛ وألغيت وظيفته سنة 1814 ؛ وفي سنة 1817 أجيز له تدريس اللغة العربية العامية بمدرسة اللغات بباريس ؛ وتوفي سنة 1821 . ألف معجما عربيا فرنسيا طبع سنة 1864 بباريس ؛ وراجعه وأضاف إليه زيادات الأستاذ " دي بيرسيال " في سنة 1896 . وأضاف إليه زيادات عبيد جلاب ؛ ونشر في جزئين 

كما كتب عنه محمود المقداد في كتاب " الدراسات العربية في فرنسا " حيث قال " ولقد عين فيه ( أي في المدرسة الوطنية للغات الشرقية الحية ) لاجيء مصري ثالث هو الياس بقطر ؛ سنة 1820 ؛ وكان أيام الحملة الفرنسية يعمل مترجما في الجيش الفرنسي بمصر . وكان موضوع تعليمه هو العربية العامية ؛ غير أن حبل العمر لم يمتد به طويلا ؛إذ توفي سنة 1821 . تاركا خلفه قاموسا فرنسيا عربيا نشره فيما بعد المستعرب الفرنسي الذذ خلفه في كرسي العربية العامية ؛وهو كوسان دي برسفال الابن ؛ الذي تحدث عنه رفاعة الطهطاوي في كتابه ( تخليص الابريز ) وسماه ( كوسين دي برسيفال ) ووصفه بأنه مدرس اللغة العربية المتداولة في المحاورات الشهيرة باسم الدارجة عند العامة بدار كتب خانة السلطانية بباريس

ومن المراجع الحديثة التي كتبت عنه نذكر كتاب " تاريخ الترجمة في عهد الحملة الفرنسية " للدكتور " جمال الدين الشيال " فيقول عنه انه عندما جاءت الحملة الفرنسية علي مصر كان سنه وقتها يبلغ 15 سنة ؛ فاتصل بهم وتعلم منهم اللغة الفرنسية ؛ثم سافر معهم الي فرنسا حيث أقام في مرسيليا حتى عام 1812 ؛ ثم استدعي بعدها إلى باريس حيث عهد إليه بترجمة بعض الوثائق العربية الخاصة بالحملة الفرنسية إلى اللغة العربية.

وشارك العلماء الفرنسيين في تحقيق الأسماء العربية الواردة في بعض المصورات الجغرافية المعدة للنشر في موسوعة " وصف مصر Description de L Egypt ؛ وعمل في ذلك الحين علي وضع قاموس فرنسي عربي . وفي سنة 1812 – وكان في السابعة والثلاثين من العمر – عمل مدرسا للغة العربية العامية بمدرسة اللغات الشرقية في باريس ؛ ولكن المنية عاجلته في تلك السنة بعد أن أنتهي من وضع قاموس ؛ فأشرف علي طبعه في باريس خلفه في تدريس اللغة العربية المستشرق الكبير كوسان دي برسيفال Caussin de Perceval في جزئين سنة 1829.

ونصل أخيرا إلى الدراسة البالغة الأهمية التي قام بها الدكتور أنور لوقا ( 1927-2003 ) ) في موسوعة " من تراث القبط " حيث قال عنه انه ولد في 12 أبريل 1784 ؛ وتلقى تعليمه الأولي كتاب الأقباط حيث تعلم الحساب وإمساك الدفاتر ؛ و بعدها اشتغل كاتبا في خدمة المعلم يعقوب ( 1745- 1801 ) .

 ثم خرج مع الفيلق القبطي ؛ وعندما حط رحاله في مرسيليا ؛ استهل إقامته بتشييع جنازة رئيسه وعائله المعلم يعقوب الذي توفي فجاة علي ظهر المركب ؛ فعمل بالترجمة والكتابة ؛ ثم دفعه طموحه للعمل كمترجم للمخطوطات العربية التي تحتفظ بها المكتبة الوطنية ؛ وكان يطمح في العمل بمدرسة اللغات الشرقية بباريس ؛ ولكن وجود الدون رفائيل Don Raphael الذي كان عضوا بالمجمع العلمي المصري وكبير مترجمي الديوان ؛ مما جعله علي اتصال مباشر بأعلى سلطة في فرنسا .

ولكنه قام بعمل جبار ورائد هو عمل قاموس فرنسي – عربي يقوم علي أحدث الطرق العلمية المتبعة في إعداد المعاجم ؛ وكان النموذج المثالي أمامه هو المعجم الرصين الذي وضعته الأكاديمية الفرنسية ؛ وأنكب بقطر علي العمل لمدة عشر سنوات تعلم خلالها اللغة اللاتينية ؛ وكان يقوم بإعطاء بعض الدروس الخصوصية في اللغة العربية للمبتدئين من الفرنسيين ؛كما كان يقوم بنسخ المخطوطات العربية حسب الطلب . وكانت معظم الطلبات تأتيه من صديقه الحميم " ميخائيل صباغ "( 1784- 1816 ) الذي كان يعمل ناسخا بالمكتبة الوطنية في باريس ؛ وكان من بين المترددين عليه تلاميذ المستشرق الشهير سلفستر دي ساسي S . de Sacy الأستاذ بالكوليج دي فرانس للحصول علي نصوص عربية ؛ ولقد ارتبط به الياس بقطر بصداقة قوية . 

ونظرا لكفاته العالية ؛ استعانت به وزارة الحربية لقراءة وترجمة عدد من الوثائق العربية الموجودة في محفوظاتهم ؛ وكان ذلك خلال عام 1814 ؛ ولكن تقلبات السياسة عصفت به ؛ فلقد الغيت وظيفته عقب سقوط نابليون بونابرت ( 1796- 1821 ) في وقت كان فيه بقطر في احوج ما يكون للمال من أجل إنجاز قاموسه . 

ولكن جاءته فرصة عمل رائعة بعد استقالة الدون رفائيل من العمل بمدرسة اللغات الشرقية احتجاجا علي تقليص مرتبه ؛ فقرر الاستقالة والعودة إلى مصر ؛ وكان ذلك خلال عام 1816 . فلم يجدوا أجدر من اليأس بقطر لملء فراغه ؛ فتم تعيينه مكانه والقي محاضرة افتتاحية في دار المكتبة الملكية في 8 ديسمبر 1919 أمام جمهور كبيبر من صفوة المستشرقين وأعضاء المجامع العلمية ؛ فبهرهم بعلمه ؛ حيث بدأ المحاضرة باستعرض تاريخ العلاقات الثقافية بين اوربا والشرق العربي . حياه عليها العالم جومار المشرف علي نشر موسوعة وصف مصر ؛ ثم وضع منهجه لتدريس اللغة العربية لا بوصفها لغة قديمة كامنة في بطون الكتب بل لغة حية تؤدي جميع أغراض الكلام المعيشية . وتعهد بإثراء حصيلة طلابه من خلال نصوص شعرية نابضة يقتطفها من كتب الرحالة العرب والشعراء والأدباء الكبار . وأن يبني تدربيه علي شرح النصوص وتمارين المحادثة الشفوية والإملاء والإنشاء . وامتد نشاطه الي المشاركة في الحملة التربوية لتعليم المتقدمين والمبتدئين ؛ كما قام بترجمة الكتابات العربية المحفوظة في أحدي الكاتدرائيات في فرنسا ؛ وهي المهمة التي سبق أن فشل فيها كبار المستشرقين . 

ولقد نجح بقطر في تثبيت أقدامه كأستاذ للغة العربية الدارجة في مدرسة اللغات الشرقية في خلال شهر يونية 1821 ؛ إلا ان القدر لم يمهله لكي يبدأ العام الدراسي الجديد ؛ حيث توفي فجأة في 26 سبتمبر 1821 ؛ نتيجة الأرهاق الشديد في العمل ؛ ولم يتعد من العمر إلا 37 سنة فقط . 

اما عن قاموسه الشهير ؛ قامت أرملته بإسناده للأستاذ كوسان دي برسفال خليفة الياس بقطر في منصبه كأستاذ للغات الشرقية ؛ فعكف علي تجميعه وتزويده بالمصطلحات الجديدة التي جمعها خلال رحلته الي الشام أو أستقاها من المعاجم الفرنسية الحديثة . وظهر المجلد الأول من العمل عام 1828 م( 461 صفحة من عمودين ) ؛ والثاني عام 1829 ( 435 صفحة ) . 

.ثم أعيد طبعه عدة مرات ؛ منها مرة في باريس عام 1848 ؛ ومرة اخري عام 1882 م . ولقد أستفاد منه كثيرا المستشرق الشهير كاترمير، وجولي بفرنسا ثم دوزي في هولندا . وفي مصر أصدر عبيد غلاب طبعة جديدة من قاموس الياس بقطر زودها بالمصطلحات العلمية الجديدة التي ظهرت في مجالات الهندسة ؛ والمصطلحات الطبيبة التي وضعها الدكتور محمود افندي رشدي خريج كلية باريس ؛ وقائمة المصطلحات الحربية التي وضعها الضابط محمد أفندي مختار 

وهكذا نجح الياس بقطر في تجديد شباب اللغة العربية ؛ وحقق بمفرده ما عجز عن تنفيذه قريق كامل من علماء المجامع العلمية المستقرة . ومازال يحتفظ هذا القاموس بأهميته الكبيرة رغم مرور حوالي 194 عاما علي صدوره منذ ظهور الطبعة الأولي عام 1828 .

ويذكر جمال الدين الشيال أن لبقطر بعض الكتيبات الأخري يمكن تلخيصها فيما يلي :- 

1-مختصر في الصرف ؛ وضعه لتلاميذ مدرسة اللغات الشرقية في باريس ؛ وصدر عام 1821 م .

2-الرسالة التامة في كلام العامة.

3-المناهج في أحوال الكلام الدارج .