رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

50 ألف رسالة

جدول الأعمال الإسرائيلى يتغير بسرعة، عملية عسكرية فى قطاع غزة، توتر فى الجبهة الشمالية، حزب الله يهدد، الاتفاق النووى على وشك التوقيع، منصة الغاز «كاريش» تحت التهديد، تطبيع وتقارب، مناورات للجيش، وعمليات بعد منتصف الليل فى الضفة، كل الملفات السابقة تتبدل بين يوم وآخر، إلا ملفًا واحدًا يستمر لسنوات بدون تغيير أو «زحزحة» من مكانه ولو سنتيمترات قليلة، هو «بنيامين نتنياهو».

تأتى الأحداث وتذهب وهو باقٍ، تبدأ حروب وتنتهى وهو يتصدر العناوين الرئيسية، ويبدو أنه باقٍ لوقت إضافى آخر قد يكون طويلًا، لا أريد أن أقول قد يمتد لأربع سنوات حتى لا يشعر مؤيدو لابيد بالصدمة!، نصيحة: «لا تشدوا الحبل أكثر... إذا لم تهدأوا، فسيلقّنكم درسًا لا يُنسى».

نتنياهو عاد بقوة، يتحكم بأدواته، ويغير جلده، ويمسك بيده سوطًا يلسع به كل من وقف ضده يومًا، يد تسلم على «البيبيين» «أنصار بيبى يطلق عليهم بيبيين» ويد تضرب المعارضة.

صفحته على إنستجرام تحولت إلى حملة دعائية شبابية، فيديوهات فى كل لحظة من حياته، كأنه نجم من نجوم هوليوود، يقود السيارة ويعد بمستقبل أفضل، فى السوبر ماركت يتكلم عن خطته لخفض الأسعار، فى مكتبه يجرى محادثات فيديو مع الجمهور، يلعب الكرة، ويجرى على الشواطئ.

هذه المرة، ثمة شخص جديد انضم للحملة لا أعرفه. 

صفحته على تويتر مخصصة لنوع آخر من الجمهور، الفئة الأكبر سنًا والأكثر ثقافة، المهمومة بالسياسة، يغازلهم بلغتهم، يهاجم ويضرب بقوة كلما سنحت له الفرصة أو حتى لو لم تسنح، يعلق على كل تحرك للحكومة، يظهر تناقضاتهم، ونقاط ضعفهم، يقول لهم الطريقة الصحيحة لفعل الأشياء!

أما صفحته على «تيك توك» فهى قصة أخرى، تيك توك ضمن التطبيقات الأكثر رواجًا بين الشباب الإسرائيلى، «بيبى» يصنع لهم محتوى بلغتهم، يضحك ويسخر ويطلق النكات وأحيانًا يغنى ويركب الدراجات!

الرجل الذى كان على رأس الحكم فى إسرائيل لمدة ١٢ عامًا، ولم يمسك يومًا هاتفًا خلويًا، وكان يتباهى بهذا، وفى يوم وصفنا- نحن مستخدمى الهواتف- أننا عبيد لهواتفنا، وأننا نمسك هواتفنا ولا نعيش، ونلتقط الصور ولا نستمتع باللحظات، اشترى هاتفًا بعد أسبوع من رحيله عن رئاسة الحكومة. 

وقتها هناك من قال إنه بدأ يعيش حياته، أى مواطن عادى، اليوم عرفنا أنه الهاتف الذى يدير به حملته النوعية الآن، لا أعرف كيف نشر رقم هاتفه، لكنه صرح بأنه تلقى ٥٠ ألف رسالة ومثلها مكالمات على واتس آب وإنستجرام! فيما أجرى عشرات محادثات الفيديو مع الجمهور! 

هناك من يفترض أن العام الذى ابتعد فيه نتنياهو عن بلفور «مكتب رئاسة الحكومة» كان بمثابة استراحة، لإعادة ترتيب الأوراق، هكذا فعل عندما رحل عام ١٩٩٩ ولكنه فى حينه ابتعد ١٠ سنوات، تعلم فيها السياسة وفهم كل شىء عن الحكم، ليعود رئيس الوزراء الإسرائيلى الأطول عمرًا، هذه المرة ابتعد عامًا وأرجح أنه تعلم فيها فقط كيف سيعود لا كيف سيحكم، لأن خبرته تراكمت بالفعل!

فى هذه الحملة الانتخابية النوعية، نحن أمام رئيس وزراء يواجه انتقادات وكراهية من معارضيه، قضايا فساد، واتهامات بالسيطرة على الحكم، لكن على الجانب الآخر، هناك من يصرخون ليلتقطوا صورًا معه، ويجرون خلفه فى هستيريا عند ظهوره فى أى مكان، ويذهبون مئات الأميال ليرونه من بعيد. فى النهاية، الإسرائيليون وحدهم من سيقررون إلى جانب من المتراس سينتمون، أما نحن- المحللين- فما علينا سوى فحص هذه الظاهرة الغريبة.