رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رؤية عربية للعاصمة الإدارية

حدث أن التقيت نهاية الأسبوع بالدكتور حازم قشّوع، الوزير الأردني الأسبق للشئون البلدية والخبير الدولي في تخطيط المدن انتهزت الفرصة فامتد بيننا حوار حول أهم توصيات مؤتمر وزراء التنمية المحلية الأفارقة والذي استضافته مصر مؤخرًا بحضور ممثلي 55 دولة إفريقية وبمشاركة رئيس الوزراء دكتور مصطفى مدبولي.
وتحدثنا عن أهم ما طرحه المؤتمر من قضايا مثلت محاور في غاية الأهمية كقضايا التغير المناخي والأمن الغذائي والنمو السكاني.
غير أن المحور الرئيس لحوارنا الفكري مع الضيف العربي والذي استمر لنحو الساعة دار حول رؤيته للعاصمة الإدارية المصرية الجديدة - والتي كان عائدا لتوه من زيارة لها وجولة بها مستكشفًا أهم معالمها التي ما تزال تحت الإنشاء - خاصة بعد أن صدر مؤخرًا قرار جمهوري بتولي المهندس خالد عباس، رئاسة الشركة المنفذة لها والقائمة على إدارتها وهو القرار الذي جاء استمرارًا للجهود المبذولة من الدولة المصرية التي تستهدف دقة وسرعة إنجاز هذا المشروع الوطني الحضاري العملاق.
أبدى الخبير العروبي سعادة بالغة بهذا المنجز والذي رأى فيه إعجازًا مصريًا جديدًا ورؤية عمرانية تستحق الرصد والدراسة.
فالخبير المعماري الكبير يرى أن عواصم مصر تاريخيًا كانت تطل دائمًا على نهر أو بحر، لكن الرؤية المصرية الجديدة استقرت على أن تكون العاصمة الجديدة بعيدة عن أي مجرى مائي وأن تكون في قلب الصحراء "بين المائين".
إذ تقع على بعد 60 كيلومترًا من نهر النيل وذات المسافة بعيدًا عن البحر الأحمر ويرى الرجل في هذا الاختيار امتدادًا عمرانيًا جديدًا يربط بين مدن عديدة بما يمثل شريانًا جديدًا يصب في بنية أكثر من محافظة مجاورة وهو الأمر الذي يمثل طفرة حضارية وعمرانية ليست بجديدة على وطن بحجم مصر وقيمتها.
يرى الدكتور قشّوع أنها عاصمة تمثل حالة نتباهى بها - نحن العرب - بين الأمم، إذ يؤكد أنها المدينة التي ستكون واحة خضراء وسط الصحراء، كما أنها ذات تخطيط شامل يراه بحكم خبرته الأكثر تميزًا بين كل المدن المماثلة على المستوى العالمي ويعتقد الرجل أن هذا التخطيط للعاصمة الإدارية يمثل حالة مهنية وتجارية وحرفية مختلفة عن القاهرة وغيرها من مدن مصر الكبرى، حيث ستكون بلا جمارك أو ضرائب أو التزامات يمكن أن تمثل ضغطًا على سكانها أو المستثمرين بها في المستقبل الأمر الذي يضمن سلاسة المعاملات الاقتصادية فيها.
ونصح الرجل بضرورة وضع خطة عمل دقيقة ومحكمة تكفل نجاح عملية التسويق الاستثماري للعاصمة، بما يستلزم وضع إستراتيجية مدروسة تنجح بها العاصمة في الحصول على ما تستحقه من اهتمام كبار المستثمرين العرب والأجانب، بما يكفل تمويلًا متدفقًا وسخيًا للمنشآت والمشروعات المخطط لها في تلك المدينة الذكية والعملاقة.
طالب المخطط العمراني العروبي الكبير وبروح المحب أيضًا بسرعة الكشف عن الاسم الجديد الذي سيقع عليه الاختيار كإسم للحاضرة الجديدة للدولة المصرية والأهم - فيما يراه - هو كشف اللثام عن هوية تلك العاصمة الجديدة وهو بهذا يقصد الهوية البصرية والحضارية لعاصمة الجمهورية الجديدة.
كما اقترح د. قشوّع أن تحتضن العاصمة الجديدة منظومة أممية تحتوي تجمعًا لكل العواصم العالمية وليس العربية ولا حتى الإسلامية فقط.
إذ طرح الوزير المعماري مقترحًا طلب منا أن نتبناه عبر هذه المنصة الصحفية والإعلامية المحترمة آملًا أن ينال مقترحه حظه من الدراسة ومن ثم التنفيذ حال ثبتت جدواه لدى المسئولين عن هذا المشروع العملاق.
مقترح د. حازم قشوّع يتمثل في منح مساحة خالية من أرض العاصمة الجديدة لتكون تحت تصرف كل دولة من الدول الشقيقة والصديقة لمصر، تضع فيها لمستها الحضارية أو الجمالية أو المعمارية أو الإنشائية الخاصة بها وتتركها هدية خالدة عبر السنين للشعب المصري.
واقترح الرجل تحديدًا أن تكون مساحة الأرض المخصصة لكل دولة حوالي 5000 مترًا مربعًا تضع فيها هذه الدولة أو تلك جزءً من روحها وملمحًا يمثلها ويعبر عن هويتها.
فهناك دولة مثلًا ستختار أن تنشئ حديقة باسمها، وأخرى ستتبنى إقامة مستشفى تحمل اسم عاصمتها وثالثة ستفضل إنشاء مجمع دراسي متطور أو حتى جامعة حديثة متكاملة المنشآت والتجهيزات ودولة ستتحمس لبناء حي سكني متكامل الخدمات لأسر موظفين عاملين بالعاصمة.
وبهذا يرى الرجل- ونشاركه رؤيته - أن العاصمة الإدارية الجديدة لمصر ستكون هي عاصمة العواصم العالمية بما ستحمله من روح كل دولة من دول العالم المشاركة في الإنشاء، وهو ما يحمس مواطني تلك الدول على القدوم إلى تلك المدينة الحاضنة لجزء من روح دولتهم، بما يحفزهم على اقتناء وحدات سكنية أو حتى الإقدام على استثمار جزء من مدخراتهم فيها، حين يشاهدوا بأعينهم منشآت تلك العاصمة الأحدث والأفضل تخطيطًاً وتنظيمًا.