رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية «مقهى الأفندية» التى جمعت الأدباء والمثقفين فى مصر

حي الأزهر قديما
حي الأزهر قديما

مقهي الأفندية.. اسم بارز بين مقاهي الفن والأدب في عشرينيات القرن الماضي؛ ففيها تجمع الأدباء والمثقفين ممن برزوا بحقبة العشرينيات في مصر.

 

وفي كتابه “قهاوي الأدب والفن في القاهرة”، يشير المؤرخ عبد المنعم شميس، إلى أن “مقهى الأفندية”، كانت تقع بالقرب من الجامع الأزهر، ومالكها هو الحاج حسن أفندية" وقد جاء ذكرها في الخطاب الذي كتبه عبد الله باشا فكري إلي صديقه الشيخ عثمان حدوج”ممازحا ومن هذه الرسالة قوله: “بالله عليك افتكر لنا شوية واو على قهوة الحاج حسن أفندية، واللي يجيي على بالك تبقي تقوله للقلم، والقلم يقوله لحتة ورقة، والورقة تخطف رجليها وتيجي هنا تقول لي لأجل ماقعدش أتلخبط، أحسن النوبة دي لما جيت أكتبلك جات الكلمة قدام القلم عطلته، شنكلته، كعبلته، دق في خناقها، دقت في خناقه، فلفص منها، مسكت فيه، معرفش يخلص منها، قعدت أنا افتكر فيها قمت نسيت الكلام اللي كنت رايح أقوله لك والله ما أنا عارف هو إيه، لسه كده إن كنت جدع وابن نكتة تعرف أنا كنت رايح أقولك إيه”.

 

ولفت “شميس” إلى أن هذه الرسالة مؤرخة بتاريخ 5 جمادي الثانية 1288 هجرية، 1870 ميلادية، عندما كان عبد الله باشا فكري في تركيا، وتدل في ثناياها علي أن الشيخ عثمان حدوج هذا كان من أساتذة النحو في الأزهر حيث حاشاها كاتبها بالنكت النحوية.   

 

كما أوضحت الرسالة أيضًا أن عبدالله باشا فكري الذي كان وزيرا للمعارف أثناء الثورة العرابية كان من البلغاء المعدودين في صناعة الكلام سواء في اللهجة العامية أو العربية الفصحي؛ بل إنه كان من أوائل الذين حرروا الأسلوب الأدبي من المحسنات اللفظية في العصر الحديث.

 

ــ لماذا أطلقوا عليها اسم مقهي الأفندية؟

وتابع "شميس": “لقد ذكر ابن باشا فكري وهو ابن عبد الله فكري وقد تولي مناصب رفيعة في الجيل الماضي ــ الكتاب صادر في العام 1968 ــ حيث كان ناظرا للدائرة السنية ووكيلا لوزارة المعارف العمومية، إن مقهي أفندية من المقاهي المعروفة في حي الأزهر، وكان روادها في الغالب من الأفندية، وهذا لا يمنع من جلوس المشايخ فيها، ولكن أغلبية الزبائن كانوا أفندية من أصحاب الطرابيش، ولذلك أطلق عليها صاحبها ــ الحاج حسن أفندية ــ اسم “مقهي الأفندية”، بل أنه قرن اسمه بكلمة أفندية وتسمي باسم الحاج حسن أفندية”.

 

ــ حي الأزهر .. حي للفكر والفن والأدب

وأضاف المؤرخ الأدبي عبد المنعم شميس، في كتابه “قهاوي الأدب والفن في القاهرة”: “كان الأزهر في الجيل الماضي، وحتى عهد قريب حي الأدب والفكر والفن، ويبدو أن مقهي أفندية كانت تموج بكبار الأدباء والعلماء في ذلك الزمان، ومنهم عبد الله فكري باشا، الشاعر الثائر البليغ، ولكننا لم نحتفظ بتراث هذه المقاهي كما احتفظ الفرنسيون بقهاوي مونبرناس والحي اللاتيني في باريس”.

 

ويبدو أن الأفندية كانوا يرتادون هذه القهوة لأغراض أدبية، حيث كان يحدث التمازج بين الثقافة الأزهرية، والثقافة العصرية الحديثة، أو يحدث الهجوم من الجاحدين من المشايخ علي هذه الثقافة الحديثة منذ ظهور "رفاعة رافع الطهطاوي"، فقد ذكر “وليو إدوارد لين” في كتابه عن القاهرة، أنه سمع أن المشايخ في قهاوي حي الأزهر وجهوا اتهاما شنيعا للشيخ رفاعة الطهطاوي، فقال بعضهم أن الشيخ رفاعة بعد أن ركب السفينة في الإسكندرية متجها إلى مارسيليا شرب الخمر حتى سكر، وربطوه في سارية السفينة، وأنه عندما كان في باريس داوم على مراقصة النساء الإفرنجيات إلي غير ذلك من تهم شنيعة باطلة تنم عن مقاومة الثقافة الحديثة.

 

وشدد “شميس” على أنه: “ولا شك أن مقهي الأفندية، كانت من المقاهي الأدبية في ذلك العصر، ولكننا لا نكاد نعرف عنها شيئا أكثر مما ذكرته من مناقشات في علم النحو بين عبد الله باشا فكري وصديقه الشيخ عثمان حدوج أستاذ النحو في الجامع الأزهر”.

 

وقهاوي حي الأزهر اشتهرت في الأجيال الماضية بالعلم والأدب، وكانت أسواقا لبيع الكتب حتي عهد قريب، كما كان يرتادها أهل الأدب والفن ويسهرون فيها حتى مطلع الصبح.