رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

55 مليون جنيه تقريبًا

بعد بلوغها 300 جنيه.. أرباح «التعليم» من التظلمات خلال 5 سنوات

أرشيفية
أرشيفية

كان يرغب محمد سمير، والد إحدى طالبات الثانوية العامة للعام الحالي، في تقديم تظلم لابنته لأربع مواد دراسية بعد ظهور نتيجة ابنته، وشكه أن هناك أخطاء في التصحيح انتابت أوراق ابنته إلا أنه صُدم حين علم بارتفاع أسعار التظلمات.

لم يكن أمام محمد سوى الاكتفاء بتقديم تظلم لمادتين فقط ليدفع ٦٠٠ جنيهًا بدلًا من ١٢٠٠ جميعًا نظير تظلم أربع مواد: «اعلم أن ابنتي من المتفوقات دومًا، وكنا ننتظر ونعلق الأحلام على التحاقهم بكلية الطب، لكني فوجئت بحصولها على ٦٠٪ فقط ما أثار شكي بأن هناك أخطاء في التصحيح»- هكذا يقول الوالد.

يمثل المبلغ المدفوع للتظلمات عبء مادي على الأسرة، كما يصف الوالد إلا أن شكهم بأن ابنتهم لديها درجات لم تحصل عليها كان أهم من أي جهد تبذله الأسرة؛ لتوفير رسوم التظلمات كالاستدانة، فلا يخشى الوالد الآن سوى أن يكون مجموع ابنته صحيحًا، ويخسر مرتين الأولى في حلم ابنته بكلية الطب والثانية في سداد ديون تلك الأموال.

ابنة محمد، هي واحدة ضمن 40 ألف طالب وطالبة تقدموا حتى كتابة تلك السطور بتظلمات على نتائجهم في امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، والذي شهد ارتفاع في رسوم التظلم من 100 إلى 300 جنيه للمرة الأولى منذ إتاحة التعليم التظلم على نتائج الثانوية العامة.

وكل عام يتقدم آلاف الطلاب للتظلم على نتائجهم مقابل دفع الرسوم المتغيرة كل عام بعضهم يصبح لديه حق في التظلم، ويعاد له التصحيح، وتعود له درجات ولكن النسبة الأكبر تجد أن النتيجة صحيحة بعد دفع تلك الرسوم، والتي لا يتيح للطالب الاطلاع على الإجابات دون دفعها.

تزيد أرباح وزارة التربية والتعليم كل عام من تظلمات نتيجة الثانوية العامة، بحسب ما توصلت إليه «الدستور» عبر تنقيح بيانات وزارة التعليم الرسمية عن أعداد التظلمات منذ العام 2018 وحتى 2022، والتي كشفت عن أن الأرباح خلال السنوات الخمس الأخيرة وصلت إلى 55 مليون و800 تقريبًا دون حساب أعداد الكراسات فربما التظلم الواحد يضم أكثر من مادة لكل طالب وطالبة، في وقت يزيد فيه أعداد الطلاب الراسبين وهم النسبة الأكبر في التظلم.

أرباح وزارة التعليم من التظلمات

في العام 2018 استقبلت الوزارة 107 ألف تظلم وكان وقتها سعر التظلم 100 جنيه، وبحسبة بسيطة على العدد الأقل (التظلم وليس المادة) فإن الأرباح ذلك العام كانت 10 مليون و700 ألف جنيه.

بينما العام 2019 تقدم 100 ألف طالب بطلب تظلم، ولم تختلف الرسوم عن العام السابق فكانت الأرباح 10 مليون جنيه، بينما العام 2020 تقدم 16 ألف طلب فقط للتظلمات فوصلت أرباح التعليم إلى مليون و600 ألف جنيه تقريبًا.

انفوجراف الدستور

وفي العام 2021 كان عدد التظلمات أكثر إذ بلغ 215 ألف تظلم من قبل الطلاب، وكانت الأرباح 21 مليون و500 ألف تقريبًا، وحتى كتابة تلك السطور تقدم 40 ألف طالب وطالبة بتظلمات لهذا العام ولكن سعر التظلم أصبح 300 جنيه، فيكون الربح بعد أسبوع واحد من فتح باب التظلمات 12 مليون جنيه.

ومن خلال تحليل تلك البيانات، يستحوذ العام 2021 على النسبة الأعلى من إجمالي تظلمات الأعوام الخمسة بنسبة 44%، يليه العام 2018 بنسبة استحواذ بلغت 22% ثم العام 2019 بنسبة 20% ثم العام الحالي بنسبة 8% وأخيرًا عام الكورونا 2020 بنسبة 3%.

انفوجراف الدستور

وبالتبعية فإن العام 2021 هو الأعلى في أرباح التعليم من التظلمات بموجب 21 مليون و500 ألف جنيه، وعبر حسبة أخرى يتضح أن متوسط الأرباح خلال الخمس سنوات الماضية هو 11 مليون و160 ألف جنيه. 

انفوجراف الدستور

 

شحاتة: «التظلم عبء مادي على أولياء الأمور لكنه يحمل أهمية قصوى»

يعلق على ذلك، الدكتور حسن شحاتة، رئيس قسم المناهج في كلية التربية بجامعة عين شمس، برؤيته أن ارتفاع سعر التظلمات هذا العام يعود إلى فكرة التصحيح الإلكتروني، بالرغم من أنه يمثل ضغط مادي على أولياء الأمور لاسيما ممن يرغبون في التظلم بأكثر من مادة، إلا أنه لديه أهمية قصوى في إعطاء حق للطلاب للتأكد من درجاتهم.

«شحاتة» يقول أيضًا: «الطلاب أصحبوا معتادين على فكرة التظلمات كل عام، وتمثل لهم الجهة الآمنة بالرغم من تكاليفها، وذلك لكونهم يقدرون لأنفسهم درجات أعلى مما تستحقه إجاباتهم على الامتحانات، خاصة الذين يرغبون في بعض المواد ويشعرون أن لديهم حق في التظلم».

الدكتور حسن شحاتة

وعن استخدام التصحيح الإلكتروني هذا العام، وعدم تدخل العنصر البشري كالأعوام السابقة، يرى رئيس قسم المناهج أن التصحيح الإلكتروني وراد به الخطأ سواء في التصحيح أو مراجعة التظلم لذلك يظهر التظلم أن للطلاب الحق في بعض الدرجات، والبعض الآخر يتأكد من خطأ اعتقاده بأن له درجات غير محسوبة نتيجة التصحيح الإلكتروني.

 ويشير أن من عوامل زيادة التظلمات هو السرعة التي يتعامل بها التصحيح الإلكتروني مع أوراق إجابات الطلاب بدون تدخل العامل البشري، مشددًا على ضرورة أن يكون هناك مراجعة لتصحيح الأوراق من قبل المدرسين عقب التصحيح الإلكتروني وعدم الاعتماد عليه بشكل كلي، وهنا تكاد تكون نسب الخطأ منعدمة تمامًا؛ لأن التصحيح تم إلكترونيًا وبشريًا.

ربما تؤتي التظلمات هذا العام بثمارها للطالب في حال كان بالفعل لديه درجات لم يحصل عليها، بحسب «شحاتة» الذي يؤكد أن التظلم يضمن حق الطالب ويعطيه شعور بأن ما حصل عليه هو ما يستحقه بالفعل وأنه لم يتعرض لأي نوع من الظلم.

أعداد رسوب الطلاب

بينما يتضح من تنقيح بيانات وزارة التعليم الخاصة بأعداد الطلاب بأن هناك زيادة في أعداد الراسبين كل عام، وهو ما تبعه زيادة في أعداد التظلمات، فرسب في العام 2018 قرابة 143205 ألف طالب وطالبة، بينما العام 2019 كانت أعداد الراسبين 123842 طالبًا وطالبة، وفي العام 2020 زاد العدد إلى 199978 طالبًا وطالبة، بينما في العام 2021 رسب 153396 طالبًا وطالبة، وفي العام الحالي رسب 152029 طالبًا وطالبة.

انفوجراف الدستور

ومن خلال تحليل «الدستور» لتلك البيانات فإن عدد الراسبين خلال الأعوام الخمسة بلغ 772 ألف و450 طالب وطالبة، ويعد العام 2020 هو الأعلى في نسبة الرسوب بموجب 25%، تليه العامين 2021 و2022 بنسبة رسوب 19% من إجمالي الأعوام الخمسة، بينما العام 2018 استحوذ على نسبة رسوب 18% وكان العام 2019 هو الأقل بنسبة 16%.

انفوجراف

1500 جنيه تظلمات لطالبة واحدة 

يمثل التظلم كل عام عبء مادي على والدة ولاء أحمد، وهي إحدى أولياء أمور طلاب الثانوية العامة، بالرغم من وصفها له بالفرصة الأخيرة أمام أبناءها في محاولة لاسترداد أي درجات ترفع المجموع، مبينة أن عملة التقديم سهلة لكن الرسوم مرتفعة خاصة هذا العام.

يُحبط المجموع أولياء الأمور ويذكرهم بالأموال التي أضحت مهدرة نظير درجات قليلة: «مضطرة أقدم تظلم لابنتي في المواد التي أشك في صحتها لعل وعسى يكون لها درجات ترفع مجموعها».

وعن ارتفاع أسعار التظلمات من ١٠٠ جنيه إلى ٣٠٠ لهذا العام، ترى والدة ولاء أنه سعر مرتفع للغاية خاصة بعد هلاك الأسر من الأعباء المادية طوال العام، لاسيما أن كثير من الطلاب يكون لديهم رغبة في تقديم تظلم لأكثر من مادة، وتكون الرسوم هي العائق أمامهم.

كما تقول: «بعض أولياء الأمور عزفوا هذا العام عن تقديم التظلمات بسبب ارتفاع سعره»، مدللة على ذلك بأنها دفعت ١٥٠٠ جنيه؛ لإجراء تظلم لابنتها في عدد من المواد، وهو عبء مادي قاسي عقب العام الدراسي.

وتطالب والدة ولاء بضرورة تخفيض رسوم التظلمات من أجل إتاحة الفرصة لجميع الطلاب، وليس المقتدرين فقط، فالتظلم بحسب ما ترى هو حق لكل طالب، ولا بد أن يحصل عليه حتى وإن لم يكن قادرًا.

إلى جانب أرباح التظلمات فإن مخصصات وزارة المالية زادت منذ العام 2018 حتى العام 2022 بنسبة 57%، ففي العام  2018 - 2017 بلغت 109.2 مليار، بينما العام 2019 - 2018 بلغت 122.9 مليار، وفي العام 2019 - 2020 بلغ 145.2 مليار، أما العام 2020 - 2021 بلغت 157.2 مليار، وأخيرًا في العام 2021 - 2022 بلغ 172.2 مليار.

انفوجراف الدستور

المصدر: تنقيح بيانات مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي

 

عدم نشر نموذج الإجابات 

لا تعرف نهى عبدالرحمن، إحدى أولياء الأمور، كم تبلغ أرباح التعليم من التظلمات، ولا تعلم شيء أن مخصصاتها المالية سنويًا، كل ما تعرفه أنها دفعت ٦٠٠ جنيهًا نظير التظلم في مادتين من أجل مراجعة إجابات ابنتها طمعًا في بعض الدرجات التي قد تكون سقطت سهوًا أثناء التصحيح الإلكتروني.

في تلك اللحظة تتابع نهى عن كثب موقع وزارة التربية والتعليم، في انتظار اللحظة الفارقة التي سيظهر فيها تظلم ابنتها على أمل أن لا تذهب تلك الأموال سدى دون أن يكون هناك درجات إضافية لها تعتبر طوق نجاة يرفع المجموع.

وتقول: «كان من الأفضل نشر نموذج الإجابات بعد ظهور النتيجة، حتى يقارن كل طالب إجابته بالنموذج ثم يقرر إذا كان يستحق التظلم أم لا توفيرًا بنفقات أولياء الأمور على التظلمات».

ما زاد الأمر سوءًا بحسب نهى هو غلاء أسعار التظلمات لهذا العام والتي منعتها من تقديم تظلم في أكثر من مادة، إلا أنها تأمل في الوقت الحالي أن يكون لابنتها درجات بسبب شكوكها في أنها تستحق ذلك.