رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«أولها في باريس».. عبد المنعم رمضان: هذه تفاصيل لقاءاتي بمحمود درويش

محمود درويش
محمود درويش

تحدث الشاعر عبد المنعم رمضان عن تفاصيل لقاءاته بالشاعر محمود درويش، وكيف التقاه أول مرة في باريس وكيف كان من الممكن أن تحدث ازمة لكن درويش احتواها.

يقول الشاعر عبد المنعم رمضان: “أذكر أنني عرفت محمود درويش شعريا أيام كنت طالبا بالجامعة، كنا مفتونين جميعا بغنائيته التي دعمها رجاء النقاش بكتابه عنه، شاعر الأرض المحتلة، أي أنني عرفته شعريا قبل أن أعرفه شخصيا، لا أنكر أن ماساءني من ارتباط اسم الشاعر أحمد حجازي بجمال عبد الناصر، ساءني ثانية بارتباط اسم محمود درويش بياسر عرفات، كلاهما بحث عن بطل، عموما عرفت محمود درويش شعريا قبل أن أعرفه شخصيا، أيامها كانت نجوميته تشع عبر قضيته وشعره، فيما بعد سيعتدل الترتيب وتصبح نجوميته عبر شعره وقضيته”.

ويضيف في تصريح خاص لـ"الدستور": “أيامها كنت واحدا من جيل غاضب وصاخب بأصواته وإضاءته، أذكر أننا كنا نحب ان نردد قصائده سهلة الحفظ بسبب موسيقاها العالية وقرب مأتاها، بين ريتا وعيوني بندقية، سجل انا عربي، أيامها أيضا كانت خريطة الشعر العربي مسكونة برؤوس لا تريد ان تتزحزح، رؤوس كلها، نعم كلها، تزعم لنفسها فقط حق الريادة والزعامة والرئاسة، ولذا رأينا، ومبكرا ،أن محمود درويش هو أقرب الشعراء الفلسطينين الثلاثة، درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، الرابع راشد حسين مات مبكرا، لذا رأينا درويش الأقرب إلى احتلال كرسي الشاعر الفلسطيني الأول، ولما  احتله سعى للجلوس على كرسي شاعر العرب المشروط أحيانا بعثور الشاعر على الزعيم الذي يخصه، سيف الدولة الذي يخصه، آنذاك اقترب درويش من ياسر عرفات، فأصبحت مكانته إحدى المحميات، ومع ذلك أحببناه”.

ويكمل: "عموما في أوائل التسعينيات، كانت فرنسا تحتفل سنويا بآداب بلد ما تحت مسمى المغتربات الجميلات، ولأنها كانت في أوائل التسعينيات، كما أذكر، قد احتفلت بالأدب العبري في اسرائيل، ووفقا للتوازنات التي ألفناها من النظم الفرنسية، خاصة "الديجولية"، قررت وزارة الثقافة الفرنسية أن تحتفل بالأدب المصري الحديث، كان ذلك ربما أوائل النصف الثاني للتسعينيات، وتمت دعوة اثني عشر أديبا، تسعة روائيين هم ادوار الخراط ولطيفة الزيات وبهاء طاهر وإبراهيم أصلان ومحمد البساطي وجمال الغيطاني وابراهيم عبدالمجيد  ونبيل نعوم المقيم في فرنسا وسلوى بكر فيما أذكر، وثلاثة شعراء أحمد حجازي وعفيفي مطر وعبد المنعم رمضان، وهكذا في باريس أواسط تسعينيات القرن الماضي قابلت محمود درويش للمرة الأولى، فتنتني قدرته على أن يكون وسيما، قدرته على ان يكون صاحب ظل عال، صاحب الظل العالي، كان تعارفنا عابرا هو النجم وأنا أصغر الأدباء المدعوين، ومع ذلك أظنه اخترقني لوهلة بنظراته ثم انصرف عني، الفرنسيون كانوا قد اختاروا  مركز بومبيدو الذي كان أيامها بعيدا عن قلب باريس، بعيدا عن وسط البلد، وكانوا أيضا قد اختاروا للافتتاح قاعة ليست كبيرة ربما لاعتقادهم ان الحضور سيكون محدودا، هذا ما افترضناه نحن المصريين، وكان بروتوكول حفل الافتتاح يبدأ بعرض فيلم يشتمل على لقاءات مع الروائيين التسعة والشعراء الثلاثة، وكنا راضين بما قسم لنا.

ويواصل: “لكننا فوجئنا بسحر مصر وفتنتها ، فوجئنا بفرنسيات وفرنسيين يزيد عددهم على سعة أكبر قاعات مركز بومبيدو، فتأجل الافتتاح ساعة وأكثر حتى تم تجهيز القاعة الأكبر، ماعرفناه بعد ذلك ان محمود درويش كان قد رتب لنفسه أمسية شعرية في قلب باريس وفي التوقيت ذاته، وظن بعضنا ممن يعرفون درويش ان أمسيته مقصود بها إبعاد عرب باريس عن الحفل المصري، بعضنا غضب، ولأنني أصغرهم ولأنني شاعر  فيما أظن كنت الأكثر غضبا، لكنني أذكر أيضا أنه زارنا بعدها، كأنه أتى ليبدد ماظنناه عنه، فيما بعد سأترافع وأدافع أمام نفسي عما فعله درويش إذا كان حقا هو الفاعل، قلت لنفسي: لقد فعل مايجب عليه، لأن التوازن الفرنسي المزعوم كان يقتضي ان يكون الأدب القلسطيني محل الأدب المصري في مواجهة الأدب العبري الإسرائيلي، لكنني لم اتوقف عن لوم درويش، بعد الافتتاح التقينا في باريس، التقينا في هذه الزيارة والتقينا في زيارات أخرى، ثم التقينا في برلين في مؤتمر شعري أعدته الشاعرة العراقية أمل جبوري، كنا عشرة شعراء تقريبا، توزعنا على أمسيتين في يومين متعاقبين، إحداهما، الأصح أولاهما كان على رأسها أدونيس، والثانية على رأسها محمود درويش، وكان الشعراء هم لميعة عباس عمارة وعباس بيضون وأمجد ناصر وامل جبوري  وأنا وآخرون، وضمن البرنامج فقرة ختامية لغناء شعر احد شعراء الأمسية ذاتها، هكذا قام أحدهم بغناء شعر ادونيس في الأمسية الأولى”.

ويتابع: “في اليوم التالي همس أمجد ناصر في أذن درويش بأن الغناء سيكون لبعض قصائد أمل جبوري، ولما كنت  أجلس خلفهما، فوجئت بانتفاضة درويش الذي لم يقرأ بعد، فوجئت بمغادرته، وتأكدت أنه أبدا لن يفارق اسمه، أبدا لن يفارق نجوميته، كان شطر من قلبي يتمنى تعاليه على الصغائر، وكان شطر آخر يحبذ مافعله، كأنني منقسم حوله، أستمتع بشعره، بصفاء شعره، بغنائيته التي أصبحت علامته، بذكائه الخارق والطاغي على من ينحنون أمام فنه، والحارق والقاتل أحيانا لمن يخاصمونه، بهدوئه وبغضبه، كأنه تجسيد لثنائية القوة والضعف، سجل أنا عربي ورقم بطاقتي عشرون ألف”.