رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أهمية أن نتفق على «سكة السلامة»

النقاش حول بيع فيلات الساحل الشمالى ذكّرنى بمسرحية «سكة السلامة» للكاتب الكبير سعدالدين وهبة.. حيث يتوه أتوبيس فى الصحراء فيطلب البعض من السائق أن يتجه يمينًا، بينما يرى آخرون أن يتجه يسارًا!.. ويرى آخرون أن يتقدم للأمام، بينما يرى آخرون أن يرجع للوراء!! وهكذا يضيع الجميع والطريق أيضًا.. نفس الأمر يحدث حاليًا.. البعض مندهش من أن يكون لدينا مشاريع سياحية لطبقة كبار الأثرياء.. أو يرى أن وجود ثروات فى يد البعض مظهر غير صحى يجب محاربته أو القضاء عليه.. وبادئ ذى بدء فإن الثروات الموجودة فى يد الكثيرين تم تكوينها فى عصور سابقة وليس فى عهد الرئيس السيسى، وبالتالى فهى أمر واقع سواء كانت خيرًا أم شرًا، والمعيار هو فى طريقة توظيفها لمصلحة البلاد وأن يؤدى أصحابها ما عليهم من واجبات تجاه الدولة والمجتمع.. وهذه هى الحقيقة الأولى.. أما الحقيقة الثانية فهى أننا فى نظام اقتصادى حر فرضته علينا التغيرات العالمية والظروف الدولية، ومعيار الصحة والصواب فيه أن تتيح الدولة تكافؤ الفرص وتقضى على «رأسمالية المحاسيب» ومليارديرات تسقيع الأراضى وأثرياء الاستيلاء على أراضى الدولة، وأظن أن الدولة المصرية منذ ٢٠١٤ تفعل ذلك وأكثر، وثالث هذه الحقائق أن الدولة نفسها تمارس نوعًا من «رأسمالية الدولة» بعد أن لاحظت أن بعض رءوس الأموال الخاصة لا تتجه لمشاريع التنمية وتنزح الأرباح التى تحققها للخارج ولا تعطى بقدر ما تأخذ.. وبالتالى دخلت بعض جهات الدولة فى الاقتصاد لتوفر من أرباح نشاطها ما يغطى أنشطة مثل التسليح والتدريب والرعاية الاجتماعية وغيرها من أنشطة ملحة وضرورية.. ورابع هذه الحقائق أن الدولة المصرية تطبق نمطًا أقرب لـ«الديمقراطية الاجتماعية» من حيث الالتزام برعاية الفقراء وصرف الدعم المادى لهم ومراعاة حقهم فى السكن والعلاج والتعليم، وليس صحيحًا أنها تمارس «الليبرالية الجديدة أو المتوحشة» كما يدعى بعض الجهلاء وأنصاف المتعلمين من الهاربين فى هذا البلد أو ذاك.. أما إذا تحدثنا عن المشروع نفسه فأقول إننى أفهمه على أنه نوع من تصدير العقار للخارج ونوع من المنافسة مع الشواطئ الأوروبية وهى أقل جمالًا من الشواطئ المصرية وأعلى سعرًا.. وأتذكر أن أول تحقيق أجريته فى الصحافة عام ١٩٩٢ كان عن هروب الاستثمارات الخليجية للغرب، وكان مصدر المعلومات الرئيسى فيه العالم الكبير د. جودة عبدالخالق.. الذى أمدنى بدراسة تقول إن استثمارات الخليج فى الغرب وصلت لـ٧٠٠ مليون دولار!! وكان هذا رقمًا كبيرًا بمقاييس ذلك الوقت.. اليوم وبفعل تغيرات السياسة وتوتر العلاقة مع أمريكا تلجأ رءوس الأموال العربية لمصر.. وتشترى فيها العقارات والشركات.. وهو أمر كنا نطالب به منذ عقود طويلة.. وتحققه بمثابة جذب للاستثمار.. لأن هذه الأموال كانت تتجه لمصايف أوروبا والعالم وتشترى فيها.. واليوم يتم تقديم مبانٍ وقرى لا تقل جودة عن نظيرتها فى أوروبا، فلا لوم على من يشترى فيها ولا تثريب.. إننى أذكر أن الشاعر العربى الكبير نزار قبانى كان ينطلق فى السبعينيات والثمانينيات فى هجائيات حادة ضد المال العربى الذى يشترى البيوت فى مدن فرنسية مثل «كان» و«نيس» و«مايوركا» ويتخاذل عن نصرة القضية العربية كما كان يرى الشاعر وقتها.. وما يعنينى هنا أن هذا المال العربى يتجه اليوم للشراء فى مصر، وهو يشترى مبانى بنيت فى مصر بخامات مصرية وعلى أرض مصرية أنا متأكد من أن الدولة تقاضت السعر العادل لها أو دخلت شريكًا مع المستثمرين فيها كما حدث فى مشروعات كثيرة منذ ٢٠١٤ وحتى الآن.. ولا يعرف الكثيرون أن وزارة الإسكان تستخدم هذه الأرباح الكثيرة فى بناء مدن بديلة لسكان العشوائيات وإسكانهم فيها مجانًا.. وبالتالى فإن العبرة هى بطريقة كسب الأغنياء للمال وفيم يستخدم هذا المال.. وحتى إذا افترضنا أن هناك مصريين كثيرين من بين المشترين، وهذا وارد ومتوقع، فإن إقبال هؤلاء على الشراء فى مصر خير من ذهابهم للشراء فى أوروبا وأمريكا كما كان يفعل معظم الأثرياء ورجال الأعمال فى عصر الرئيس مبارك وكما ما زال يفعل بعضهم حتى الآن.. بالعكس.. لا مانع إطلاقًا من أن تجتذب مدن وقرى الساحل زبائن الإسكان الصيفى الفاخر الذين كانوا يشترون فى أوروبا وتركيا وربما فى تل أبيب!! وبعض هؤلاء من أبناء ليبيا الشقيقة الذين يعتبرون الساحل حتى الإسكندرية مجالًا حيويًا لحركتهم.. وبعضهم من أبناء الخليج العربى الذين يجدون سعر الفيلا فى هذه المنطقة الساحرة أرخص بالنسبة لهم هم وليس لنا من سعر الفيلا الشبيهة فى «كابرى» أو «نيس» أو «كان».. فضلًا عن أن العقار فى مصر مخزن قيمة وأداة استثمار أكيدة.. فالمشترى مطمئن أنه ما دامت الشركة صاحبة المشروع تحافظ على صيانته وما دام الوضع السياسى والأمنى مستقرًا فى مصر بإذن الله فقيمة أى عقار ستزيد شأنه شأن أى أصل من الأصول التى ينصح الخبراء بشرائها فى أوقات الأزمة الاقتصادية.. وهكذا سنجد أن الحملات المسعورة على فيسبوك لا تهدف إلا إلى تحويل ما هو إيجابى إلى سلبى، وما هو مؤشر نمو إلى طاقة حقد طبقى، وما يمكن أن يستحق التحية وهو «النظرة التنموية للساحل الشمالى» إلى ما يثير الفرقة بين المصريين على أساس طبقى.. لإشعال مزيد من الصراعات بين المصريين، فى حين أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، لذلك علينا جميعًا أن نلتزم الحذر فالفيسبوك فيه سم قاتل!