رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا للحرب النووية

لا تعني الحرب النووية شيئا سوى الفناء.. الفناء الذي يعيد العالم إلى النقطة الصفرية؛ فكأنه لم يكن من الأصل أو كأنه ما زال في طور البداية (هكذا، بعد أن كان عاش ورسخ وتقدم وصنع معجزات في العلم والتكنولوجيا).. تعني غياب الشمس، حقيقة أو مجازا، ونهاية الإنسان العاجلة بقاذفات السلاح الممنوع أو الآجلة بالمرض الناشئ عن استخدامه أو المحتملة بالجوع والعطش اللذين هما ضمن آثاره..
لا أدري لماذا اخترع الإنسان ذلك السلاح الفظيع بالأساس؟ هل كره الأرض كرها شديدا في لحظة يأس بالغة؟ هل عادى أخاه الإنسان إلى تلك الدرجة القاسية المهينة؟ وكيف سمح لنفسه أن يكون همجيا ومخيفا إلى ذلك الحد الذي لا يمكن تصديقه؟ ..
كان الصحيح ألا ينجرف العالم وراء أطماعه المسعورة، وألا ينساق خلف طموحاته صارخة الجنون، وألا يقدم على صناعة الموت الأكيد مهما يكن الصراع الذي يخوضه مع آخرين.. أتحدث عن العالم المتقدم الذي يملك تكلفة إنتاج العدم، وعن بعض العالم الأدنى الذي لديه استعداد كامل لتعطيل التنمية في محيطه وتسخير اقتصاده وموارده وطاقة بشرييه، جميعا، مع الاقتراض الذي يثقله من الخارج، لخدمة مشروعه العدمي أيضا!
لدى العالم دين وأخلاق طبعا، كم يبدو مهتما بهما وحريصا عليهما، غير أن رغبته في اقتناء القوة النووية الرادعة، ربما أشارت إلى تلاعبه بالدين وبالأخلاق معا؛ فلا الدين، على اختلاف كتبه وتنوعات علومه، يقبل بغير الحياة وسيلة وغاية، ولا الأخلاق، من كل جهة من جهاتها، توافق على إهلاك الحياة وإبادتها..
العالم الرسمي الذي لديه موقف واضح رافض للأسلحة النووية لم يكن على المستوى المطلوب من الرفض والإصرار الكبير عليه؛ فلهذا العالم تعاملات شتى مع الذين يبالغون في تصوراتهم العسكرية المستقبلية، يبالغون في الصعود بالأفكار التشاؤمية إلى أن يصلوا إلى سلمة عالية خطرة لا يمكن الرجوع بعدها إلى الوضع الطبيعي الآمن، له معها تعاملات وإن كانت بسيطة إلا أنها مؤثرة، كان الواجب أن يضغط بمثلها، ضغطا هائلا، باتجاه التخلص من الأخيلة الجبارة  المريبة المريضة؛ بحيث يجري الاكتفاء بالأسلحة التقليدية، مع توخي نشر ثقافة السلام باتساع الأرض، وفض النزاعات الحادثة بين الأطراف المتخاصمة عن طريق التفاوض والقانون والرقابة الدولية الصارمة..
كان الواجب بالمثل ألا تسكت الشعوب سكوتها العجيب الحاصل منذ الأزل؛ فهي المهددة في الصميم وهي الخاسرة في الصميم، وكان يتحتم عليها، حتى في الأوقات الهادئة والأجواء الودودة، أن تصيح صياحا عاليا ضد حائزي أزرار التلاشي.. أصحاب مفاتيح النيران المهولة التي من شأنها حرق الوجود كله.. وكان الواجب ألا ينتهي الصياح إلا بانتهاء موجات التسابق على الفوز بالثمرة المحرمة!
أنا ضد السلاح النووي والحرب النووية، بل ضد كل خاطر شنيع يمحو طمأنينة الكائنات..