رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تفاصيل حيثيات قضية التخابر مع داعش

محكمة
محكمة

أودعت الدائرة الأولى بمحكمة جنايات أمن الدولة العليا برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي، حيثيات الحكم على 8 متهمين في القضية رقم 244 لسنة 2021 جنايات أمن دولة طوارئ مدينة نصر أول، والمقيدة برقم 1260 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، والمعروفة إعلاميا بـ«التخابر مع داعش».

صدر الحكم برئاسة المستشار محمد شيرين فهمي وعضوية المستشارين حسن السايس وحسام الدين فتحي أمين، وحازم محمد عامر عضو النيابة العامة، وبحضور حمدي الشناوي الأمين العام لمأمورية طرة وسكرتارية شنودة فوزي.

وقالت المحكمة في حيثيات حكمها في قضية التخابر مع داعش، إن وقائع هذه الدعوى ووجيزها حسبما استقرت في يقين المحكمة واطمأن إليها وجدانها مستخلصة مما حصلته من مطالعة أوراقها وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة تخلص في أن تنظيماً إرهابياً يسمى داعش ينتهج الفكر المتطرف ويهدف إلى إعادة نظام الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة وذلك من خلال نشر الفوضى وزعزعة الاستقرار في الدول الإسلامية، وتكفير كل حاكم لا يحكم بالشريعة الإسلامية، ويوجب قتاله وقتال السلطات النظامية التي تطبق القوانين الوضعية، وهو ما اقتنع به المتهم معتز توفيق أحمد، وبايع التنظيم وخليفته على السمع والطاعة والتحق بصفوف أحد ولايته المتواجدة بمدينة درعا وتلقى تدريبات عسكرية متقدمة في استراتيجية العمل العسكري، وعقب تأهله شارك ببعض المعارك الدائرة هناك ضد الجيش النظام.

وجاء في الحيثيات أن المتهم معتز توفيق خان وطنه، وتعاون مع التنظيمات الإرهابية، وآثر أن يكون خنجراً موجهاً في ظهر وطنه، باع وطنه وخان ضميره، من أجل تنظيم خاسر وحزب خائب، حضر إلي مصر لاستكمال دراسته وعقب تخرجه من كلية الهندسة تزوج من المتهمة آلاء هارون وأنجب منها طفلة وعمل في مكتب استشارات هندسية، فما كان منه إلا أن قابل المعروف بالخيانة، فأغمض عينيه وأصم أُذنيه وراح يقتفي أثره بين عثرات الطريق وظلمات المصير، وراح يسعى لهدم مصر التي احتضنته، لإشاعة الفوضى فيها والإضرار باقتصادها، فتحرك لتنفيذ عمليـة إرهابية تـستهدف القاعدة البحرية بميناء "رأس جرجوب" وحصل على خرائط تفصيلية للقاعـدة البحرية بـصورة سرية من خلال عمله بالشركة وقام بمراقبة الإجراءات وأساليب العمل ونظام الورديات الأمنية والحراسة بالميناء استعداداً لتنفيذ مخططاتهم وتحقيق أهداف التنظيم والقيام بعملية ارهابية تستهدف الميناء العسكري بما يؤثر على الأمن القومي المصري، كما قام بالتخطيط والتنسيق لتنفيذ عمليتين إرهابيتين خلال شهر أغسطس ٢٠١٨ باستهداف محطتي قطار رمسيس - سيدي جابر باستخدام الحقائب كساتر يتم بداخلها إخفاء المواد المتفجرة من مادة TNT.

ثم سعى المتهم معتز توفيق للاتصال بالجماعات الإرهابية القابعة بسيناء والتواصل مع من يعملون لمصلحتها ليشاركهم جرائمهم الإرهابية تحت مسمى الجهاد، فاتصل بالمتهم مهدي صالح الحريري "حركي أبو إيليا" وآخرَين مجهولَين (محمد الرحال، يحيى الجسري) وهم من أعضاء جماعة داعش الإرهابية بسوريا وطلب منه أن يساعده في التواصل مع أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية - ولاية سيناء - الإرهابي، وبالفعل مكنه من التواصل مع المتهم الثاني عمرو يحيى عبد السميع إسماعيل إبراهيم "حركي دودج وضاضا" على برنامج التليجرام، وهو من قيادات تنظيم داعش الإرهابي بسيناء، وأخبره برغبته في مساعدة التنظيم بإرسال الأموال وبعض البيانات الهامة، وقام بتجهيز مبلغ عشرة آلاف جنيه وذاكرة تخزين (فلاش ميموري) بها صور لميناء رأس جرجوب البحري العسكري ورسومات تفصيلية لموقعه، وتواصل مع أحد عضوات تنظيم الدولة الإسلامية من خلال برنامج التليجرام بواسطة زوجته آلاء إبراهيم حسن هارون (المتهمة السادسة)، وتقابل معها بمحطة رمسيس بالقاهرة وأعطاها مبلغ عشرة آلاف جنيه وذاكرة التخزين لتوصيلهم لتنظيم الدولة الإسلامية بسيناء، وتقابلا مرة ثانية بمنزله بالإسكندرية هو وزوجته آلاء إبراهيم، وشرح لها تفاصيل العمليات التي يخطط لها باستهداف ميناء رأس جرجوب البحري العسكري ومحطتي قطار رمسيس وسيدي جابر، من خلال ثغرة موجودة بمحطات قطار الإسكندرية، ثم استرجعهما منها، ثم أرسل له عمرو عبد السميع (المتهم الثاني) خضر دوجييف (المتهم الخامس) الذي تقابل معه بمدينة نصر بالقاهرة وتسلمهما منه.

وأقر المتهم معتز توفيق "حركي أبو خالد الشامي، أبو خالد الجبلاوي" بأنه تم تأهيله فكرياً وعقائدياً بأفكار تنظيم داعش القائمة على تكفير الحاكم ومعاونيه من السلطات ووجوب قتالهم واستباحة دماء المسيحيين واستحلال أموالهم وتطبيق الشريعة الإسلامية، وتواصل مع قيادي التنظيم بسيناء يدعي الحركي ضاضا (DADA) عبر التلى جرام عقب جمع معلومات عن ميناء رأس جرجوب البحري بمرسي مطروح ومخطط استهداف محطتي قطار سيدي جابر ورمسيس وتوفيره أموالا لدعم التنظيم، وكلفه قيادي التنظيم بسيناء ضاضا بتسليم المعلومات والأموال لشخص بمدينة نصر بالقاهرة.

وقررت المتهمة آلاء إبراهيم حسن هارون، أن زوجها معتز مقتنع بفكر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومؤيد لها، وحاول أن يقنعها بفكر التنظيم وأن تسافر معه لولاية سيناء التابعة للتنظيم لاقتناعه أن الجهاد معهم ثواب وأن قتال الجيش والشرطة والقضاء واجب، وكان يري أنه يجب مساعدة ولاية سيناء في مصر بأي شكل من المساعدات أو تنفيذ العمليات الجهادية باسمها ولصالحها، وفي شهر أغسطس عام 2018 سافر إلي القاهرة وتقابل مع منى الزملوط وأعطاها مبلغ عشرة آلاف جنيه وذاكرة تخزين – فلاش ميموري – عليها معلومات وتصميمات تخص ميناء حربي بمطروح تحصل عليها من محل عمله بمكتب استشارات هندسية، وأخبرها أنه يتم الإعداد لعملية تنفذ ضد ذلك الميناء ويصدر بها بيان من ولاية سيناء، وأنه يرغب في تفجير محطة قطار سيدي جابر ومحطة قطار القاهرة للتأثير على السياحة الخارجية وانهيار الاقتصاد، لكون النظام الحاكم بمصر المتمثل في الحكومة من الطواغيت، وأنه يجب تطبيق الشريعة الإسلامية وانهيار تلك المؤسسات الكفرية.

وأضافت الحيثيات، حيث إن وقائع الدعوي على نحو ما سلف قد قام الدليل على صحتها وثبوتها في حق المتهمين من واقع ما اعترف به المتهم معتز توفيق مرون "حركي أبو خالد الشامي، أبو خالد الجبلاوي"، وما قررته المتهمة آلاء إبراهيم حسن هارون، وما حوته تقارير هيئة الأمن القومي. 

وحيث إن المحكمة تطمئن الى ما أقر به المتهمين معتز توفيق مرون أحمد، ومحمد عبد الله محمد بالتحقيقات ولتحريات الأمن القومي وتعول عليهم في قضائها وتستخلص منهم قيام المتهمين معتز توفيق، وعمرو يحي عبد السميع، ومهدي صالح الحريري، وخضر دوجييف، والاء إبراهيم حسن هارون باستخدام موقعاً على شبكة المعلومات الدولية لتبادل الرسائل وإصدار التكليفات بين منتمين الى جماعة إرهابية وهي جماعة داعش الإرهابية التي تدعو إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي وتهدف لتغيير نظام الحكم بالقوة والاعتداء على أفراد ومنشآت القوات المسلحة والشرطة والقضاء والمنشآت العامة بالأموال والمعلومات مع علمهم بأغراضها وما تدعو إليه، الأمر الذي تكون معه الجريمة ثابته في حقهم.

 

وحيث إن المحكمة ترى من استقراء الأوراق أن الواقعة في نطاق ما استخلصته على النحو سالف البيان ثابتة قبل المتهمين ثبوتًا كافيًا لإدانتهم إذ تطمئن إلى اعترافات المتهم معتز توفيق مرون أحمد، وما قرره كل من المتهمين آلاء إبراهيم حسن، ومحمد عبد الله وما ورد بالتقارير الفنية، ويرتاح وجدانها إلى الأخذ بها سندًا للإدانة وتعتبر أن اقتناعها بأدلة الإثبات المار بيانها رفضًا منها لما أثاره دفاع المتهمين من اعتبارات وأوجه دفاع موضوعية قصد بها التشكيك في تلك الأدلة لحمل المحكمة على عدم الأخذ بها، ولا تعول على إنكار المتهمين أمامها بحسبان أن تلك هي وسيلتهما في الدفاع لدرء الاتهام بغية الإفلات من العقاب. 

وحيث أن القانون أوجب في الفقرة الثانية من المادة (32)عقوبات اعتبار الجرائم المرتبطة ارتباطًا لا يقبل التجزئة كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم، وجعل مناط تطبيقها أن تكون تلك الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع، وإذ كانت الجرائم التي ارتكبها المتهم، وارتبطت ببعضها ارتباطًا لا يقبل التجزئة مما يوجب اعتباره مجريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدها إعمالا للمادة 32/2 من قانون العقوبات وهي جريمة التمويل لجماعة إرهابية ولعمل إرهابي.

 

وحيث إنه لما كان القانون يحدد العقوبات المعبرة عن التجريم ودرجته ثم يترك للقضاء مهمة التطبيق، فإن المحكمة عندما تحكم بالإدانة وتنطق بالعقوبة يجب أن تراعي تفريدها، لتحقيق أهداف العقوبة وضمان فاعليتها، والمحكمة عندما تمارس اختيارها للعقوبة تجري ذلك بصورة تفريدية تتلاءم مع شخصية المجرم لأنها تحاكمه بسبب الجريمة ولا تحاكم الجريمة نفسها، فالتفريد الذي يباشره القاضي لا ينفصل عن المفاهيم المعاصرة للسياسة الجنائية ويتصل بالتطبيق المباشر لعقوبة فرضها المشرع بصورة مجردة شأنها في ذلك شأن القواعد القانونية جميعاً، وأن إنزالها بنصها على الواقعة الإجرامية ينافي ملاءمتها لكل أحوالها ومتغيراتها وملابساتها، لأن سلطة تفريد العقوبة هي التي تخرجها من قوالبها الصماء وتردها إلى جزاء يعايش الجريمة ومرتكبها ويتصل بها اتصال قرار، ومن ثم فإنه إعمالاً لهذه السياسة العقابية ترى المحكمة في أحوال المتهمين والجريمة المنسوبة إليهما يجعلها تأخذهم بقسط من الرأفة عملاً بنص المادة 17 من قانون العقوبات وتنزل بالعقوبة على النحو الوارد بمنطوق هذا الحكم.

 

وحيث إنه من المقرر أن القاضي يحكم في الدعوى حسب العقيدة التي تكونت لديه بكامل حريته، ذلك أن أهم ما يقوم عليه الإثبات الجنائي هو ضرورة وصول القاضي إلى اليقين للحكم بإدانة المتهم، فإذا لم يصل القاضي إلى هذا اليقين تعين عليه أن يحكم بالبراءة، واليقين المطلوب ليس اليقين الشخصي للقاضي فحسب، وإنما هو اليقين القضائي الذي يمكن أن يصل إليه الكافة ويكون متفقاً مع العقل والمنطق، واليقين القضائي يقوم على عنصرين أحدهما شخصي والآخر موضوعي، أما العنصر الشخصي فيتمثل في ارتياح ضمير القاضي للإدانة، والعنصر الموضوعي يعني أن يكون الدليل الذي أقنع القاضي هو أفضل دليل ممكن للبرهنة على ثبوت الواقعة، فيقتنع به أي إنسان يتوفر لديه العقل والمنطق.

 

لما كان ذلك، وكانت الأوراق قد جاءت خالية من أي دليل لإدانة المتهمين في هذه الجرائم، فقد خلت التحقيقات من ثمة دليل صحيح يمكن معه نسبة تلك التهم للمتهمين من شهادة شاهد رؤية أو إقرار من أي من المتهمين بارتكاب تلك الجرائم، وكان مبنى تلك الاتهامات هى تحريات الأمن القومي والتي لا تصلح بذاتها قرينة معينة أو دليلاً أساسياً على ثبوت التهمة، فلا يجوز للمحكمة أن تجعل أساس اقتناعها رأي مجري التحريات بدون أية شواهد أو قرائن تؤدي بطريق اللزوم إلى ثبوت مقارفة المتهم للجريمة، الأمر الذي يتعين معه القضاء ببراءة المتهمين من تلك التهم عملاً بالمادة 304/1 من قانون الإجراءات الجنائية.

 

إن خيانة الوطن وإن كانت قبيحة في حد ذاتها، فإنها تزداد قبحاً وفجوراً حينما يكون الوطن الذي يسيء إليه المسيؤون هو البلد الذي استقبلهم في وقت رفَضَهم فيه الآخرون..وضرب أروع الأمثلة في احتضانهم والإحسان إليهم. 

 

ما أقبح جرم أولئك الذين يسيؤون إلى مصرنا، التي أحسنت استقبالهم في محنتهم، والحقتهم بمعاهد العلم، ووفرت لهم فرص للعمل، وأغدقت عليهم النعم، ووفرت لهم سبل العيش الكريم، ولم تبخل عليهم بشيء، فقابلوا الإحسان بالإساءة، والجميل بالنكران، وعضوا على اليد التي أحسنت إليهم بأنياب الغدر والخيانة، وآثروا العقوق، وتمادوا في ذلك أشد التماد

 

أما أن يُحسن الناس إلى أحدهم فلا يجدون منه إلا نكراناً، فهذا دليل على خِسَّة النفس؛ إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل، أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردًا، الغدر شيمة الحقراء، والخيانة أخلاق الجبناء الأخساء، سقط النقاب عن الوجوه الغادرة، وحقيقة الشيطان باتت سافرة.

 

فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بمعاقبة معتز توفيق وعمرو يحيي ومهدي الحريري وخضر دوجييف بالسجن المؤبد عما أسند إليهم، ومعاقبة المتهمة آلاء هارون بالسجن المشدد 3 سنوات، وبراءة كلا من علي بن عيسى ومحمد عبدالله باغي ومحمد أبو بكر.