رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أين كنت يوم خطاب تنحي «عبد الناصر»؟  كتاب ونقاد يجيبون

ذكرى خطاب التنحي
ذكرى خطاب التنحي

تحل اليوم ذكرى أشهر خطابات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر المعروف بخطاب التتنحي، والذي جاء في 9 يونيو 1967.

ويعد الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل الشاهد الأول على خطاب التنحي ، كونه كاتبه ويقول عنه: أرهقتني سطورُه أكثر من أي شيء آخر كتبته من قبل، وظننت أنني حفظت العبارات والألفاظ من كثرة ما راجعتها وغيَّرت فيها وبدلت".  خطاب التنحي كان محرضا وسببا رئيسفي اندفاع جموع المصريين  للخروج في مظاهرات مطالبة الرئيس جمال عبد الناصر مواصلة المشوار وتحمل المسؤلية كاملة بمواصلة مسيرته. عن خطاب التنحي وذكراه واين كان المثقفين المصريين وذكراه بالنسبه لهم في التقرير التالي :

 

 قال صاحب نوبل نجيب محفوظ: كان يوم تنحي عبد الناصر عن الحكم من الأيام التي لا انساها في حياتي ، كنت أجلس في مقهى “ريش” عندما أعلن عبد الرئيس الراحل بيانه الشهير، لقد كنت قبل البيان بلحظات أنتظر أمل ولو كاذبا، ينقذني من الحالة التي كنت أعيش فيها ، وكان عبد الناصر هو زمز الأمل في حياة جيلنا ، وهو الزعيم الذي تعودنا أن نصل منه على الأمل، ولما اذيع البيان تأكدت أننا وصلنا إلى القاع ، ومع ذلك ثرت على فكرة التنحي ورفضتها .. وكنت مثل المصريين أشبه بمن أعطى توكيلا لمحام كي يترافع عنه في قضية مصيرية ، ومع التوكيل أعطاه كل أرواق القضية ، وقبل وأقر بحريه المحامي في التصرف حسبما يري .. وفي لحظة خسر المحامي القضية  وأعلن تخليه عن الاستمرار فيها .. وهنا لايكون أمام صاحب القضية سوى خيار واحد وهو أن يتمسك بمحاميه مهما كانت الظروف ، لأنه لايعرف شيئا عن تفاصيلها وارواقها وملفها كله ، ويطلب من محاميه الاستئناف والاستمرار عنه . ولذلك خرجت جموع الشعب يعلن رفضها لقكرة تنحي عبد لناصر عن السلطة ، وتمسكت به ، لأنه كان المحامي الذي يملك كل أرواق القضية .

 

 

وتحدث الكاتب سيد كراوية للدستور قائلا:"هذه أحداث من موقع مدينة بورسعيد حيث أن الأوضاع لم تكن مفاجئة، فكنا نرى من يوم 7 يونيو الجنود بأسلحتهم الفردية هاربين في الشوارع ، ومن بعد ذلك كنا نذهب لالتقاطهم من على شط القناة ، يعنى أخبار الهزيمة وماصاحبها من وجوم واكتئاب كانت مسيطرة من قبل الخطاب ، وما كنا ننتظره فعلا كيف سيعلن عبد الناصر ذلك وما سيتخذ من اجراءات . 

وأشار كراوية "وقتها كنا محموعة من الشباب طلبة ثانوى حسمنا موقفنا من قبل سنين بكتير من نظام عبد الناصر ، وكنا من معارضيه بتأثيرات الأدب والفن ، وتأثير أن تناقضات النظام وأزماته كانت قد بدأت في الظهور والوضوح في الشارع . فلم نكن ناصريين مغدورين .

وتابع: "أظن السؤال حول ردود الفعل بعد خطاب التنحى . كنت وحيدا في المدينة لأن أهلى غادروا ورفضت المغادرة معهم . وكنا نفس المجموعة المنشقة نستمع للخطاب ، والحقيقة لأول مرة في عمرنا كنا صامتين ، وعندما وصل لاستعداده لتحمل المسئولية ( ياله من كرم ) طرطقنا أذاننا مع شتيمة متفرقة ، رغم أن ظهوره حزينا مكسورا كان قد كسب تعاطفنا معه شخصيا . وعند ذكر اسم زكريا محيى الدين كان انطباعنا أنه يفسح مكانا للتفاهم مع الأمريكان الذين وقتها كنا نعتبرهم المسئولين الأساسيين عما لحق بنا . وقمنا بلا أي كلام بالخروج من البيت الى الشارع بدون أي خطة ، وجدنا افراد يسيرون في اتجاه مبنى المحافظة ، ولما وصلنا بقوة الدفع الذاتي وجدنا مئات الناس باكيين وصارخين ، وكثير من الصراخ الديماجوجى ، حول الهتاف برجوع عبد الناصر ، وصوت خافت لاتتنحى ، وبعد أن وقف أمين الاتحاد الاشتراكى يطمئنا أنه وأعضاء الاتحاد سيذهبون في الصباح للقاهرة لإعلان رفض بورسعيد للتنحى ، بدأت الجموع تتحرك ناحية مبنيين القنصلية الإنجليزية والأمريكية ، وتم حرق الأمريكية حتى آخرها ، والإنجليزية لأنها كانت وسط حى سكنى ، ولصقها مبنى حسابات هيئة قناة السويس فكانت خسائرها أقل ولكن تم تدمير كل مايمكن تدميره فيها .

واستطرد: "كان الموقف العفوى ضرورة استمرار عبد الناصر وبشكلعاطفى من المجموع حيث أن " البطل " يجب أن لاينكسر أمام شوية يهود ولاد ..... ، لكنا رغم اتفاقنا مع المطلب من حيث الأساس كان موقفنا أنه لا يوجد أي أختيار آخر ممكن ، فهيمنة النظام الكاملة والمنفردة كانت قائمة ، وبحكم أنها كانت قد قضت بشكل تام على أي بديل ، وعلى أي قوى سياسية ، وعلى السياسة ذاتها عموما. النقد المتحذلق حول خطأ هذا الموقف الذى يعلنه كثيرون الآن موقف عدمى لايستوعب شكل المجتمع والسلطة والقوى السياسية ولاجتماعية لحظتها ... أرجو أن يكون هذا كافيا ومفيدا .

من جانبه، يقول الناقد يسري عبد الغني: "ما حدث في 5 ـ 6 يونيو 1967 كان مؤامرة واضحة أثبتها التاريخ بأدلة قاطعة أو قل مواصلة لسلسلة المؤامرات ضد مصر والأمة العربية منذ التأمر على محمد علي ومحاولة تحجيمه ثم الخديوي إسماعيل ومحاولة تركيعه .

وتابع: "يوم تنحي الرئيس الراحل  جمال عبد الناصر كنت في الصف الثالث الإعدادي وقد أعطونا إجازة من الامتحانات، استمعت إلى خطاب التنحي في منزلنا بحي الحلمية الجديدة، وسط أسرتي المعجونة بالثقافة والسياسة وعشق عبد الناصر .

واستطرد: "فور خطاب التنحي الذي أكد على شجاعة هذا الرجل ونبله في تحمل المسئولية ، انطلقنا أطفالاً وشبابًا وشيوخًا إلى الشوارع نطالبه بأن يستمر معنا من أجل تحرير أرضنا السليبة .. انطلقنا حبًا في مصر لم يحركنا اتحاد اشتراكي أو غيره كما زعم البعض .

 نحن جيل لم يعرف سوى الحب والوطنية وعشق ناصر الذي سيظل أيقونة مصرية خالدة على صدر مصر الأصيلة المعطاءة 

نعم ، عبد الناصر له ضلع في مسئولية نكسة يونيو ، لأنه أعطى الثقة لمن لا يستحق ، مما سهل حبك خيوط المؤامرة ضدنا ، ولكنه بدأ الاستعداد لتحرير الأرض في اليوم الثالث للهزيمة ، وما أذقناه للكيان الصهيوني في حرب الاستنزاف ، وما تلاها من عبور وتحرير الأرض أكبر دليل.