رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وداعًا «ديزنى».. واحة المثليين الجديدة

قبل عدة أسابيع كنت أرتب مع ابنتى لمشاهدة فيلم جديد فى السينما، وكالعادة فإننى أترك لها حرية اختيار الفيلم، بينما أكتفى باختيار المكان، حسب الميزانية، ويومها كان الاتفاق أن نصطحب أخاها الأصغر معنا، فقالت لى: «إن هناك فيلمًا جديدًا لديزنى ممكن نروحه، وح يبقى مناسب ليحيى كمان.. أفلام ديزنى مضمونة لأنها أفلام عائلية، تناسب جميع الأعمار»، ورغم أننى من نوعية الجمهور الذى يذهب إلى السينما تبعًا لاسم النجم أو أبطال الفيلم، أو المخرج، أو كاتب السيناريو، أو العمل الأدبى المأخوذ عنه، لكننى يومها وافقت تمامًا على اقتراحها، خصوصًا مع حماس يحيى للذهاب معنا.

وقتها لم يكن حماس الشركة الهوليوودية العملاقة للمثليين جنسيًا يزيد على بعض الأمور الداخلية التى تخص عددًا من موظفيها، وعلاقاتهم ببعضهم البعض، ولا يزيد على تنظيم حفل غير رسمى فى أحد استديوهاتها بولاية فلوريدا الأمريكية، أو لآخر رسمى فى أحد الاستديوهات التابعة لها فى العاصمة الفرنسية باريس. 

وكلها كانت بالنسبة لى أمورًا شخصية تخص علاقة موظفى، أو مديرى الشركة بأجسادهم، ولا شأن لى أو لأطفالى بها.. أما الآن فقد اختلف الأمر تمامًا، وبدأت الشركة فى الإعلان عن رغبتها فى الترويج للمثلية الجنسية من خلال السينما، منتجها الأكثر شعبية فى العالم، والمعروفة بأنها موجهة بالأساس للأطفال دون العشر سنوات، ما أدى إلى موجة من المنع وطلبات الحذف لكثير من المشاهد المدسوسة فى الأفلام فى الكثير من الدول حول العالم.. كانت الشركة تستجيب فى بعض الأحيان، وتمتنع فى أحيان أخرى، والمتوقع حاليًا أن تلغى الشركة عرض عدد كبير من أفلامها المقبلة فى الدول العربية، وغير العربية على حدٍ سواء.. خصوصًا سلسلة أفلام «مارفل» للأبطال الخارقين، وأفلام «بيكسار» بسبب مشاهد المثلية الجنسية، التى تصر «ديزنى» على إضافتها فى أعمالها، ما أدى إلى منع عرض فيلم «دكتور سترينج ٢» على سبيل المثال فى مصر والسعودية وقطر والكويت، والصين وروسيا وماليزيا، وحملات لمقاطعة إنتاجها فى ولايتى كاليفورنيا ونورث كارولينا الأمريكيتين، وخصوصًا مع حالة التخبط التى وقعت فيها إدارة الشركة فى التعامل مع فيلم «لايت يير» المقرر عرضه هذا الشهر، الذى تضمن إعلانه الترويجى مشهدًا لقبلة بين شخصين مثليين، وتم حذف المشهد بعد اعتراض الجمهور فى كثير من الولايات الأمريكية والدول العربية والغربية، لكن الشركة سريعًا ما تراجعت عن الحذف بعد الضجة والاعتراضات التى آثارها المثليون ضدها.

ومؤخرًا تابعت أنباء عن تعهد كيرى بورك، رئيسة المحتوى الترفيهى للشركة فى مداخلة تليفزيونية نشرت محتواها صحيفة «نيويورك بوست»، وقالت خلالها إنها تتعهد بإنتاج المزيد من الشخصيات الكرتونية، التى تدعم المثلية، مضيفة «إن المجتمع المثلى والأقليات العرقية يعانون من تمثيل ناقص، لذا تعمل الشركة على إنتاج نحو ٥٠٪ من الشخصيات الكرتونية الداعمة لهم حتى نهاية العام الجارى».

ولعله من المناسب هنا أن أذكر أن موقع «موفى بايلوت» المتخصص فى صناعة السينما، الذى تأسس فى برلين عام ٢٠٠٧، وانتقل إلى كاليفورنيا فى ٢٠١٤، ويقدم خدمات استشارية لاستديوهات الأفلام باستخدام نموذج النشر المفتوح للقراء، وتصل مشاهداته إلى أكثر من ٧ ملايين مشاهدة شهرية، نشر مؤخرًا تقريرًا حول ممارسات ديزنى تلك، وجاء فيه: «هناك رسائل جنسية خفية بأفلام ديزنى، على الرغم من أنها أفلام موجهة للأطفال.. إن شركة ديزنى تعتمد فى أرباحها على أن الأطفال غافلون تمامًا عن الإيحاءات الجنسية التى تدسها فى أفلامها، تلك التى يمكن اعتبارها مؤامرة لغسل أدمغة الأطفال من خلال رسائل جنسية مموهة».

والحقيقة أننى ربما أفهم أن يأتى ظهور شخصية «أو شخصيات» بتوجهات أو ميول مخالفة، وفقًا لظروف العمل، سواء كانت تلك الشخصية «غير متدينة، مريضة، أو غير سوية، متطرفة فى مثاليتها.. مرتبكة، أو ذات احتياجات خاصة، أو أيًا كانت ظروفها وحياتها»، ربما أفهم أن تظهر مثل هذه الشخصيات فى عمل فنى، أو تكون هى محوره كاملًا، وفقًا لظروف العمل، لقصته، لحبكته، لرؤية مخرجه ومؤلفه وصناعه، لكن أن يكون هناك تعهد علنى، واضح جدًا، وصريح جدًا، بترويج نموذج بعينه، أو شكل من أشكال الحياة التى يختلف فيها وعليها البشر عمومًا، وبمثل هذه النسبة الكبيرة التى تتحدث عنها رئيسة المحتوى الترفيهى فى شركة ديزنى، فهذا ليس من أمور الفن فى أى شىء، ولا علاقة له بصناعة الترفيه، لا هو من السينما، أو المسرح، أو الكتابة، أو أى شىء آخر، لا شىء على الإطلاق سوى التصريح بأنها بالفعل حملات موجهة مع سبق الإصرار.

والحقيقة إننى على المستوى الشخصى، لا أعرف الآن ماذا أفعل إن أردت أن أصطحب أطفالى لمشاهدة فيلم جديد لم أشاهده من قبل؟ ولا أين يمكن لأفراد أسرة بينهم أطفال أن يشاهدوا فيلمًا دون منغصات، أو دون تحفظات، أو شرح تال للفيلم، أو قرف، أو وجع دماغ.

ربما كنت لا أحب الرقابة على الفن أيًا كانت مسوغاتها أو أسبابها، ولا أوافق على المنع، ولا الحذف، لكننى أيضًا لا أحب أن أكون شريكًا مباشرًا فى تسريب حملات موجهة، متعمدة، ضد أطفالى، وهذا هو بالضبط ما تتحدث عنه «ديزنى» و«بيكسار» و«مارفل» بمنتهى الصراحة والوضوح..

عزيزتى ملك، عزيزى يحيى.. بلاها «ديزنى» وبلاءها.