رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شارك هند رستم بطولة فيلم "الحلوة عزيزة"

لماذا خشى عبده جبير من إهداء كتابه الأول إلي نجيب سرور؟

نجيب سرور
نجيب سرور

تحل اليوم الذكرى التسعين لميلاد الكاتب المسرحي الشاعر نجيب سرور، والذي تختلط في مسيرة حياته القصيرة، الأمراض النفسية، بالخيانة والخذلان، ومن ثم الرحيل المفجع. شارك النجمة هند رستم في بطولة فيلم “الحلوة عزيزة”، وعرض ولديه للبيع على مسمع ومرأى من الجميع بميدان التحرير، وأودع مستشفي الأمراض العقلية، وعانى من الفقر والجوع والحرمان، لينتهي مشردا في الشوارع بملابس ممزقة.

وإن كان أوضح ما يرسم صورة الشاعر والكاتب المسرحي نجيب سرور هو ما خطه بقله في قصيدته “لزوم ما يلزم”، والتي يقول في مطلعها: قد آن ياكيخوت للقلب الجريح أن يستريح/ فاحفر هنا قبراً ونم/ وانقش على الصخر الأصم: "يا نابشا قبرى حنانك، ها هنا قلبٌ ينام، لا فرق من عامٍ ينامُ وألف عام، هذى العظام حصاد أيامى فرفقاً بالعظام. أنا لست أُحسب بين فرسان الزمان.. إن عد فرسان الزمان.. لكن قلبى كان دوماً قلب فارس.. كره المنافق والجبان.. مقدار ما عشق الحقيقة.

هكذا رأى نجيب محفوظ نجيب سرور 

كتب أديب نوبل العالمي "نجيب محفوظ" في مقال له نشر بمجلة الكواكب، عن نجيب سرور قال فيه: "سمعت أول ما سمعت به من قصائده المتباعدة، التي كان ينشرها في المجلات الأدبية في منتصف الخمسينيات٬ وكانت جرأته الفنية وصراحته في التعبير عن مشاعره، مما يلفت الانتباه في ذلك الوقت٬ وتحدث عنه أحد الأصدقاء من النقاد باعتباره موهبة كبيرة، تبشر بثورة في حياتنا الفنية، وما لبثت أن إلتقيت به في أوائل 1957.

ويتابع محفوظ: أنه يظن أن الجميع يتآمرون ضده٬ والحق إنه على طيبته لا يخلو من لوثة. وأطلعني على جانب من ماضيه المجهول٬ فقص على قصة أبيه وتصرفاته الغريبة٬ وأنه كان يقسو عليه بعنف قد يصل إلي ضربه وإجباره على القراءة، وحفظ الشعر القديم ليصبح أديبا عظيما. فازداد اهتمامي بهذا الشاب الموهوب الذي بدا لي أن حياته لن تخلو من متاعب. وسرعان ما تأكد ظني عندما ترامي لأسماعنا ما فعله في الاتحاد السوفيتي٬ فقد قيل إنه استغل فرصة انعقاد أحد المؤتمرات التضامنية وقفز إلى المنصة واستولى عليها".

كان نجمه قد بدأ يلمع بشكل واضح٬ حتى بدا وقتها أنه يسيطر على المسرح والإذاعة والتليفزيون، وكان غزير الانتاج بشكل مدهش٬ مع الالتزام بجودة هذا الإنتاج٬ لكنه كان كثير الصدام بشكل استعراضي".

يستمر محفوظ حتى يصل للقائه بــ نجيب سرور خلال إحدى السهرات الفنية: "وما لبث أن إنفرد بي أنا وصديقين آخرين٬ يستشيرنا في رغبته بالزواج من إحدى الممثلات الشابات في ذلك الوقت٬ وتعجبت لاختياره فقد كنت أعرفها، وأعرف طريقة تفكيرها وسلوكها وملابسها٬ فضلا عن نظرة عينيها الساخنتين الجريئتين واستجابتهما الدائمة المثيرة للقلق٬ وهو كما عرفته محدود التجارب العاطفية فضلا عن أخلاقه الريفية٬ والتي لم يكن يبدو أنه بوسعه تغييرها. فكرت أنه يجدر بي أن أنبهه لشيئ من ماضي الفتاة٬ ومعرفتي السابقة بها ربما يجهله٬ ثم آثرت الصمت شاعرا أن سفينته تتحرك نحو طريقها المحتوم".

حكايات نجيب سرور على مقهي ريش

وبدوره يقول الكاتب الروائي “عبده جبير”، عن ذكرياته مع نجيب سرور ولقائهما الأول: “كنت ذاهبا إلي ريش، ومعي عدة نسخ من كتابي الأول ”فارس علي حصان من الخشب” الذي كان قد صدر للتو، وما أن هللت علي مدخل المقهي حتي شاهدت نجيب سرور يمثل مقطعا من “الأميات”، يقف وسط المكان وعبر بيديه وملامحه، بصوته وهيئته الخلابة، بجسد كله بالأحري، وبدلا من أن يضحك السامعون المشاهدون (ففي الأميات كثير من الفكاهة) فإذا بالعيون تترقرق بالدموع، ثم إنه يلتفت إلى صاحب المقهى الذي كان قد استاء من الألفاظ الخارجة، ويشير له بيده (خلاص باقي كلمتين)، وأسمع صاحب المقهي يتمتم: “اللي بيقولوا صحيح، لكن موش كده علي المفتشر”، ويجلس نجيب وهو يرتعش، ويده تنتفض “تعال اقترب مني” يقول، فاقترب وأنا أحس بنوع من الحنان الأبوي، وفعلا هو كان هكذا مع كل الذين من حوله، الذي يحبهم بالطبع، ويعزمني على زجاجة شراب، ثم يحدق في وجهي بقوة ويقول: “دا برضة اسمه كلام؟”، لم أكن أعرف الحقيقة عما يتكلم.

“كده برضة” يعيد، “بقي أشوف كتابك مع شوقي ومتدنيش نسخة”. يا للهول لقد ضبطني متلبسا بجرم كبير، وهو ما فعلته حقا، لم أهده كتابي ”فارس علي حصان من الخشب” الذي كان قد صدر منذ أيام، وكنت قد أهديته لشوقي، والحقيقة أنني كنت خائفا من أن أهديه الكتاب، لأنني كنت أظن أننا من مدرستين مختلفتين في الكتابة. 

هو من النضال المباشر عبر الأدب والفن، مدرسة الواقعية الاشتراكية، محددة الموضوع والهدف. وأنا من مدرسة أخرى، مدرسة تجديد الأدب، مدرسة تجريب الأشكال الجديدة، لكن المفاجأة الكبري أن نجيب سرور أخرج بضعة أوراق من كتاب كان موضوعا على المائدة، ومدها ناحيتي قائلا: “خد إقرا”، فإذا بها مقالته الشهيرة عني، كتبها أثر قراءته لنسخة “شوقي فهيم”، وكان عنوان المقالة: ”فارس علي حصان من الخشب في رسالة ليوسف إدريس".