رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف شرح مجيد طوبيا الحالة داخل الوسط الثقافي وصنف النقاد؟

مجيد طوبيا
مجيد طوبيا

قبل نحو أسبوعين، رحل عن عالمنا الروائي والسيناريست مجيد طوبيا، تاركا ورائه إرث ثقافي كبير، ومن أبرز أعماله "تغريبة بني حتحوت، ريم تصبغ شعرها، وأيقونته السينمائية “أبناء الصمت”.

وكان لـ"طوبيا" آراء نقدية وما يخص الحركة الثقافية والمشتغلين بها، وفي التحقيق الصحفي الذي أجراه كلا من سليمان صالح وكرم ستارة، ونشر في جريدة “صوت الجامعة” بتاريخ 27 مارس من العام 1979 ، وكانت محاور الحوار مع “طوبيا”، تدور حول: من قتل الأدب المصري وأخمد قضاياه؟ ومنع وصول أصوات النقد وحبس إبداعات الشباب وأعمالهم الأدبية المختلفة شعرا ونثرا، وما هو الدور الذي يلعبه الجيل الحالي ــ وقت نشر التحقيق ــ الذي يقود الحياة الأدبية في مصر الآن؟ وقد شارك في التحقيق كونه “أديب شاب” أيضا، الروائي الرحل جمال الغيطاني.

الوسط الثقافي مختل

جيل الستينات موجود وأثبت وجوده وأثر كثيرا في الرواية، ومن الغريب أنه في الدول العربية وفي أدب المستشرقين لهم شهرة أكثر مما لهم في بلدهم والسر في هذا هو الحصار الإعلامي في الصحف اليومية الثلاث ترفض النشر لهم بإصرار شبه مخطط وكذلك المجلات الأسبوعية، والعجيب أن رؤساء التحرير تحولوا إلي روائيين على كبر وبعد أن أصبح رؤساء التحرير حتى في المجلات الأسبوعية يكتبون الرواية وينشرونها في صحفهم من الصعب أن نجد صحيفة أو مجلة تنشر لأحد من جيلنا.   

ويتابع “طوبيا”:"نجد أن أصحاب الأبواب الثقافية يروجون لأشباه الكتاب أمثال “إسماعيل ولي الدين” وهو الذي لا يكاد يجيد اللغة العربية، ولأول مرة في تاريخ الأدب نسمع أن شخصين يشتركان في تأليف رواية كما سمعنا عن إسماعيل ولي الدين والمحرر الفني كمال الملاخ". 

وقال: إن “الوسط الثقافي في مصر مختل، محتل، مختل، وهناك من يحاولون أن يسيروا به ضد تيار التاريخ والتطور الطبيعي ولكن في النهاية لن يصح إلا الصحيح. إن أعمالنا الآن يعاد نشرها في الصحف والمجلات العربية وتترجم إلي كافة لغات العالم عن غير طريق الجهات الرسمية”. 

وتساءل:"وماذا عن النقاد؟.. النقاد يعانون من نفس مشكلتنا. فكيف يسمح لهم بنشر مقال عن ناس محاصرين أصلا، وهنا أحب أن أشيد بمحاولة تقوم بها حاليا السيدة “حسن شاه” بجريدة الأخبار، يجب أن تفسح الجرائد والمجلات مكانا لأدب الشباب، أما الجامعة فهي تتجاهل إنتاج هذا الجيل تماما فلا مكان له بين مناهجها لا أعرف لماذا والغريب أن لي أربعة كتب تدرس في الجامعة الأمريكية، بينما لا تدرس أية قصة أو أي عمل لأديب شاب في الجامعات المصرية".   

 تصنيف النقاد

وفي نفس العام تحديدا في 6 أكتوبر من 1979، وتحت عنوان “ما هو السبب في أزمة النقد؟” وهو السؤال الذي طرحه محرر صفحة “أخبار الكتب وحكايات الأدب” بجريدة أخبار اليوم الكاتب الصحفي نبيل أباظة، قال مجيد طوبيا حول أزمة النقد:“هناك الناقد ”المعدة" إن أنت أولمته أكلا وشربا مدحك، وإن لم تفعل هجاك.. وهناك الناقد “الشلة” إن صرت رقما من أفراد عصبته فأنت فريد عصرك وزمانك.. وهناك أيضا ــ إن لم تكن تعلم ــ الناقد “الأذن” وهو ملول لا وقت عنده للقراءة، فالقراءة تتعب العين، فيملأ مساحته حسبما يسمع، بمعني آخر هو ناقد “إشاعة” .. وأيضا يوجد ــ صدق أو لا تصدق ــ الناقد “الناقم” كان يتمني أن يصبح مؤلفا فلما فشل تضاءل إلي الذم والهجاء، وعلي نقيضه يأتي الناقد “المرح” دائم المدح لمن يستحق ولمن لا يستحق، فيبخس بهذا حق المجيد عندما يساويه ــ مدحا ــ بآخر ضحل". 

واستدرك “طوبيا”:"ولكن هؤلاء جميعا لا علاقة لهم بالنقد أو النقاد، أنهم جميعا نتاج عصر العجلات والسندويتش والاستهلاك السريع والتليفزيون. وحتي جيل الأربعينيات، كانت المجلات الأدبية منتشرة، وكل مجلة إسبوعية تفسح ربع صفحاتها تقريبا للأدب والثقافة، وكل جريدة يومية تخصص صفحة كاملة للأعمال الإبداعية، كان الشعر ينشر بالصفحة الأولي. وكان هذا يستتبع بالضرورة افساح المجال المناسب للنقد والنقاد".

وفي بداية العشرينيات أصبح توفيق الحكيم نجما منذ “أهل الكهف” أول أعماله المنشورة ولم يكن مقيما في القاهرة، ولم يكن أحد يعرفه معرفة شخصية.. ما أن صدرت مسرحيته حتي كتب عنها طه حسين والمازني والعقاد وهيكل وعلي عبد الرازق وآخرون .. علي الرغم من أنهم من مذاهب وانتماءات مختلفة، ولم يسأل أحدهم إن كان هذا البرعم الجديد من مذهبه السياسي أو الفكري كي يمتدحه، لم يراع أحدهم أي عنصر في نقده، سوي عنصر التقييم الموضوعي.. لكن هؤلاء كانوا أبناء عصر التنوير لمصر الحديثة.. الرأي يرد عليه برأي.      

أما نحن ــ جيلنا البائس العنيد ــ فقد وقعنا فريسة لنوعية الناقد “الأحادي” الغبي، إن كان هو يمينيا  فلا بلا وحتما أن يهاجمك إذا عرف أن زميلا له يساريا قد مدحك، أو العكس .. وهذا النوع يتحرك في الحياة مثل الحصان الكارو، وقد وضع علي وجهه حاجزان، بحيث لا يري سوي ما أمامه فقط.

ثم انحصرت المساحات المخصصة للأدب، إلي أن صارت علي زمننا نحن، حكرا للنجوم ــ وهؤلاء رواد لنا وهذا حقهم ــ وأيضا حكرا لأصحاب النفوذ.. أما ما يتبقي من مساحة فهي للأخبار الأدبية وليست للأدب نفسه !!.. حتي صرنا نقرأ عن كاتب أو آخر من ذو الحظوة أخبارا أكثر مما نقرأ له أعمالا !! .. وهو ما يسمي في البيع والشراء بتعبير “التلميع” .. وهكذا ــ وبإصرار عصابي ــ حجبت معظم مساحات النشر والأضواء عن المبدعين من أبناء جيل.. بصراحة أكثر، لقد عوملنا بقسوة بالغة من جيل الآباء، مع أنهم وجدوا العطف والعون من جيل الأجداد !! .. 

ويشدد “طوبيا” علي “وعلى هذا فمن  عجيب القول أن نوصف بأننا جيل حقق صيتا ولم يحقق إنجازا !! والرد هذه الأكذوبة سهل جدا فإذا كنا قد ظللنا مبعدين عن الأضواء طوال الفترة الماضية من حياتنا، ورغم هذا حققنا صيتا، فمن المؤكد أن الفضل كله يرجع إلي عملنا الإبداعي، أي إلى انجازاتنا، ولقد تم هذا دون “تلميع” ودون أضواء، ودون نقد النقاد، عدا قلة فدائية مخلصة منهم”. 

 

WhatsApp Image 2022-04-22 at 4.37.37 AM (1)
WhatsApp Image 2022-04-22 at 4.37.37 AM (1)
WhatsApp Image 2022-04-22 at 4.37.37 AM
WhatsApp Image 2022-04-22 at 4.37.37 AM