رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هكذا أشعل الإخوان بذور الفتنة فى المجتمع اليمنى (1ــ2)

الإخوان
الإخوان

تأسست الحركة الإسلامية "الإخوان المسلمون"، بشكل فعلي في شطري اليمن، خلال العقد السادس من القرن العشرين على أيدي عدد من الطلاب اليمنيين الذين التحقوا بالجامعات والمعاهد المصرية، غير أنها تعرضت للإقصاء في الشطر الجنوبي بعد وصول التيار الماركسي إلى السلطة هناك في أواخر ذلك العقد.

وفي ظل الظروف التي كان يعيشها اليمن والمنطقة العربية عموًما خلال عقد السبعينيات، كان من الطبيعي أن تهيمن على الحركة الإسلامية الاتجاهات الفكرية المتصلة بالتركيز على حسم الهوية الإسلامية الكاملة للدولة والمجتمع في الشطر الشمالي وتثبيتها في النصوص الدستورية، والتشريعات القانونية، ووسائل التثقيف والإعلام والتنشئة العامة، وأن تتجه جهود الإخوان وتحالفاتهم إلى تحسين المجتمع والدولة تجاه الأفكار والتنظيمات اليسارية والقومية، ومواجهة المخاطر الأمنية والفكرية والسياسية المقبلة من دولة الحزب الاشتراكي في الجنوب وفرعه في الشمال، إلى جانب خطاب دعوي يركز على القضايا الأخلاقية وأحوال المسلمين في بقاع العالم المختلفة.

وفي السياق، قال الباحث في الحركات الإسلامية سامح عيد: "بعد تراجع المخاطر التي تحملها التنظيمات اليسارية والقومية في أوائل عقد الثمانينيات، استمر الخطاب الإخواني التقليدي الذي يركز على القضايا الأخلاقية، وهموم المسلمين في أرجاء المعمورة، مع وجود تنوع في هذا الخطاب، ومسحة سلفية محافظة اقتضتها البيئة الاجتماعية اليمنية شديدة التدين، وحالة التداخل والحراك السكاني بين اليمن والمملكة العربية السعودية بفعل هجرة اليمنيين للعمل والإقامة في المملكة بصورة مؤقتة أو دائمة، وفي الجانب السياسي، دخل الإسلاميون مع نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح في تحالف استمر حتى عام ١٩٩٧، فكان لهم تواجد في السلطة التشريعية والمجالس المحلية، وتنظيم المؤتمر الشعبي الحاكم، ونشاط كثيف في مؤسسات الدولة المختلفة، وخاصة تلك المعنية بالتعليم، والتنشئة العامة. وفي مقابل التحالف مع النظام والدفاع عنه، حصل الإسلاَّميون على الأمن ومشروعية العمل شبه العلني طوال عقد الثمانينيات، وهو ما وفر لهم حرية الحركة، ومكنهم من النمو الطبيعي، وخلصهم من العقد والهواجس الأمنية التي تعرض لها الإسلاميون في معظم الدول العربية، وسمح لهم بالتمدد الفكري والتنظيمي والنشاط الحركي".

ويوضح "عيد": "مثلما كان قيام الوحدة في مايو ١٩٩٠، متغيًرا استراتيجًّيا بالنسبة لليمن بشكل عام٬ فقد كان كذلك بالنسبة للحركة الإسلامية، حيث فتح لها أبواب المحافظات الجنوبية التي أُغِلقت أمامها طويًلا، ومكنها من الحصول على الشرعية القانونية والانتقال من العمل السري إلى العمل العلني الكامل من خلال الحزب الذي شكلته مع حلفائها التاريخيين، وهو حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، وباستثناء الفترة الممتدة بين عامي ١٩٩٠-١٩٩٤ التي اتسمت بالاستقطاب الفكري بين الحركة الإسلامية من جهة وقوى الحداثة بقيادة الحزب الاشتراكي من جهة ثانية، حول الهوية السياسية والدينية للدولة، وانتهت بتثبيت الهوية والمرجعية الإسلامية في التعديلات الدستورية التي أعقبت حرب عام ١٩٩٤م، بنص المادة الثانية من الدستور على أن الشريعة الإسلامية مصدر القوانين جميًعا، فإن خط تطور الحركة الإسلامية سار باتجاه تغليب الاتجاه الواقعي الذي يركز على القضايا العملية في الجوانب السياسية والاقتصادية والحقوقية".

كما أن حالة التنقل السريع في المواقع السياسية للحركة الإسلامية، "التجمع اليمني للإصلاح"، أفضي إلى انغماسها بشكل كبير في تقلبات الواقع السياسي ومتطلباته العملية؛ فقد تصدي حزب الإصلاح لمهام المعارضة السياسية أثناء الفترة الانتقالية ١٩٩٠- ١٩٩٣م، وشارك بعد انتخابات ١٩٩٣م في حكومة الائتلاف الثلاثية إلى جانب المؤتمر الشعبي العام "الحزب الحاكم" والحزب الاشتراكي اليمني، ثم في حكومة الائتلاف الثنائي مع المؤتمر الشعبي العام بعد حرب١٩٩٤م، وعاد إلى مربع المعارضة بعد انتخابات ١٩٩٧م، والتأم مع أحزاب المعارضة في تكتل واحد منذ عام 2000م، ومعظم القرارات المرتبطة بتلك التحولات كانت تتخذ لاعتبارات واقعية، وفي ضوء معايير عملية أكثر منها فكرية وأيديولوجية، وهو ما وسع كذلك من مساحة الاتجاه الواقعي داخل الحركة.

واتجه النظام بعد إخراج الحزب الاشتراكي من السلطة بقوة السلاح نحو الاستفراد والتمدد على حساب المكونات السياسية والاجتماعية الأخرى، فاختل معه التوازن السياسي واتسع بعد إخراج الإسلاميين من الحكومة على إثر نتائج انتخابات ١٩٩٧م، وعلى الفور اتجهت الحركة الإسلامية إلى التقارب مع أحزاب المعارضة الرئيسية وهي الحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الناصري، وحزب البعث القومي، وحزبا الحق واتحاد القوى الشعبية، وبعد تعثر البدايات الأولى دخلت تلك الأحزاب في تحالف أُطِلق عليه "تحالف اللقاء المشترك".

وانضوت أحزاب المعارضة في تكتل واحد، ولذا غلبت تلك الأحزاب الجوانب العملية والقواسم المشتركة في العمل السياسي على خلافاتها الفكرية وصراعاتها التاريخية ومصالحها الضيقة، كما أنها تمكنت من تجاوز محاولات النظام التي لم تتوقف لإعاقة وإفشال هذه التجربة أو التشويش عليها، وبقدر ما كان لهذه التجربة تأثير مباشر في ترشيد المعارضة السياسية اليمنية ومنحها البعد الوطني والجمعي، كان لها كذلك تأثير مباشر وعميق على الحركة الإسلامية اليمنية، فقد أكسبتها قدًرا كبيًرا من المرونة والاعتدال والقبول بالآخر المختلف والتعاون معه، وتقديم التنازلات المتبادلة كأساس لبناء السياسات والرؤى واتخاذ القرارات وتحديد المواقف.

وفي اتجاه مواز اتسم الخطاب الرسمي للحركة الإسلامية، طوال العقدين الأخيرين، بالتركيز على قضايا الانتخابات والحقوق والحريات ومستوى المعيشة ومعدلات الفساد والفقر والبطالة والإصلاحات الاقتصادية ونقد السياسات الحكومية، وشهد في المقابل تراجًعا واضحا في المضامين الدعوية والوعظية، ومعها اقترب"التجمع اليمني للإصلاح"من أن يكون حزًبا مدنًّيا ذا مرجعية إسلامية أكثر من أن يكون غطاء لحركة إسلامية، وبقدر ما أفاد هذا الخطاب في التركيز على القضايا العملية والحياتية التي تهم الناس وتجذير الاتجاه العملي في التعامل مع الواقع، فإنه أخل بالاهتمامات التقليدية للحركة الإسلامية "الدعوية، والاجتماعية"، وأوجد فرًاغا نشأت بفعله القوي السياسية والاجتماعية التي تنافس الإسلاميين اليوم: الحوثيون، وفصائل الحراك، ونشطاء السلفيين، وتنظيم القاعدة.

ومنذ عام 2000 تقريًبا، بدأت إجراءات النظام لتوريث السلطة إلى النجل الأكبر للرئيس السابق علي عبد الله صالح، ونقل المواقع القيادية في المؤسسات الحيوية إلى الجيل الثاني من عائلته، فاستفحلت معه الأزمة الشاملة التي يواجهها اليمن، وتجلت مظاهرها في الجولات الست من الحروب بين الحوثيين وقوات الجيش في صعدة، وتصاعد الاحتجاجات في المحافظات الجنوبية، وتحولها إلى مطالب سياسية مناهضة للاندماج الوطني، وتدهور حاد في موارد الدولة الاقتصادية، مع إمكانية نضوب موردين حيويين هما المياه والنفط، ونشاط ملحوظ لتنظيم القاعدة تجاوز اليمن؛ ليصل إلى عمق بعض الدول العربية والغربية، وتراجع ملحوظ في سلطة الدولة ومستوى الخدمات الحكومية، وأزمة حادة بين أحزاب اللقاء المشترك والسلطة.

وبسبب ذلك كله تصدرت قضايا الإصلاح السياسي أولويات الحركة الإسلامية؛ فاتجهت منذ عام ٢٠٠٥ إلى اعتماد استراتيجية جديدة في تعاملها مع السلطة، أطلقت عليها "استراتيجية النضال السلمي لانتزاع الحقوق والحريات"، فشرعت في تهيئة أنصارها والشارع للعمل الجماهيري، من خلال حملات إعلامية وتوعية واسعة؛ للتعريف بمبررات وماهية النضال السلمي ومتطلباته وغاياته وآلياته "الاعتصامات، والوقفات الاحتجاجية، والمظاهرات"، مع التأصيل الشرعي لكل منها، وحرصت على تمتين وتفعيل تكتل أحزاب اللقاء المشترك، والذي أعلنت أحزابه في العام ذاته "مشروعها الوطني للإصلاح الشامل" واللائحة التنظيمية لتكتل اللقاء المشترك، والتي تنظم عمله وتحدد مؤسساته القيادية على المستويين المركزي والمحلي.