رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلمانية والدولة الدينيـــــة

جريدة الدستور

من مبادئ العلمانية فصل الدين عن السياسة، ذلك أن المبدأ السياسي قابل للجدل والاختلاف. بينما العقيدة ايمان مطلق ومقدس ليس محلا لخلاف، والنظالم السياسي العلماني هو ساحة للديمقراطية واختلاف الرأي وقيام الأحزاب بينما الحكم الديني فلا يسمح بهذا.

فالذي يحكم بالدين يرى أنه يملك الحقيقة مطلقة وأنه يمثل الله على الأرض، ورأيه غيرقابل للنقض أو المعارضة. وأتباع دينه فصيل متميز على أتباع الأديان الأخرى،وهذا مايمارس في الدول الاسلامية التي تحكم باسم الدين. وهذا يمارس أيضا في الدول المدنية ذات المرجعية الدينية حيث يستحوذ أتباع دين الأغلبية على المناصب العليا والمواقع المهمة في الدولة وتلك الجالبة للشهرة والمال.

هذا التمييز ترفضه العلمانية والتي تقوم على مبدأ المواطنة أي المساوة بين المواطنين دون النظر الى الانتماء الديني.

لذا فصل الغرب بين الدين والدولة ورفض مبدأ الدولة الدينية الذي يتنافى مع مبدأ المساواة. فالدولة الدينية ستفرض شريعتها الخاصة ومبادئها المقدسة التي لاتقبل الخلاف، والتي تمثل الحقيقة المطلقة التي لاتقبل الخلاف فلا احزاب ولا ديمقراطية ولا حرية رأي، ومن اختلف مع الدولة الدينية فهو من أهل الكفر. وفي ذلك خلط بين الثابت والمتغير، بين العقيدة والسياسة مايجعل ماهو ثابت ومقدس عرضة لأهواء البشر وذريعة لتحيق المصالح الشخصية، وينتهي الى تسييس الدين واخضاعه لما هو متغير مايسيئ للدين ويمتهنه.

وكثيرا مايغفل الناس عن أن الدولة شخصية معنوية لادين لها وان كان هناك دين للأغلبية،والقول بأن لدولة ما دين بعينه غير سائغ، لأن الدين امر فردي مرتبط بحرية الفرد والمجتمع يختاره تلقائيا دون ضغط أو فرض وله أن يتحول من دين الى آخر بمحض حريته وغير ذلك انتقاص للحرية الدينية التي هي أمر مقدس. ووجود دين للأغلبية لايجب أن يكون ذريعة للهيمنة والتميز،هذا ماتنادي به العلمانية الحقة لبناء الدولة الحديثة، دون المساس بحق ممارسة الدين وشعائره بحرية مطلقة وبحقوق متساوية دون مكابرة أو استئثار.

وحرية العقيدة لاتعني بأي حال قبول مايناقض الحس الجماعي والمسلمات العامة. فلا تقبل على سبيل المثال ممارسات عبدة الشيطان أو عبادة الأصنام أو الشذوذ الجنسي وزواج المثل وهو ماجنحت اليه المجتمعات غير الشرقية فانحرفت عن المفهوم الصحيح للعلمانية التي هي نظام الحكم الأمثل لبناء الدولة المدنية الحديثة.