رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مفاوضات سرية وهدنة».. طالبان في الطريق إلى "كابل" (تقرير)

مقاتلو طالبان
مقاتلو طالبان

أطلق الرئيس الأفغاني أشرف غني، أمس الخميس، مبادرة أحادية، تبنتها السلطة لوقف القتال مع "طالبان"، والدخول في هدنة أسبوعًا كاملًا، بدعوى قرب "عيد الفطر"، غير أن الحركة- التي تستحوذ على مساحات شاسعة من الدولة- لم تُبدِ أي اهتمامًا واكتفت بالإشارة إلى "دراسة الإعلان الرئاسي".. وهو ما يُثير علامات استفهام كبُرى حول توقيت الهدنة ذاتها في ظل تنامي "داعش" هناك، وزيادة أعداد القوات الأمريكية، ووجود مفاوضات سرية بين الطرفين.

قبل أربعة أيام، اجتمع عدد كبير من العلماء الأفغان- ضمن "مجلس العلماء"، أعلى هيئة دينية في أفغانستان ويضم حوالي 3000 رجل دين وعالم وخبير في الدين والقانون من مختلف أنحاء البلاد- لمواجهة الإرهاب والتصدى له، وخرجوا بفتوى (هي الأولى من نوعها)، تحرم الهجمات الانتحارية وتعتبرها "حرام شرعًا". كما دعوا جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار، باعتبار أن الرجال والنساء والأطفال الأفغان الأبرياء هم ضحايا الحرب، وإن "لا أساس قانوني للحرب التي لا تحمل أي قيمة دينية ولا وطنية ولا إنسانية"- بحسب ما جاء في نص بيانهم.

لم تمر دقائق إلا وتسلل أحد انتحاري "داعش"، المدعو صديق الفارس، إلى جامعة كابل للعلوم التطبيقية بالقرب من مقر تجمع العلماء بالعاصمة، وفجر سترته الناسفة، ليوقع عشرات القتلى والمصابين، في هجوم تبناه التنظيم ردًا على الاجتماع، ورفضًا لقراراته، واصفين رجال الدين بـ"الطواغيت".

أثار الحادث ردود فعل غاضبة داخلية وخارجية، وصدرت بيانات الإدانة من جهات عدة، ومنها الخارجية المصرية التي اعتبرت الحادث "جريمة نكراء" من فئة ضالة ليس لها صلة بتعاليم الإسلام السمحة، داعيةً جميع الدول للتكاتف لمواجهتها.

مر ثلاثة أيام على العملية الإرهابية التي استهدفت العلماء تجمع، وظن كثير من المتابعين أن نتائجه قد فشلت وأنه لا سبيل إلى "التهدئة"، إلا أن الرئيس الأفغاني فاجئ الجميع بحديثه للوكالة الرسمية الأفغانية بأن "قوات الدفاع الوطني والأمن سيتوقفان فقط عن إطلاق النيران ضد حركة طالبان من 12 يونيو حتى 20 من الشهر، ولكن سيستمران في استهداف تنظيم داعش والمنظمات الإرهابية الأجنبية الأخرى المدعومة من الخارج".

"غني"، قال إن وقف إطلاق النار سيُعد فرصة لحركة "طالبان" لإدراك أن (حملتها العنيفة لا تكسبهم قلوب وعقول الشعب الأفغاني إلا أنها تزيد من إبعادهم عن الأهداف التي يقاتلون بشأنها)، كما أنها استجابة لفتوى أصدرها المئات من العلماء الأفغان خلال حشد كبير، الاثنين الماضي.

"طالبان" لم تبدِ أي اهتمامًا جادًا بالإعلان، وخرج المتحدث باسم الحركة، ذبيح الله مجاهد، يقول إنهم يدرسون الإعلان الرئاسي مع مسؤوليها.

غير أن مبادرة التهدئة في ظل حالة شرسة من العنف والإرهاب، تعيشها أفغانستان تتصارع فيها قوى مختلفة: الجيش والشرطة والقوات الأجنبية- التي تبلغ 12 ألف جندي، منهم 7 آلاف أمريكي بحسب تقرير حديث لـ "واشنطن بوست"-، وطالبان من جانب آخر، وداعش من طرف ثالث.. يحاول كل منهم تحقيق مكاسب كبرى. داعش الذي طُرد من سوريا والعراق يسعى لجعل "خراسان" مركزًا له بدلًا من الموصل والرقة. بينما طالبان تسعى للعودة إلى العاصمة "كابل" من جديد بأكبر انتصار على "المرتدين والغزاة"، أي الحكومة والأمريكان- بحسب ما تعتبره- بعدما طُردت من الحكم الذي سيطرت عليه منذ منتصف التسعينيات حتى مطلع الألفينيات، عام 2001.

بين كل هؤلاء تظهر "باكستان" لإنهاء تلك الصراعات بأي شكل خوفًا على مواطنيها، من تنامي "طالبان" التي تُعد مصدر تهديدها الأول. فتلعب دور الوسيط الأول في المفاوضات المستمرة والتي وصلت لنجاح كبير في يونيو 2013، بإنشاء مكتب "طالبان" في الدوحة. لكن سرعان ما وصلت الأمور إلى نفق مظلم بعدها.

العديد من المراقبين يرون حاليًا أن السلام لا يمكن أن يتحقق مستقبلا في أفغانستان دون أن تتفاوض حكومة "كابول" مع طالبان. وهو ما تفعله بالفعل بـ"شكل سري"، وهو ما تراه أمريكا أيضًا، بحسب ما قاله الجنرال باتريك دوناهو، مستشار لقائد القوات الأميركية في أفغانستان: إن "نهاية المطاف هو المصالحة بين حكومة أفغانستان وطالبان".

وفي مطلع يونيو الجاري، كشف قائد القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان، الجنرال جون نيكلسون، أن مسؤولين في حركة طالبان يتفاوضون سرًّا مع مسؤولين أفغان "للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار".

وقال لصحافيين في البنتاغون في مؤتمر صحافي- بحسب: "توجد كثير من الأنشطة الدبلوماسية والمفاوضات التي تُجرى وراء الكواليس، وهذا الأمر يحصل على مستويات متعددة، وأريد أن أشير إلى أنهم التقوا سرّا. بهذه الطريقة تمكنوا من التقدم، كما تدعمها دول وأطراف أخرى".

وكان الرئيس الأفغاني، دعا "طالبان"، في فبراير الماضي، لإجراء محادثات سلام يمكن خلالها الاعتراف بالحركة كحزب سياسي، إذا وافقت على وقف لإطلاق النار، وإذا اعترفت بدستور عام 2004 بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، لم يردّ قادة طالبان على الاقتراح. لكن، زادت طالبان الهجمات الدموية، خاصة في العاصمة كابل. وما زالت تستمر في شروطها وعلى رأسها "طرد الاحتلال"- في إشارة إلى القوات الأجنبية- ورفع اسم عدد كبير من أعضائها وقياداتها من "القائمة السوداء".

من جانبها، دعت الأمم المتحدة، على لسان أمينها العام انطونيو جوتيريس، اليوم الجمعة، حركة طالبان للالتزام بوقف إطلاق النار الذى أعلنه الرئيس الأفغانى أشرف غنى بمناسبة حلول عيد الفطر. كما حضها على الدخول فى مباحثات سلام مع الحكومة الأفغانية.

ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، طالبان إلى "الرد بالمثل على وقف إطلاق النار المؤقت وقبول عرض السلام الذى قدمه الرئيس اشرف غنى لبدء مباحثات مباشرة لوضع نهاية لمعاناة الشعب الأفغاني".