رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كتب صناعة الإرهاب».. رسائل الدم عند حسن البنا (2)

البنا
البنا

لا يستطيع الإرهابى أن يضغط بإصبعه على الزناد ليقتل أو يمسك بالقنبلة ليفجر فتصبح دماء الضحايا بهجة وجثث القتلى مسرة إلا بعد رحلة قطعها مع عالم خاص من الأفكار جعلته شخص مختلف عن الآخرين، متغير متحول عن المسار الطبيعى، فقبل الأصبع واليد هناك عقل يأمر، ورأس تحرك، ولا يُخرج العقل أمرً ا إلا بناء على معلومات، ولا تحرك الرأس شخصًا إلا بناء على قناعات.

ومن هنا نعلم أن الأفكار هي القاتل الحقيقي، والفاعل الرئيسى، وما الإصبع والأيدي إلا خوادم مأمورين ومن هنا أيضًا كانت أهمية هذه السلسلة التي نناقش فيها هذه الأفكار من خلال "كتب صناعة الإرهاب".

لا نستطيع أن نبدأ هذه السلسلة من كتب صناعة الإرهاب دون أن نتكلم عن الصانع والمؤسس الأول وأيقونة الإرهاب "حسن البنا"، والذى لانعنى به هنا الشخص إنما "حسن البنا" الفكر، "حسن البنا" الكتاب الذى صنع الإرهاب.

اليوم نناقش هدف "البنا" وغايته من إنشاء هذه الجماعة، وما هو الطريق الذي رسمه للوصول لهذا الهدف، وما هي رؤيته للإرهارب والعنف والقتل؟

حُكم العالم كله.. الهدف
يؤسس "البنا" لفكرة سيادة العالم وسياسته وحكمه وأستاذيته، هذه هي مهمة جماعته ودعوة الإسلام كما يرها هو، وهذه هي الرؤية التى جاءت بها كل الجماعات فيما بعد تندب نفسها لذات الأهداف لا تختلف في شيء منها سوى في طريقة التعبير، عنها لكن المضمون واحد فقط اللغة هى التى اختلفت.

يقول البنا: تحت عنوان الغاية أصل والأعمال فروع لها:
"مهمتنا سيادة الدنيا وإرشاد الإنسانية كلها إلى نظم الإسلام الصالحة وتعاليمه التى لا يمكن بغيرها أن يسعد الناس، تلك هى الرسالة التى يريد الإخوان المسلمون أن يبلغوها للناس وأن تفهمها الأمة الإسلامية حق الفهم، وتهب لإنفاذها فى عزم وفى مضاء، لم يبتدعها الإخوان المسلمون ابتداعا، ولم يختلقوها من أنفسهم".

يلصق "البنا"، فهمه هذا بالوحى فيقول: إنما هي الرسالة التي تتجلى فى كل آية من آيات القرآن الكريم، وتبدو فى غاية الجلاء والوضوح فى كل حديث من أحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وتظهر فى كل عمل من أعمال الصدر الأول الذين هم المثل الأعلى لفهم الإسلام وإنفاذ تعاليم الإسلام، فإن شاء المسلمون أن يقبلوا هذه الرسالة كان ذاك دليل الإيمان والإسلام الصحيح، وإن رأوا فيها حرجا أو غضاضة فبيننا وبينهم كتاب الله تبارك وتعالى، حكم عدل وقول فصل يحكم بيننا وبين إخواننا ويظهر الحق لنا أو علينا «ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين».

ويتابع البنا حديثه حول مهمة جماعته التى جعلها جماعة المسلمين فيقول: “وتلك هي المهمة الاجتماعية التي ندب الله إليها المسلمين جميعًا، وأن يكونوا صفًا واحدًا وكتلة وقوة، وأن يكونوا هم جيش الخلاص الذي ينقذ الإنسانية ويهديها سواء السبيل.


كيف يحقق "البنا" هدف الوصول للحكم؟ 
لكن كيف يحقق "البنا" هذا الهدف؟.. لا يتردد البنا بالتصريح عن طريقة للوصول الحكم بالقوة فيقول بمنتهى الوضوح: وفي الوقت الذي يكون فيه منكم-معشر الإخوان المسلمين-ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسيًا روحيًا بالإيمان والعقيدة، وفكريّـًا بالعلم والثقافة، وجسميًا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بين أخوض بكم لجج البحار، واقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: “ولن يغلب اثنا عشر ألفًا من قلة” إني أقدّر لذلك وقتًا ليس طويلًا بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته، وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم أن تقصروا هذا الآجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم، وقد تهملون فيخطئ هذا الحساب، وتختلف النتائج المترتبة عليه، فأشعروا أنفسكم العبء وألقوا الكتائب وكونوا الفرق، وأقبلوا على الدروس، وسارعوا إلي التدريب وانشروا دعوتكم في الجهات التي لم تصل إليها بعد، ولا تضيعوا دقيقة بغير عمل.
القوة أفضل الطرق.

إذن لم يتردد "البنا" في موقفه من استخدام القوة، ولم يتحايل بل يرى أنها أضمن الطرق وأفضلها فيقول: إنّ القوة أضمن طريق لإحقاق الحق، وما أجمل أن تسير القوة والحق جنبًا إلى جنب، فهذا الجهاد في سبيل نشر الدّعوة الإسلامية فضلًا عن الاحتفاظ بمقدسات الإسلام فريضة الله على المسلمين كما فرض عليهم الصّوم والصّلاة والحج والزّكاة وفعل الخير وترك الشر، وألزمهم إيّاها وندبهم إليها، ولم يعذر في ذلك أحد فيه قوّة واستطاعة،وإنها لآية زاجرة رادعة وموعظة بالغة زاجرة:انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ}.

ليس كل إخوانى صالح للجهاد
ليس كل إخوانى يصلح لهذه المهمة لذا يوضح البنا من ههم أصحاب هذه المهمة داخل هذه الجماعة فيقول: وقد يظن من يسمع هذا أن الإخوان المسلمين قليل عددهم أو ضعيف مجهودهم، ولست إلى هذا أقصد وليس هذا هو مفهوم كلامي، فالإخوان المسلمون والحمد لله كثيرون، وإن جماعة يمثلها في هذا الاجتماع آلاف من أعضائها كل منهم ينوب عن شعبة كاملة لأكثر من أن يستقل عددها أو ينسي مجهودها أو يغمط حقها، ولكن أقصد إلى ما ذكرت أولًا من أن رجل القول غير رجل العمل، ورجل العمل غير رجل الجهاد، ورجل الجهاد فقط غير رجل الجهاد المنتج الحكيم الذي يؤدي إلى أعظم الربح بأقل التضحيات".

عسكرة الجماعة 
اختار "البنا"، القوة طريقًا للوصول للحكم ولتحقيق الأهداف وبناء عليه كان لابد من عسكرة الجماعة وترسيخ فكرة الجهاد فى عقول ابنائها وأنها شرط اساسى للنهوض فلا نهضة بلا قوة ومن ثم عليهم أن يستعدوا للحرب ويتوقوا للجهاد فى سبيل الله فيقول: وإنّ الأمم النّاهضة تحتاج إلى القوة وطبع أبنائها بطابع الجندية، ولا سيما في هذه العصور التي لا يضمن فيها المسلم إلا بالاستعداد للحرب، والتي صار شعار أبنائها جميعًا القوة أضمن طريق لإحقاق الحق.

والإسلام لم يغفل هذه الناحية، بل جعلها فريضة محكمة من فرائضه، ولم يفرق بينها وبين الصلاة والصوم في شيء، وليس في الدنيا كلها نظام عُني بهذه الناحية، لا في القديم ولا في الحديث، كما عني بذلك الإسلام في القرآن وفي حديث رسول الله وإنك لترى ذلك ماثلًا واضحًا في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ } [لأنفال:60]، وفي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ } [البقرة:216].

وهل رأيت منشورًا عسكريًّا في كتاب مقدّس يُتلى في الصلاة والذكر والعبادة والمناجاة كهذا المنشور الذي يبتدئ بالأمر المنجز في قوله تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ } ثم بين الجزاء بعد ذلك: {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا } [النساء:74]

الإخوان وصناعة الموت 
قرر البنا أن يكون الموت هو الخيار الأوحد أمام من يعاند دعوته فتمثل طريقة زعيم فرقة الحشاشين ومضى على طريقة يصنع الموت ويتخذه طريقًا ممهدًا للوصول لأهدافه فقال: إنّ الأمّة التي تحسن صناعة الموت، وتعرف كيف تموت الميتة الشريفة، يهب لها الله الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعدوا أنفسكم لعمل عظيم واحرصوا على الموت توهب لكم الحياة.

واعلموا أنّ الموت لابد منه وأنّه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربح الدنيا وثواب الآخرة، وما يصيبكم إلا ما كتب الله لكم، وتدبروا جيدًا قول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ للهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران:154 ]، فاعملوا للميتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد فى سبيله.

إنّما أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقيموا الصّلاة ويؤتوا الزّكاة ويشهدوا أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، فإذا فعلوا ذلك فقد اعتصموا وعصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل، والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا أغبرت قدم في عمل تبتغي به درجات الجنة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله، ولا أثقل ميزان عبد كدابّه تنفق (أي تموت) في سبيل الله أو يحمل عليها في سبيل الله.

هل سيستخدم الإخوان المسلمون القوة؟
ترك البنا أقوى دليل على منهجية الإخوان وموقفهم من الإرهارب حينما اجاب على هذا السؤال بمنتهى الوضوح فقال: يتساءل كثير من الناس هل في عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة في تحقيق أغراضهم والوصول إلى غايتهم؟ ولا أريد أن أدع هؤلاء المتسائلين في حيرة، بل إني أنتهز هذه الفرصة لأكشف اللثام عن الجواب السّافر لهذا في وضوح وفي جلاء، فليسمع من يشاء.

أما القوة فشعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته، فالقرآن الكريم ينادي في وضوح وجلاء: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ } [لأنفال:60]. والنبي يقول: (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف).

وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولًا، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضًى وارتياح".

"البنا" صدقكم اختار البنا الإرهاب والقوة طريقًأ لإقامة مشروعة وصارح به أصحابه ولهذا الطريق عواقب وخيمة فالمجتمع كل المجتمع سيرفض هذا الإرهاب وسيرفض هؤلاء الناس حينما يعرف حقيقتهم والرجل يعرف ذلك وقد كان صادقًا أمينا مع أصحابه فقال: 
أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لازالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها وأهدافها ستلقى منهم خصومة شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات، أما الآن فلا زلتم مجهولين ولازلتم تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد.

وتابع "البنا"، تحذيراته لأصحابه حينما يعرف الناس حقيقتهم فيقول: سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم، وستجدون من أهل التدين والعلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام، وينكر عليكم جهادكم في سبيله وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجوهكم كل الحكومات على السواء وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم. 

حسن البنا يجني حصاد ما زرعه
جنى حسن البنا، ثمرة أفكاره وحصاد نظرياته، ورأى بعينه جماعته وهى تنهار فى اواخر أيامه نتيجة ما قام به النظام الخاص، أو الجناح العسكرى المسلح داخل الجماعة من حوادث قتل، وحرق، واغتيال، ومضت فيه سنة الله اغتيال باغتيال وقتل بقتل ورأس رأس؛ حينما قررت الجماعة أن تغتال أكبر رأس فى الدولة رئيس الوزراء المصرى النقراشى باشا نجحت الجماعة قتلت النقراشى باشا فظلت دمائه تطارد البنا حتى سقته من نفس الكأس فمات مقتولًا بعد أقل من شهرين من مقتل النقراشى باشا.