رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«صورة مقلوبة».. عندما كفر الشيخ شاكر المتعاونين مع الاحتلال وغضب لاغتيال النقراشي (6)

أرشيفية
أرشيفية

كثيرًا ما يتناول الإرهابيون وأصحاب الفكرالمتشدد الفتاوى وكأنها حكم ثابت لا يخضع للتطورأوالتغير، بل ويرى البعض منهم الصورة مقلوبة دائمًا فلا يأخذون من تراث عالم أو مفكر إلا ما يحلو لهم من أفكاره وفتاويه.

هذا ما ينطبق على فتاوى متحدث الديار المصرية الشيخ أحمد شاكر بشأن كفر المتعاونين مع الإنجليز، فقد نقلت إصدارت مثل: "صليل السيوف 4"، وكذلك إصدار "صولة الأنصار"، فتوى الشيخ أحمد شاكر في حكم قتال الإنجليز والمتعاونين معهم كانها حكم ثابت صالح لكل زمان ومكان والتي يقول فيها: "أما التعاون مع الإنجليز، بأي نوع من أنواع التعاون، قلّ أو كثر، فهو الردّة الجامحة، والكفر الصّراح، لا يقبل فيه اعتذار، ولا ينفع معه تأول، ولا ينجي من حكمه عصبية حمقاء، ولا سياسة خرقاء، ولا مجاملة هي النفاق، سواء أكان ذلك من أفراد أو حكومات أو زعماء، كلهم في الكفر والردة سواء، إلا من جهل وأخطأ، ثم استدرك أمره فتاب وأخذ سبيل المؤمنين، فأولئك عسى الله أن يتوب عليهم، إن أخلصوا لله، لا للسياسة ولا للناس".

وتستند القاعدة وداعش ومعظم التنظيمات الإرهابية على هذه الفتوى بكفر وردة الحكومات العربية، رغم أن الفتوى بحد ذاتها بعيدة كل البعد عن سياق الحكومات العربية، واطلقت حكم عام ولم تنزله على أشخاص بعنيهم، وهذا العموم فى الفتوى لايصح أن يسقط في أمر بهذه الخطورة والذي يصل إلي حد التكفير المعين، فأي تعاون تقصده الفتوى، وأي كفر تعنيه، وما الحال إذن لو طبقنا هذه الفتوى على الأقليات المسلمة في بلاد الغرب التي تتعاون مع الحكومات الغربية حتى تيسر لأفرادها أمورها".

وتناسى هؤلاء المتطرفون موقف الشيخ أحمد شاكر نفسه من عمليات الاغتيال السياسي وغضبة الشديد عندما علم باغتيال النقراشي باشا، ففي فتوى مماثلة خرجت في نفس العام تقريبا، حيث فتوى حكم التعاون مع الإنجليز كانت في عام 1950م وجاءات في كتابه كلمة حق، بينما فتوى "الإيمان قيد الفتك" في عام 1949م وكانت عقب إغتيال رئيس الوزراء المصري السابق محمود فهمي النقراشي على أيدي جماعة الإخوان، والتي كتب نصها فى جريدة "الأساس" بتاريخ 211949 وأطلق عليها: "الإيمان قيد الفَتْك" قال فيه:

"روَّع العالم الإسلامي والعالم العربي بل كثير من الأقطار غيرهما باغتيال الرجل، الرجل بمعنى الكلمة النقراشي -الشهيد غفر الله له، وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين-، وقد سبقت ذلك أحداث قدّم بعضها للقضاء، وقال فيه كلمته وما أنا الآن بصدد نقد الأحكام، ولكني كنت أقرأ كما يقرأ غيري الكلام في الجرائم السياسية وأتساءل: أنحن في بلد فيه مسلمون؟، وقد رأيت أن واجبًا علي أن أبين هذا الأمر من الوجهة الإسلامية الصحيحة حتى لا يكون هناك عذر لمعتذر، ولعلَّ الله يهدي بعض هؤلاء الخوارج المجرمين فيرجعوا إلى دينهم قبل أن لا يكون سبيل إلى الرجوع، وما ندري من ذا بعد النقراشي في قائمة هؤلاء الناس".

ويستكمل فيقول: "إن الله سبحانه توعد أشد الوعيد على قتل النفس الحرام في غير آية من كتابه: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93]، وهذا من بديهيات الإسلام التي يعرفها الجاهل قبل العالم وإنما هذا في القتل العمد الذي يكون بين الناس في الحوادث والسرقات وغيرها القاتل يقتل وهو يعلم أنه يرتكب وزرًا كبيرًا".

ويضيف الشيخ شاكر في فتواه فيقول: "أما القتل السياسي الذي قرأنا جدالًا طويلًا حوله فذاك شأنه أعظم وذلك شيء آخر القاتل السياسي يقتل مطمئن النفس راضي القلب يعتقد أنه يفعل خيرًا فإنه يعتقد بما بثَّ فيه مغالطات أنه يفعل عملًا حلالًا جائزًا إن لم يعتقد أنه يقوم بواجب إسلامي قصَّر فيه غيره، فهذا مرتد خارج عن الإسلام، يجب أن يعامل معاملة المرتدين، وأن تطبق عليه أحكامهم في الشرائع، وفي القانون هم الخوارج كالخوارج القدماء الذين كانوا يقتلون أصحاب رسول الله ويدعون من اعترف على نفسه بالكفر، وكان ظاهرهم كظاهر هؤلاء الخوارج بل خيرًا منه، وقد وصفهم رسول الله بالوحي قبل أن يراهم، وقال لأصحابه: "يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية". 


واعتبر الشيخ شاكر حكم القتل السياسي هو أشد من القتل العمد الذي يكون بين الناس، والقاتل قد يعفو الله عنه بفضله وقد يجعل القصاص منه كفارة لذنبه بفضله ورحمته، وأما القاتل السياسي فهو مصرٌّ على ما فعل إلى آخر لحظة من حياته يفخر به ويظن أنه فعل فعل الأبطال، ونقل الشيخ حديث في القتل السياسي لا يحتمل تأويلًا فقد كان بين الزبير بن العوام وبين علي بن أبي طالب ما كان من الخصومة السياسية التي انتهت بوقعة الجمل، فجاء رجل إلى الزبير بن العوام فقال: اقتل لك عليًّا؟ قال: لا وكيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: ألحق به فأفتك به، قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الإيمان قيد الفتك، لا يفتك مؤمن؟!".

وقد نقلت الصحف حينها كلام الشيخ أحمد شاكر معلِّقًا على عملية الإغتيال ومواقف جماعة الإخوان فقال: "بأنه يريد بها حركة حسن البنا وإخوانه الـمسلمين الذين قلبوا الدعوة الإسلامية إلى دعوة إجرامية هدَّامة ينفق عليها الشيوعيون واليهود".