رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بيعة الشيطان».. كيف وصل شباب «الإخوان» إلى «داعش»؟

شباب الإخوان
شباب الإخوان

رغم محاولات جماعة الإخوان المستمرة للتنصل من بذور العنف المستترة فى أفكارها، وعملياتها الإرهابية القديمة والحديثة، فإنها لم تستطع أبدًا إخفاء أصولها كجماعة لا تتورع عن انتهاج العنف كوسيلة حقيرة لغايات ليست أقل دناءة.
وجاء عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى من الحكم، بثورة شعبية فى ٣٠ يونيو، شارك فيها كل ألوان الطيف المصرى وفئاته وطوائفه وأعماره، ليكشف حقيقة الجماعة التى كانت أساسًا لكل التنظيمات الإرهابية التى ظهرت فى العالم كله.
وقادت بذور العنف فى أفكار جماعة الإخوان كثيرًا من شبابها، إلى الانضمام المباشر للتنظيمات الإرهابية، التى تنتهج العنف الصريح، مثل «داعش»، وغيره، فيما عمد آخرون منهم لتكوين تنظيمات مسلحة منبثقة عن الجماعة، مثل «حسم» و«لواء الثورة» و«كتائب حلوان».
ومع عدم صمود هذه التنظيمات أمام الرفض الشعبى، وصرامة أجهزة الأمن فى التعامل معها، بدأت فى التسرب أفرادًا ومجموعات إلى «أنصار بيت المقدس» فى سيناء، التى أعلنت مبايعتها لـ«داعش» فى نوفمبر ٢٠١٤، وغيرها من التنظيمات.




مؤتمر مرسى وراء سفر إسلام للقتال فى سوريا.. وعبدالرحمن: التجنيد داخل السجن

تزيد الحاجة إلى معرفة أسرار وأسباب تحول شباب الإخوان إلى التنظيمات الإرهابية، بعد الإصدار المرئى الذى نشره فلول تنظيم «داعش» الإرهابى فى سيناء، وظهر فيه «عمر الديب»، نجل أحد قادة الإخوان، مقاتلا فى صفوف التنظيم الإرهابى.
وقال التنظيم الإرهابى فى الإصدار المرئى الذى حمل عنوان «حماة الشريعة»، إن نجل القيادى الإخوانى سافر إليهم، وانضم إلى صفوفهم، من أجل ما وصفوه بـ«نصرة الحق».
وتضمن هذا الإصدار عدة رسائل مباشرة وغير مباشرة، من قبل التنظيم الإرهابى، أهمها أنه استطاع خلال السنوات الماضية تجنيد شباب جماعة الإخوان، وضم العشرات منهم.
وقبل «الديب»، وتحديدا فى ٢٠١٣، ظهر شاب إخوانى يدعى «أحمد وجيه»، فى إصدار مرئى، أعلن فيه انضمامه لـ«داعش» الإرهابى فى سيناء، وقال: «كنت فردا فى جماعة الإخوان، وأثق فى قياداتهم تمام الثقة، لم أكن أتخيل يوما أن تضللنى هذه القيادة».
وظهر الشاب الإخوانى، فى الإصدار، كأحد منفذى عملية استهداف دورية إسرائيلية على الحدود المصرية مع الأراضى المحتلة عام ٢٠١٢، وهى العملية التى أطلق عليها التنظيم اسم «غزوة التأديب لمن تطاول على الحبيب».
«وجيه» وجه رسالة إلى شباب الإخوان بأن «الجهاد هو الحل الأمثل»، بعدما أطلق سهام الانتقاد إلى قيادات الجماعة، وهى محاولة مبكرة لاستقطاب شبابها، للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
اللافت هو أن توقيت بيان عملية «غزوة التأديب»، كان أسبق من حالة العنف التى شهدتها مصر عقب عزل مرسى فى ٣ يوليو ٢٠١٣، بما يعنى أن التحولات داخل جسد الجماعة كانت أسبق من تشكيل «اللجان النوعية» للإخوان، وتحول بعض من تلك المجموعات إلى الانضمام لجماعات عنف كبرى.
وفى رحلة البحث عن الكيفية التى ينضم بها شباب الإخوان إلى التنظيمات الإرهابية وأهمها «داعش»، التقت «الدستور» شابًا يُدعى «إبراهيم»، ٣٠ سنة، الذى حكى عن رحلة شقيقه من «الإخوان» إلى «داعش».
قال «إبراهيم» الذى تحفظ على نشر هويته كاملة: «شقيقى إسلام كان شابا غير متدين، قبل أن ينضم إلى جماعة الإخوان فى قريته التى تقع فى محافظة الشرقية، خلال عام ٢٠١٢».
وأضاف: «استمر فى حضور الأحاديث والزيارات التى كانت تعقدها الأسرة التى شغل عضويتها، حتى أصبح من الصفوف الأولى فى التشدد، فكان يمنع أخواته البنات من الخروج نهائيًا من المنزل، على سبيل المثال».
وأشار إلى أن شقيقه حضر المؤتمر الذى عقده الرئيس المعزول محمد مرسى فى يونيو ٢٠١٣، باستاد القاهرة لنصرة سوريا، وبعدها بدأ يبحث عن سبل لمساعدة «المستضعفين» كما أطلق عليهم مشايخه، لكن الأحداث الجارية فى البلاد وقتها منعته من السفر، ليشارك جماعته فيما يحدث لها من أرض الواقع.
وتابع: «شارك ٥ أيام فى اعتصام رابعة العدوية، وبعدها حجز، ومجموعة أخرى من الشباب، تذكرة طيران إلى تركيا، وكنت على تواصل دائم معه بالفيديو شات عبر برنامج اسكايب».
واستكمل: «حكى لى بعدما وصل إلى هناك أنه انتقل من تركيا إلى سوريا عبر الحدود، ودفع وقتها ٣٠٠ دولار لوسيط كان ينقل يوميًا أكثر من ٥٠ شابًا داخل عربات نقل للمعدات الثقيلة، وانضم بعدها إلى حركة (تحرير الشام) بمدينة إدلب السورية».
ولفت إلى أنه تحدث معه بعد ذلك عن بعض الخلافات التى كانت تقع بين قادة بسبب الاستحواذ على الأموال، وعن لقائه «أبوالعلا عبدربه»، أحد قادة الجماعة الإسلامية الذين هربوا بعد نجاح ثورة ٣٠ يونيو إلى سوريا وقُتل هناك، كما التقى «إسلام يكن» الشهير بـ«فتى داعش».
واختتم: «إسلام أصبح مصيره مجهولا منذ مطلع العام قبل الماضى، وكانت آخر مكالمة هاتفية فى ديسمبر ٢٠١٥، ومنذ ذلك الحين لم يتحدث مع أحد من أهله أو أسرته، ولم يبلغهم التنظيم بأنه مات أم ما زال حيا، وخلال هذه الفترة توفيت والدته حزنا عليه، بعد إصابتها بجلطة إثر علمها بسفره إلى التنظيمات الجهادية فى سوريا».
الشاب الثانى الذى التقيناه يدعى «عبدالرحمن»، الذى كان مسجونًا لأكثر من عامين فى سجن طرة، وكان يتعامل داخل السجن مع الشباب المنتمين لتنظيم «داعش» فكريًا وأيديولوجيًا.
وقال «عبدالرحمن»: «داخل كل عنبر، شاب أو اثنان من شباب الإخوان، انجرفوا ناحية أفكار العنف، وأصبح بعضهم مؤمنا بفكر الدواعش، وهو القضاء على الأنظمة العربية وتكفير عوام المسلمين، حتى الجاهل بالمعصية».
وأضاف الشاب الثلاثينى: «فى إحدى الليالى جلست مع شاب انضم فكريا للتنظيم، وأكد لى أنه حال خروجه من السجن سيكون هناك تواصل مباشر مع قادة التنظيم لمعرفة طرق الدعم والوصول إلى الأماكن المتواجدين فيها، كما أنه بدأ خلال فترة السجن تجنيد بعض الشباب لتشكيل خلية جديدة خارج السجون».


إخوانى هارب فى السودان: ٧٠% من العناصر انضمت لتنظيمات مسلحة
قالت مصادر على صلة بجماعات الإسلام السياسى، فضلت عدم نشر أسمائها، إن شباب الجماعة الذين انتهجوا العنف بعد عزل «مرسى» من الحكم، وشكلوا كتائب مسلحة، بدأوا يتواصلون مع تنظيمات إرهابية.
وأوضحت المصادر أنه بعدما تمكنت الأجهزة الأمنية من تفكيك تلك المجموعات المسلحة، بدأ هؤلاء الشباب فى البحث عن وسيلة للانضمام لتنظيمات أخرى أكبر مثل «أنصار بيت المقدس». وعن طريقة الانضمام، قالت إن بعض هؤلاء الشباب فى «اللجان النوعية» أو ما تسمى «كتائب الردع»، دخلوا السجون إثر القبض عليهم، وفى الداخل بدأت عملية اختلاط كبيرة بمجموعات تحمل أفكارا إرهابية، وحينها ظهرت تحولات أكبر، ونشأت صلات توطدت بعد خروج بعضهم من السجن.
وأضافت: «بعض الشباب الذين لم يتم القبض عليهم لجأوا إلى تنظيمات إرهابية، خوفا من القبض عليهم، دون أن تكون هناك تحولات فكرية».
وأكدت وجود فصيل من شباب الإخوان تعرض لصدمة شديدة بعد فض الاعتصامات، مشيرة إلى أن الصدمة الكبرى كانت فى قيادات الجماعة، لذا سعوا مبكرا إلى الانضمام لـتنظيم «بيت المقدس» الذى بايع «داعش» فيما بعد.
من جهته، قال عماد على، أحد قادة مراجعات الإخوان، وكان مسجونًا لأكثر من سنتين: «السجن بيئة غير صحية، فيه آفات كثيرة تصيب النزيل، على رأسها الخطاب الذى يسمعه فى السجن، فخطاب الإخوان، مثلًا، يقوم على فكرة المظلومية، وأنّهم الجماعة التى تدافع عن الدين ضد كل من يحارب الإسلام، وأن كل ما يتعرضون له هو ظلم نتيجة مبادئهم وأهدافهم النقية التى لا يشوبها خطأ ولا عيب، باعتبارها من مبادئ الإسلام».
وبدوره، قال محمد طلبة، أحد شباب الإخوان الهارب خارج البلاد، وبالتحديد فى السودان، إن هناك عدة أسباب لانضمام الشباب إلى التنظيمات والجماعات المسلحة، الموجودة داخل أو خارج مصر، أهمها ما حدث بعد ٣٠ يونيو.
وأضاف: «كما تستخدم تنظيمات العنف الصريح بعض الشعارات التى تستخدمها الإخوان، كزعمها العمل على الثأر للشباب الذين قتلوا خلال عمليات مع قوات الأمن، وكفرها بخيار السلمية كحل للأزمة». وعن أعداد شباب الإخوان الذين قرروا الانجراف للتنظيمات الإرهابية، قال: «أكاد أجزم بأن أكثر من ٧٠٪ من شباب الإخوان داخل وخارج مصر، إما أن يكونوا قد انضموا أو يفكروا فى الانضمام إلى التنظيمات المسلحة».




خبراء: العنف من أدبيات الجماعة منذ عهد البنا
قال الباحث فى الحركات الإسلامية، أحمد بان، إن جماعة الإخوان تؤمن بما يعرف بـ«العنف المؤجل»، موضحا أنها كانت تنفى علاقتها بـ«التنظيم الخاص» و«تنظيم الفنية العسكرية»، رغم وجود صلات بين هذه التنظيمات والجماعة، وحتى الآن لم تعتذر عن أى عنف ارتكب لا قديما ولا حديثا.
وأضاف «بان»: «أدبيات الجماعة بداية من مؤسسها حسن البنا وهى تحمل أفكار استخدام القوة، دون وجود حسم فى هذه المسألة، فى ظل النفى المتكرر لعلاقة الإخوان بحوادث عنف منذ تأسيسها».
وتابع: «القيادى الإخوانى محمد كمال هو من أسس للعنف بعد عزل مرسى من الحكم، ولا تزال أصداء ذلك قائمة داخل جسد الإخوان، حتى إن محمود عزت بعدما تمكن بشكل كبير من السيطرة على مفاصل الجماعة، لم يتمكن من القضاء على فكرة حمل السلاح والعنف».
وقال الباحث فى شئون الحركات الإسلامية، هشام النجار، إن أرضية الجماعة كانت ممهدة للتحالف مع التنظيمات الأكثر تشددا وتكفيرا، موضحا: «خلال وجود الإخوان فى السلطة كان الطرح بأنها لن تستطيع الصمود والتعامل فى المشهد السياسى مع مؤسسات الدولة والمناورة السياسية إلا بوجود أذرع عسكرية من داخل الفصائل الجهادية معها، لمؤازرتها فى الانفراد بالسلطة ومواجهة الخصوم».
وأضاف «النجار»: «انضمام أعضاء من الإخوان لتنظيم داعش أتى فى وجود أرض ممهدة بالجماعة للتحالف مع فصائل أخرى تكون سندًا لها».