رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة المصرية «ست الستات» «2»

 

فى ٨ مارس سنة ١٩٧٥ قررت منظمة الأمم المتحدة الاحتفال باليوم الدولى للمرأة، وفى سنة ١٩٧٧ اختار أغلب دول العالم اليوم ده عشان يكون موعد الاحتفال بالمرأة، ليتحول ليوم المرأة العالمى، وبكده تحول لرمز نضال المرأة، وبقت نساء العالم بتخرج فيه للمطالبة بحقوقهم فى مظاهرات سلمية.

الاحتفال باليوم ده له تاريخ بيبدأ من نهاية القرن التسعتاشر وبالتحديد ١٨٥٦ لمّا خرجت آلاف الستات فى شوارع نيويورك للاحتجاج على ظروف العمل اللا إنسانية اللى كانوا بيجبروا عليها، ورغم أن الشرطة الأمريكية تدخلت واستخدمت كل أساليب العنف لتفريق المتظاهرات، فإن المسيرة نجحت فى دفع المسئولين السياسيين لطرح مشكلة المرأة العاملة على جداول أعمالهم.

وفى ٨ مارس ١٩٠٨ خرجت آلاف العاملات فى مصانع النسيج للتظاهر من جديد فى شوارع نيويورك وكانوا حاملين قطع من العيش الجاف وباقات من الورود فى خطوة رمزية لها دلالتها واختارت المتظاهرات شعار «خبز وورود» لحركتهم الاحتجاجية. 

طالبت المسيرة المرة دى بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح الستات حق الانتخاب. 

والوضع كده، كان وضع الستات فى مصر مش بعيد عن وضع الستات فى العالم عمومًا رغم اختلاف الظروف، فمن أكثر من ١٠٠ سنة بدأ نضال المرأة المصرية عشان تحصل على حقوقها، وتسجل فى تاريخ مصر مرحلة مضيئة وبداية كفاح دفعت فيه بعض الستات أرواحهم فعليًا فسقطت حميدة جليل اللى تعتبر أول شهيدة مصرية برصاصات الاحتلال الإنجليزى، بالإضافة لنعيمة عبدالحميد، وفاطمة محمود، ونعمات محمد، ويمنى صبيح اللى استشهدوا بعد كده.

ستات ضحوا بأرواحهم عشان نوصل دلوقتى فى بدايات القرن الواحد والعشرين نوثق حصولنا على حقوقنا الإنسانية والاجتماعية والسياسية، وبالتأكيد القيادة السياسية الحالية كانت وما زالت مساندة وداعمة وتدفع بإصرار تجاه تحسين أوضاع الستات وتعزيز قدرتهم على التحدى واجتياز الصعوبات، والأهم هو الدفع باتجاه المساواة الكاملة.

ورغم أن التاريخ النضالى للستات المصريات تم رصده خلال القرنين التمنتاشر والتسعتاشر، فخلينا نذكر هنا تاريخ كفاح الستات دول فى بدايات القرن العشرين، واللى بفضلهم حصلنا على بعض المكتسبات المهمة واللى تعتبر تأسيسية للبناء عليها. 

بدأ نضال المصريات للحصول على حقوقهم السياسية فى بداية القرن العشرين بعد خروج الستات للمشاركة فى ثورة ١٩١٩، واللى كانت مشاركتهم أساسية ومهمة لأنه لأول مرة تقتحم الستات المجال العام ويكون صوتهم مؤثرًا فى مسارات الأحداث خلال الوقت ده، وبالتالى مؤثر فى مصير الثورة ومصداقية المطالب وبالتالى نتائجها.

ومع إن مشاركة الستات فى ثورة ١٩١٩ كانت أساسية، إلا أن لجنة الثلاثين لتشكيل الدستور فى أبريل ١٩٢٢ تجاهلتهم تمامًا، وده ماكنش مفاجأة فى ظل عقلية نخبة رجعية رغم ادعائها التنوير.

لم تتراجع المصريات خطوة للوراء بعدما اكتسبوا مساحاتهم فى المجال العام، وبعدما أدركوا قوتهم وتأثيرهم، وعشان كده بدأوا الخطوات العملية للنضال، ففى ١٦ مارس ١٩٢٣، دعت «هدى شعراوى» لتأسيس أول «اتحاد نسائى» فى مصر، بهدف المساواة الكاملة وحصول الستات على حقوقهم السياسية والاجتماعية، ودعت لضرورة حصول البنات على حق التعليم العام فى جميع مراحله ولغاية التعليم الجامعى والأهم أنها دعت لإصلاح قوانين الزواج واللى ممكن نتكلم فى مقالات لاحقة عن وضع الستات فى القوانين عامة وقوانين الأسرة خاصة من زاوية تاريخية.

وبرغم الوضع الصعب، لأن كتير من المهتمين بالشأن العام فى الوقت ده اعتبروا مطالب «الاتحاد النسائى» بقيادة «هدى شعراوى» مستحيلة التحقيق واللى كان على رأس المطالب دى المساواة فى الحقوق السياسية والاجتماعية والتعليمية، إلا أن دايمًا النور بيشق طريقه مهما كانت العتمة مسيطرة، فبنلاقى سنة ١٩٢٤ اسم «منيرة ثابت» «١٩٠٦ - ١٩٦٧» كأول بنت مصرية تحصل على شهادة ليسانس الحقوق ويتم تسجيلها كأول محامية مصرية فى جدول المحامين أمام المحاكم المختلطة، وسنة ١٩٣٠ بدأ اسم «هيلانة سيدراوس» «١٩٠٤-١٩٩٨» يبزغ كأول طبيبة مصرية متفوقة على زملائها. 

وبدأ اسم «لطفية النادى» «١٩٠٧-٢٠٠٢» يسطع فى سماوات مصر كأول قائدة طائرة واللى فتحت الباب لستات كتير فتبعتها بنات مصريات كتير لاقتحام السماوات بطائراتهم زى «دينا الصاوى»، و«زهرة رجب»، و«نفيسة الغمراوى» و«بلانش فتوش»، و«عزيزة محرم» و«عايدة تكلا» و«عائشة عبدالمقصود» و«قدرية طليمات» و«ليلى مسعود» وأختها «لندا مسعود» اللى كانت بالإضافة لكونها قائدة طائرة، أصبحت أول معلمة طيران مصرية.

ورغم تفوق الستات المصريات فى مجالات كتيرة هنتكلم عنها لاحقًا، ورغم إصرارهم على الحصول على حقوقهم باستهداف العدالة الاجتماعية، إلا أن السلطات المصرية خلال الفترات دى لم تسمح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية كحق الانتخاب أو الترشح من وقت تأسيس الاتحاد النسائى سنة ١٩٢٣ ولغاية إقرار دستور ١٩٥٦ على الحق ده واللى تم بعد نضال كتير من الستات وعلى رأسهن يلمع اسم درية شفيق «١٩٠٨ – ١٩٧٥» اللى قادت سنة ١٩٥١ مظاهرة نسائية للمطالبة بالحقوق السياسية للستات، وكان فى المظاهرة دى ١٥٠٠ ست مصرية اللى دخلوا لمقر مجلس النواب المصرى وقتها بهدف إن المجلس ورئيسه ينظروا بجدية فى قضايا ومطالب المرأة المصرية، وتعتبر اللحظة دى لحظة تاريخية بالنسبة للحركة النسائية، لأن بعد أسبوع من المظاهرة عُرض على مجلس النواب قانون ينص على منح المرأة المصرية حق الانتخاب والترشح للبرلمان.‏

وبعد قيام الثورة سنة ١٩٥٢، طلبت «درية شفيق» من الحكومة تحويل اتحاد بنت النيل اللى كانت أسسته سنة ١٩٢٤- بالتوازى مع الاتحاد النسائى بقيادة هدى شعراوى- إلى حزب سياسى، فتم الأمر ليصير حزب اتحاد بنت النيل أول حزب نسائى سياسى فى مصر. وفى ١٩٥٦، أصبحت المرأة المصرية عضوة فى البرلمان بعد ما أقر الدستور حقها بالترشح، ومنحها الحق فى التصويت بانتخابات البرلمان.

وكانت «أمينة شكرى» و«راوية عطية» أول عضوتين فى البرلمان المصرى، لينفتح باب التاريخ ويسجل أسماء كثيرات من المصريات فى المجالات كلها، هنتناول سير البعض منهم اللى أشرقوا فنوروا سماوات مصرنا.