رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر وروسيا.. والأزمة الأوكرانية

آخر تطورات الأزمة الأوكرانية، تناولها الرئيسان المصرى والروسى، أمس، فى اتصال تليفونى، جدّد فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى تأكيده ضرورة تغليب لغة الحوار، مؤكدًا دعمه جميع المساعى الدبلوماسية التى من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا من أجل الحد من تدهور الموقف، والحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وأعرب عن استعداد مصر دعم هذا التوجه من خلال تحركاتها الحثيثة فى هذا الصدد، سواءً بشكل ثنائى، أو على الصعيد متعدد الأطراف.

الرئيس شدّد على متابعة مصر «باهتمام بالغ» التطورات الميدانية المتلاحقة، والأولوية القصوى التى توليها لسلامة وأمن مواطنيها الموجودين فى أوكرانيا، معربًا عن تقديره الإجراءات التى اتخذها الجانب الروسى لتيسير خروج المواطنين المصريين، وتطلعه إلى مواصلة توفير المساعدة الممكنة لهم، بما يضمن سلامتهم وأمنهم. كما تباحث الرئيسان، أيضًا، سبل تعزيز مختلف أطر التعاون الاستراتيجية بين البلدين الصديقين من خلال المشروعات المشتركة التنموية الجارية بينهما. وأكدا متانة علاقات التعاون المصرية الروسية التاريخية والراسخة فى مختلف المجالات، إلى جانب علاقات الصداقة على المستويين الرسمى والشعبى.

لا يزال الوضع، رغم مرور أسبوعين، يحمل قدرًا كبيرًا من الغموض بشأن إمكانية إنهاء الأزمة أو فيما يتعلق بتداعياتها الآخذة فى التصاعد. غير أننا لا نبالغ لو قلنا إن موقف مصر كان واضحًا، بدءًا من بيان الخارجية، الذى أكد أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، وصولًا إلى بيان مصر الشارح لتصويتها لصالح القرار، الذى اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بإدانة «العدوان على أوكرانيا»، الذى أشارت فيه إلى أن فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولى فى مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة، إنما تعتمد على تناول جميع الأزمات الدولية وفقًا لمعايير واحدة وثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق الأممى ومقاصده.

بمنتهى الوضوح قالت مصر إن البحث عن حل سياسى سريع لإنهاء الأزمة عبر الحوار بالطرق السلمية، ومن خلال دبلوماسية نشطة، يجب أن يظل نصب أعيننا جميعًا والهدف الأساسى للمجتمع الدولى بأسره، وطالبت بإتاحة الحيز السياسى الكفيل بتحقيق ذلك الهدف، دون غض الطرف عن بحث جذور ومسببات الأزمة، والتعامل معها. ومن منطلق التجارب السابقة، التى كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، رفضت مصر منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولى متعدد الأطراف.

تصف روسيا ما قامت به بأنه «عملية خاصة» لنزع سلاح أوكرانيا وعزل «النازيين الجدد». ومن بيان أصدره الكرملين، عرفنا أن الرئيس فلاديمير بوتين، أطلع الرئيس السيسى، خلال اتصال، أمس، على أسباب وأهداف تلك «العملية الخاصة» وسير المفاوضات مع الجانب الأوكرانى. كما أشار البيان إلى أن الرئيسين بحثا قضايا التطوير اللاحق للشراكة الاستراتيجية بين روسيا ومصر، بما فى ذلك سير تنفيذ المشاريع المشتركة الكبيرة فى قطاعى الطاقة النووية والإنتاج، وكذا التعاون الوثيق فى قطاعى السياحة والزراعة، واتفقا على استمرار الاتصالات على مختلف المستويات.

بوادر انفراجة بدأت تلوح فى الأفق. وبعد فشل الجولة الثالثة من المحادثات الروسية الأوكرانية، التى استضافتها بيلاروس، الإثنين الماضى، قال ديميترى بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، أمس، إن بلاده مهتمة بإجراء جولات مفاوضات جديدة فى أقرب وقت، رابطًا ذلك بمدى استعداد كييف. وبالمثل، أبدى الجانب الأوكرانى استعداده، وأكد ميخائيل بودولياك، مستشار الرئاسة الأوكرانية، أن رئيس بلاده مستعد لبحث أى قضايا سياسية مع روسيا. والكلام نفسه، قاله الرئيس الأوكرانى فى حوار مع قناة «ABC» الأمريكية، موضحًا أن بلاده لديها «حل ممكن»، أو حل وسط، للقضايا الخلافية المحورية الرئيسية. 

باختصار، لدى روسيا، مجموعة من المطالب، لإنهاء الأزمة بالطرق السلمية، أبرزها الاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم لروسيا، وباستقلال جمهوريتى دونيتسك ولوجانسك، وتخلى أوكرانيا عن فكرة انضمامها لحلف شمال الأطلسى. وبسؤاله عن موقفه من تلك المطالب، أو الشروط، قال الرئيس الأوكرانى إنه «مستعد للحوار»، وبدا واضحًا أنه تخلى بالفعل عن مسألة الانضمام للناتو. ما يعنى، بغض النظر عن أى تفاصيل مملة، أن الحل السياسى ممكن، لو توقفت الأطراف، التى أشعلت الأزمة، عن سكب مزيد من البنزين.