رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدى منصور.. قتيل التاريخ!

لم يكن الشاعر الكبير الراحل حمدي منصور بكيان شعري هامشي، كما كانت حالته الشخصية تشير إلى مثل ذلك باستمرار؛ فتغري من لا وعي لهم بتصديق الأمر.. كان فقط واحدًا من الذين أجادوا الغوص في أنفسهم، مستغنيًا بذلك عن العالم السطحي الغارق في الصراعات والتفاهات.. وهكذا بدا كأنه المنعزل عن محيطه، أو غير العابئ بما يجري حوله، ولم يكن كذلك قط، وإنما كان في قلب المشاهد، من ركنه البعيد في زاويته القصية، وكان مهتمًا بكل ما يدور بمحيطه، لكنه قليل الكلام مهما حدث، وتعابيره بسيطة الظاهر عميقة الباطن؛ فلا يفهمها الصغار المدعون! 
ماجد منصور الذي ولد في عام 1949 بمحافظة قنا؛ نسي اسمه الرسمي تقريبًا، كما نسيه الجميع، وغلب عليه اسم حمدي، تزوج مبكرًا بمدينته قنا، زوجه أخوه الشاعر الكبير عبد الرحيم منصور من سيدة أصيلة كريمة تعمل مثله في التربية والتعليم، مكث أكثر عمره ببلده، وأنجب أربع بنات، أكبرهن منى وأصغرهن شيماء، وبينهن منار، وأبرزهن الشاعرة والصحفية الرائعة مي.  
لدي يقين شخصي بأنه كان قتيلًا بمعنى ما، قتيلًا تاريخيًا نازفًا، تتجدد الطعنات فيه مع ظهور كل شمس وقمر.. وبالرغم من شعوره الفادح بالظلم ومعاناته البالغة معنويًا وماديًا؛ كان صبورًا، ولم تكن دمعته تبين إلا لعزيز، كم لفحتني حرارتها، ولكن الضحك كان أكبر صفحاته، الضحك المجلجل أحيانًا، وكانت المقاهي بمثابة حبيباته الأثيرات..
حارب حمدي منصور في أكتوبر، وأرخت قصائده للحرب تأريخًا إنسانيًا وعاطفيًا حميمًا نافذًا، صدر له ديوان "الولد"، في طبعة قديمة خاصة، و"ما على العاشق ملام" عن مشروع مكتبة الأسرة، وقد يكون كتب أكثر من ذلك بكثير، لكنه كان بخيلًا في قول الشعر وإبراز جديده لديه، لا يقوله إلا بعد إلحاح، ولا يبرز الجديد إلا ندرة، كان يكبره غالبًا فلا يخرجه بسهولة، وكان يستغني بالشعر عن الحديث بشأن الشعر، ومقدار حرصه على اقتناء دواوين الآخرين، كان يحجم عن نشر أعماله إحجام الزاهدين المدهشين، وكثيرًا ما كان يحفظها ولا يدونها، كأنه بالأساس يكتب في عقله لا الأوراق، والمؤسسة الثقافية كان يجب أن تلتفت إلى حالته الفريدة برعاية فريدة وتكريم نفيس! 
كتب الأغنية أيضًا، ولكن الوسط الفني الذي كان يعرفه حق المعرفة، من خلال أخيه الشاعر الذائع، لم يدنه منه ولم يحفل به، لا في حياة أخيه ولا بعده، ولا هو دنا من الوسط ولا حفل به؛ فظل حبيس الغيوب عاشقًا للقاهرة اللصيقة بروحه..
حوت مسرحيات ثقافة قنا جملة من أغانيه، في زمن بعيد، وغنى له صديقنا النجم محمد منير أغنية صغيرة يتيمة (خارج ألبوماته):
"صلِّت صلَّيت وراها
غنِّت غنَّيت معاها
صرخت كنت فـ حشاها
صبحت هيَّ العشيقة
وأنا العاشق هواها"
..