رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الديمقراطية الكندية فى خطر!

عنوان المقال، بدون علامة التعجب، استلفناه من صديقنا رياض جراد، الذى عرفناه متحدثًا رسميًا‏ باسم ‏الاتحاد العام لطلاب تونس، ونتابع الآن إطلالاته المبهجة على شاشة قناة التاسعة التونسية، كما نتابع أيضًا الحملة المسعورة، التى تشنها ضده «حركة النهضة» الإخوانية وأتباعها والمافيا المرتبطة بها. 

لا علاقة للأمر بخروج كندا من قائمة العشرة الأفضل فى تقرير «مؤشر الديمقراطية» لسنة ٢٠٢١، الصادر عن وحدة الأبحاث التابعة لمجموعة «إيكونوميست» البريطانية، EIU، لكنها كانت واحدة من الدول الصناعية السبع الكبرى، التى أعربت، منذ أيام قليلة، عن قلقها بشأن الديمقراطية فى تونس، فقرر رياض أن يرد بالمثل ويعرب هو الآخر عن قلقه إزاء قمع الحريات فى كندا، حين رآها تعلن حالة الطوارئ، لمواجهة احتجاجات «غير قانونيّة»، وتهدّد المحتجّين وسائقى الشاحنات، الذين أغلقوا المعابر الحيويّة، بتجميد حساباتهم البنكيّة.

انطلقت الاحتجاجات الكندية من العاصمة أوتاوا فى ٢٩ يناير الماضى، اعتراضًا على التدابير المتعلقة بمواجهة فيروس «كورونا المستجد»، ثم امتدت إلى مدن رئيسية أخرى، وأغلقت المعابر الحدودية مع الولايات المتحدة، وتوسعت مطالبها لتشمل إقالة الحكومة، التى تعاملت مع المحتجين بعنف متدرج، واعتقلت عددًا منهم، قبل أن يقرر جاستن ترودو إعلان حالة الطوارئ، فى اليوم الثامن عشر، ويا لسخرية القدر.

رئيس الوزراء الكندى، الذى فاز بولاية ثالثة فى سبتمبر الماضى، كان قد أعلن عن دعمه المزارعين فى الهند، عندما قطعوا الطرق الرئيسية المؤدية إلى نيودلهى، العام الماضى، وقال حينها إن بلاده ستدافع دائمًا عن حقوق المتظاهرين فى كل بقاع الأرض. كما قاطعت حكومته دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية «بكين ٢٠٢٠» بزعم انتهاك الصين حقوق الإنسان.. و.... و.... ومع ذلك كله، وبعيدًا عن تصريحاته، مزايداته أو متاجراته، الشبيهة والمتكررة، نرى أن إعلانه حالة الطوارئ كان ضروريًا، لوضع حد لتلك الاحتجاجات، التى شلت العاصمة، وشبكات التوريد، وأنهكت اقتصاد البلاد، الذى لم يتعاف بعد من تأثيرات الوباء. 

المفارقة، أن الولايات المتحدة طالبت كندا، علنًا، بقمع المحتجين. وطبقًا لما أعلنه البيت الأبيض، فى بيان، فقد عرضت الإدارة الأمريكية تقديم «الدعم الكامل» للسلطات الكندية، كما أشار البيان إلى أن عددًا من كبار المسئولين الأمريكيين فى وزارة الأمن الداخلى على اتصال منتظم مع نظرائهم الكنديين، وأكد أن إدارة جو بايدن «مستنفرة على مدار ٢٤ ساعة فى اليوم لوضع حد سريعًا» لتلك الأزمة التى تُعطل المصالح الأمريكية. 

المهم، هو أن قانون الطوارئ الكندى، الصادر سنة ١٩٨٨، يتيح للسلطات الكندية حظر التجمعات العامة ومصادرة الشاحنات وأى مركبات تغلق الطرق، وكل الممتلكات التى ترى أن مصادرتها ضرورية للسيطرة على الوضع. وفى مؤتمر صحفى، قالت كريستيا فريلاند، نائبة رئيس الوزراء، إن بإمكان السلطات تجميد الحسابات الشخصية لأى شخص مرتبط بالاحتجاجات، دون الحاجة إلى أمر قضائى. كما أشارت إلى توسيع قواعد «تمويل الإرهاب»، لتشمل العملات المشفرة ومنصات جمع الأموال عبر الإنترنت. 

لو سألتنى عن علاقة الاحتجاجات بالإرهاب، سأرد بـ«روح اسألها»، أو اسأل غيرها من المسئولين، الذين وصفوا المتظاهرين بأنهم إرهابيون، مع أن الإرهابيين الحقيقيين ينعمون برعاية وحماية السلطات الكندية، وسبق أن تم إيقاف مدرسة عن العمل، لأنها هاجمت تنظيمات إرهابية فى صفحتها على فيسبوك، كما قام المنتدى الدولى للمسرح، استجابة لطلب من بلدية كيبيك، بإلغاء عرض مسرحى للكاتب والمخرج البلجيكى إسماعيل سعيدى، يتناول بشكل ساخر رحلة ثلاثة إرهابيين شبان إلى سوريا بزعم الجهاد.

.. وتبقى الإشارة إلى أن كندا كانت إحدى الدول الموقعة على ذلك البيان العبثى، الذى قدمته فنلندا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بشأن انتهاكات مزعومة لحقوق الإنسان فى مصر، وشاركتها دول لا يعرف أحد مكانها على الخريطة، وأخرى يخرج المواطن فيها من بيته وتقل نسبة عودته حيًا عن الـ١٪: كوستاريكا، ليختنشتاين، ليتوانيا، لاتفيا، إستونيا، بلغاريا، الجبل الأسود، و.... و.... والبوسنة والهرسك، بلد منشأ الاختفاء القسرى، التى تأسست من أجلها لجنة دولية، لتحديد هوية ٤٠ ألفًا اختفوا فى ظروف مجهولة!