رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. شيماء سراج تكتب: الفرصة تأتى من العقبة

شيماء سراج
شيماء سراج

حينما تبحر فى حياة المشاهير، تجد أن حياة غالبيتهم العظمى لم تكن وردية، فأصحاب البصمات العالمية غالبًا ما تكون حياتهم بدأت بتحديات كبيرة على المستوى الشخصى وإذ ربما المجتمعى، وباستمرارية عملهم الدءوب ومحاولاتهم المستمرة تغلبوا على تلك الصعاب، ووصلوا إلى مكانتهم المتميزة ومنهم من نجح فى تغيير أنماط مجتمعية بأكملها.

ومن هؤلاء المؤثرين Jack Ma ، صاحب منصة «على بابا» الصينية الشهيرة، فإذا ما نظرنا إلى مسيرته سنجد أن الفشل أصابه عدة مرات، ولكنه استطاع باستمرارية المحاولة تحويل هذا الفشل إلى نجاح لا مثيل له، وعلى سبيل المثال على المستوى العلمى، نجد أن هارفارد رفضته حوالى عشر مرات، كما وصفوه بالجنون، نظرًا لأن أداءه مختلف، لينجح فى الحصول على درجة الدكتوراه بمجهوده، بالإضافة إلى حصوله على عدد من درجات الدكتوراه الفخرية، التى تتفاخر الجامعات بمنحها له.

وعلى المستوى العملى، فقد رفضته سلسلة محال شهيرة للعمل فى وظيفة جرسون، تلك الوظيفة التى تقدم لها ٢٤ شخصًا، ليتم قبول ٢٣ شخصًا للعمل فى تلك السلسلة، ويتم رفض Jack Ma، ليصبح هو الشخص الوحيد الذى يتم رفضه. ولم يقتصر الأمر عند ذلك فقد تم رفضه أيضًا للعمل فى مغسلة ملابس أحد الفنادق، ويتم قبول أحد أقاربه والسبب وسامته دون أى مهارات.

ليبدأ فى تجميع تلك الإخفاقات، وينظر إلى ما ورائها، والدافع فى وجودها، ليتيقن أنه من الممكن أن يكون الدافع هو رغبة الخالق فى أن يبدأ Jack Ma مسيرته الخاصة دون أن يكون تابعًا، لتصبح تلك التجارب الفاشلة قوة دفع له، ليبدأ أولى خطواته فى عالم التسويق الإلكترونى، وينجح فى تكوين إمبراطوريته الرائدة فى مجال التجارة الإلكترونية، وبتلك الخطوة ينجح فى خدمة الملايين من صغار المنتجين وأصحاب المشروعات الصغيرة فى الترويج والتسويق لمنتجاتهم، ليصل بها إلى مختلف دول العالم، وبمجهوده وصل إلى أن يصبح أغنى رجل فى الصين بثروة تتجاوز قيمتها ٦٥ مليار دولار، وتتزاحم مختلف البرامج واللقاءات التليفزيونية على إجراء مقابلات معه ليتساوى مع رؤساء أكبر دول العالم. 

وإذا ما نظرنا إلى النماذج النسائية المؤثرة عالميًا فأرى أن «غابريال كوكو شانيل» أو «كوكو شانيل»، إحدى أهم النساء المؤثرات فى توجهات عالم ريادة الأعمال واقتحام المرأة هذا المجال، وتغيير وجه صناعة الأزياء بصورة كاملة، تلك المرأة الفرنسية التى عشقت فن الأزياء، وحلمت بأن تقتحم عالم صناعة الموضة، بل تغيير الثقافة المجتمعية السائدة من عام ١٩١٠ وحتى عام ١٩٧١.

لتبدأ كوكو شانيل رحلة خلق الفرص، التى بدأتها بالاقتراض لتفتتح أول محالها التجارية فى باريس عام ١٩١٠، ولم تكن تتمتع بخبرة عمرية فقد كان عمرها ٢٧ عامًا، كما أنها لم تكن تتمتع بخبرة علمية أو عملية تذكر فى عالم المال، أضف إلى ذلك أن أسرتها كانت أسرة عادية، فلم تكن من الأسر الثرية أصحاب النفوذ آنذاك. فمجمل ما كانت تتمتع به هو خبرتها المتواضعة فى عالم حياكة الأزياء، التى اكتسبتها من خلال عملها فى إحدى ورش صناعة الأزياء، إلا أن حلمها وعملها الدءوب وإصرارها تغلبت على محدودية خبرتها وإمكاناتها الظاهرية المتوافرة، لتنجح فى تحقيق الأرباح وتسدد ما اقترضته، لتقترض مجددًا لتفتتح مشروعها الثانى وتعيد نجاحها، وتبدأ فى التفكير فى الدخول لعالم الأزياء، حيث رأت أن النساء فى حاجة إلى أزياء تساعدهن أكثر على الحركة والاستمتاع بالحياة عقب الحرب العالمية الأولى.

لتنجح فى تغيير توجهات الموضة الفرنسية والعالمية، ليس هذا فقط ولكنها غيّرت من توجهات المجتمع بأكمله لتسيطر ببساطتهاعلى عقول وقلوب شعوب، لتستمر خطواتها نحو اقتحام عالم المجوهرات والإكسسوارات والأحذية والحقائب ومستحضرات التجميل التى جعلت من اكتساب البشرة البرونزية سبيلًا تسعى له المرأة المرفهة، ووصولًا إلى اقتحامها عالم السينما، لتصبح أول امرأة تعمل فى مجال ريادة الأعمال وتخلق علامة تجارية باقية حتى الآن تتجاوز إيراداتها السنوية فقط ما قيمته ١١ مليار دولار، لتنجح شانيل فى خلق فرصها، وتنجح من خلالها فى تغيير توجهات مجتمعية، خلقتها أزياؤها وجميع منتجاتها، لتصبح وبجدارة من أهم ١٠٠ شخصية عالمية. وواحدة من أغنى وأنجح سيدات الأعمال التى عرفتها البشرية، إن لم تكن أنجحهن خلال القرن العشرين، ولمدة تجاوزت الستين عامًا، فجاءت تجربتها لتجسد المعنى الحقيقى لفن خلق الفرص الكامن فى رغبة تخطى العقبات.

وبتتبع حياة مشاهير العالم الأكثر تأثيرًا فى المجتمع، سنجد أن فلسفتهم الشخصية فى مواجهة عقبات الحياة، هى أنه من رحم المعاناة تولد الفرص، كما أنهم ينظرون إلى أن أى أخطاء قد تعترض طريقهم على أنها أول الطريق الحقيقى للوصول إلى المكاسب والعائد المستقبلى بخطواتهم ونجاحهم فى تخطيها، وبالتالى يعملون على تحويل عقباتهم إلى فرص وجب اقتناصها.