رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة The Godfather.. أسرار عن «الفيلم الأيقونة» قبل طرحه من جديد فى السينما

The Godfather
The Godfather

بعد نصف قرن من عرضه الأول، يترقب عشاق السينما، خلال الشهر المقبل، عودة الروح لفيلم «The Godfather» أو «الأب الروحى»، أحد أساطير الشاشة الفضية، بعدما تم الإعلان عن ترميمه وعرضه للجمهور فى دور السينما من جديد. وأعلنت شركة «Paramount Pictures»، منتصف يناير الجارى، أن فيلم «The Godfather» للمخرج فرانسيس فورد كوبولا سيعود إلى السينمات، فى الذكرى الخمسين لإطلاقه، وذلك لفترة محدودة وبشكل حصرى فى سينما «Dolby » ومسارح «AMC» بالولايات المتحدة، وعدد من المدن حول العالم، خلال فبراير المقبل.

وبعرض الفيلم يستعيد المشاهد الأداء الخرافى للراحل مارلون براندو، والدور الذى صنع أسطورة ممثل إيطالى ضئيل البنية، ظل يُعرَف بعد ذلك باسم «مايكل كورليونى»، حتى أثبت نجوميته وصار آل باتشينو.

فالفيلم لم يفقد زهوته أو شغف المشاهدين به، منذ عرض جزءه الأول فى دور العرض السينمائى بالولايات المتحدة، قبل نصف قرن، وتحديدًا فى عام ١٩٧٢، ثم استُكملت مسيرته بنفس الأبطال فى الجزءين الثانى والثالث، عامى ١٩٧٤ و١٩٩٠. ورغم استعداد صناع الفيلم الأيقونة لتصوير الجزء الرابع، خلال العام الجارى، لم تنته الحكايات عن أجزائه السابقة، التى نحاول استعادتها معًا فى السطور التالية.

إيطاليون رفضوا عرضه ثم وافقوا بشرط حذف كلمة «مافيا»

كان السبب الاول لتفضيل اسم فرانسيس فورد كوبولا لإخراج «The Godfather» هو صغر سنه، الذى لا يتيح له رفاهية الأجر المرتفع، فلن يدفع المنتجون للشاب صاحب الفيلم الوحيد «Rain People» نفس الأجر الذى يستحقه مخرجون آخرون كانوا مرشحين لإخراج الفيلم، مثل ريتشارد بروكس.

وكان «كوبولا»، ذو الأصول الإيطالية، هو الأفضل والأكثر ملاءمة لفيلم تدور أحداثه حول العصابات الإيطالية التى تستخدم مصطلح «العائلة» بدلًا من «المافيا»، خاصة مع تزايد الحملات المعارضة للعمل لأنه يتناول العالم السفلى للعصابات الإيطالية. وكانت رابطة الحقوق المدنية الإيطالية- الأمريكية هى الأنشط فى هذه المواجهة، ونظمت عدة احتجاجات ووقفات سلمية فى الميادين والحدائق، وجمعت تبرعات وصلت إلى نصف مليون دولار، من أجل وقف تصوير أو عرض الفيلم.

وعقدت الشركة المنتجة «Paramount Pictures» صفقة مع رئيس الرابطة، تسمح لها باستكمال إنتاجه، شريطة أن يتم حذف كلمة «مافيا» من سيناريو الفيلم كاملًا، واتضح بعد ذلك أن هذا المصطلح سيئ الذكر، الذى سبب استياء المعارضين، لم يكن فى الأصل موجود سوى مرة واحدة فقط، وتم حذفه. 

واستطاع مخرج العمل تحويل رجل عصابة حقيقى «مافيا كولمبو» إلى ممثل فى الفيلم، بعد أن كان يحضر التصوير مراقبًا، للتأكد من حذف المصطلح المشين المسمى بـ«مافيا» من نص السيناريو. رجل العصابة هذا هو لينى مونتانا، الذى لعب دور «لوكا برازى»، وكان مصارعًا محترفًا، لذا شعر بتوتر شديد أثناء وقوفه أمام أسطورة التمثيل مارلون براندو، خلال تصوير المشهد الشهير فى مكتبه، وخلال المشاهد الأخرى التى أسندها له «كوبولا».

وأقدم «كوبولا» على تأليف مشهد خاص لـ«لوكا»، يوضح من خلاله شخصيته المتوترة خلال مقابلة «براندو»، بأن وقف يكرر الجملة التى جاء من أجل أن يلقيها عليه، وبذلك بدا وكأن توتره هو جزء من الشخصية التى يجسدها، وليست بسبب انعدام خبراته فى الأداء التمثيلى. وكذلك فعل لإظهار طبيعة شخصيته المهزوزة والمتوترة، فى مشهد الزفاف، حيث جلس مقابل طاولة «مايكل» وصديقته التى لاحظت أن الرجل يتحدث إلى نفسه، فى أولى إشارات اضطرابه التى ركز عليها «كوبولا» وقتها، لتطغى على المشهد وتمر على المشاهدين باعتبارها تعكس طبيعة شخصيته فى الفيلم.

صناعه لم يقتنعوا بـ«آل باتشينو».. وأخضعوا مارلون براندو لـ«اختبار تمثيل»

حصل الجزء الأول من فيلم «The Godfather»، الصادر عام ١٩٧٢، على ١١ ترشيحًا لجائزة «الأوسكار» فى مختلف فروعها، وحصل من هذه الترشيحات على ٦ جوائز، هى أفضل فيلم، وأفضل سيناريو مقتبس- عن رواية ماريو بوتزو التى تحمل نفس الاسم- وأفضل ممثل من نصيب مارلون براندو، وأفضل ممثل مساعد، وأفضل مخرج، وأفضل موسيقى.

ورفض آل باتشينو جائزة «الأوسكار» كأفضل ممثل مساعد، معتبرًا أنه يستحق الحصول على جائزة أفضل ممثل دور رئيسى، نظرًا لأن مساحات ظهوره فى الفيلم كانت أكبر من مساحات «براندو» نفسه.

وبالرجوع إلى دور آل باتشينو «مايكل كورليونى»، نجد أنه من أفضل أدوار السينما العالمية، وجاء اختيار آل باتشينو لتقديمه على الرغم من عدم اقتناع منتجى الفيلم بموهبته من الأساس، وإن كانوا واثقين من أنه سيمثل انطلاقة عالمية لأى ممثل شاب.

وعلى الرغم من أن الشاب- وقتها- آل باتشينو لم يكن لديه أكثر من عمل واحد فقط، هو دوره فى فيلم «Panic In Needle Park»، إلا أن إصرار «كوبولا» عليه كان كبيرًا، حتى بعد تقديمه لأسوأ اختبار أداء من ضمن المرشحين.

وبدا ذلك السوء فى شحوب وجهه وارتباكه، إلا أن «كوبولا» أصر على اختياره، وبرر ذلك بأن «آل باتشينو لديه عينان يأسران المشاهد»، فى جملة خالدة كانت السبب فى صنع مسيرة الممثل الشاب وصعود نجمه.

ولم يكن مارلون براندو نفسه مرشحًا لدور «الدون فيتو كورليونى»، وذلك لسمعته السيئة بسبب تقلبات المزاج ودخوله فى مشادات مع زملائه أثناء التصوير، الأمر الذى سبب خسائر كبيرة لعدة شركات إنتاج، وإلغاء أيام تصوير عديدة خلال تجاربه السابقة، ما أدى إلى رفض المنتجين ترشيحه فى أفلامهم.

لكن «كوبولا» أصر مرة ثانية، وقرر إسناد هذا الدور التاريخى لـ«براندو»، فما كان من الشركة المنتجة سوى وضع شروطها للعمل معه وفق قوانينها، خاصة مع رفضها ترشيح أورسن ويلز، الذى وعد بفقد وزنه ليلائم الدور، بالإضافة لرفض لورنس أوليفييه.

وكانت هذه الشروط والقوانين قاسية للغاية، منها أن يخضع «براندو» لـ«اختبار تمثيل»، وهو الشرط الذى لم يكن يليق بممثل فى حجمه، كما أن الشرط الثانى كان أصعب، ويتمثل فى أنه إذا تم اختياره سيلعب دور «الدون فيتو كورليونى» مجانًا دون أى مقابل، فضلًا عن وضع شرط جزائى كتعويض حال وقوع أى مشكلة ناجمة عن سلوكه العدوانى الذى اشتهر به فى الوسط السينمائى أثناء تصوير أعماله السابقة.

ومما ذُكر فى كواليس الفيلم، على لسان «كوبولا» نفسه، عرف المخرج أن هذه الشروط المجحفة ستُقابل بالرفض من جانب «براندو»، لذا لجأ إلى التحايل عليه، وذلك بأن اشترى كاميرا محمولة وطلب من «براندو» شيئًا وهميًا أطلق عليه «اختبار ماكياج» ولم يسمه «اختبار أداء تمثيلى».

ولمزيد من منح «براندو» شعورًا بالارتياح والثقة، تم تسجيل هذا الفيديو فى منزله، وأسفر ذلك عن نتائج مبهرة لم يصدقها المنتجون، حتى أنهم شككوا فى كون الفيديو فعلا لـ«براندو»، ليسقطوا بعدها الشروط التى وضعوها فى عقد العمل، واستعانوا به، لحسن حظ السينما العالمية.

ورغبة منه فى إتقان دور «الدون كورليونى»، استعان «براندو» بدعامة أسنان على جانب فمه، كى تثقل لسانه وتبطئ من وتيرة حديثه، بالإضافة إلى مظهر الفك العريض الذى يشبه فك الكلاب الشرسة- حسب وصفه- ما أضفى مزيدًا من الغموض والرصانة فى ردود فعله طوال أحداث الفيلم.

رأس الحصان المذبوح حقيقى وقط «كورليونى» من الشارع

مَن منا لا يتذكر مشهد رأس الحصان، الذى تم قطعه بالفعل؟

رغم محاولات إقناع «كوبولا» بالاستعانة برأس حصان صناعى من صنع ديكور الفيلم، أصر على أن يكون رأس الحصان الذى وضع على فراش المنتج «والترز» حقيقيًا، فما كان من صناع الفيلم سوى الاستعانة برأس حصان ذُبح فى إحدى شركات تصنيع أغذية الحيوانات.

ومن كواليس تلك الملحمة السينمائية العظيمة أيضًا أن «كوبولا» تلقى اقتراحًا من أصدقائه بتقديم افتتاحية الفيلم على نمط وطريقة فيلمه الحربى الحائز على جوائز الأوسكار العديدة «Patton».

وبالفعل تم تصوير واحد من أعظم المشاهد الافتتاحية على الإطلاق، فيما يتعلق بالتصوير والحوار وبالطبع التمثيل أيضًا، وهو ما يؤكد صحة وجهة نظر المخرج حول الجزء الأهم من الافتتاحية القوية التى تدين السياسة الأمريكية والحروب فى فيلمه «patton». كما أن إدانة العنصرية فى افتتاحية «The Godfather» جاءت بمنتهى البساطة، وتلخصت فى أن «الدون كورليونى» لن يرفض طلبًا لأحدهم يوم زفاف ابنته، وكيف سيؤثر ذلك فى مجريات الأحداث. ولم يكتف بذلك، ولكن من أجل إضفاء نوع فريد من الحقيقة على أجواء الحفل، ترك الكاميرا تواصل التصوير خفية وسمح بالارتجال.

وفى مشهد الحانوتى الافتتاحى، واجه مهندسو الصوت مشكلة مواء القط الذى يجلس فى أحضان «دون كورليونى»، الذى يمكن سماعه فى خلفية المشهد بالفعل. وهذا القط هو نفس القط الذى عثر عليه «براندو» مشردًا بلا مأوى، فجعله أحد أعضاء فريق العمل لهذا الفيلم الأشهر فى تاريخ السينما.

وترشح فيلم «The Godfather» لـ٧ جوائز «جولدن جلوب»، وحصد منها ٥ بالفعل، كما ترشح لـ١١ جائزة «أوسكار»، حصد منها ٦ جوائز، فى فئات: أفضل فيلم، وأفضل ممثل مساعد، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو مقتبس، وأفضل موسيقى، بالإضافة إلى مئات الجوائز الأخرى على مدار تاريخه.