رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى ميلاد جمال عبد الناصر قاضٍ يكشف المستور في علاقته بالقضاة

المستشار محمد عبد
المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي

تحل ذكرى الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر يوم 15 يناير تحتفل فيه الأمة العربية بزعيمها الذي كان ملهماً لكل الثورات التي حررت الدول العربية والإفريقية من الاستعمار الغاشم، فقد ولد فى 15 يناير 1918 ورحل فى 28 سبتمبر 1970 وهو الرئيس الثانى لجمهورية مصر العربية منذ 25 يونيه 1956 حتى وفاته، وهو أحد أهم قادة ثورة 23 يوليو 1952 التى أنهت عصر الملكية لأسرة محمد على باشا وأخرهم الملك فاروق.

وكان الراحل جمال عبد الناصر شخصية كاريزمية عظيمة وترك تراثاً قوامه العزة والكرامة، ومن الملفات الشائكة علاقته بالقضاة إذ كان التاريخ قاسياً عليه بإعادة تعيين القضاة عام 1969 والتى عُرفت بمذبحة القضاة.

وبعد 52 عاماً على رحيله يكشف المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة فى شهادته، التي اختص بها “الدستور” عن المستور والمتسبب فى إفساد علاقته بالقضاة وأنه كان مظلوماً مما رماه خصومه بسهام الهجوم بعد رحيله.

قال المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة منذ شهر أثناء ترأسه لجنة المناقشة والحكم فى لرسالة الدكتوراه المقدمة من الباحث محمد الطواف بجامعة دمياط عن العلاقة بين القضاء والنظام السياسى المصرى فى أول شهادة من قاضٍ تنصف الرئيس جمال عبد الناصر فى علاقته بالقضاء.

وأكد أن عبد الناصر كان يعتبر القضاء صمام الأمان وعبر عن استقلاله بأعلى مستوى فنى فى بيان 30 مارس 1968، ووزير العدل كان سبباً مباشراً فى إفساد العلاقة بين مؤسسة الرئاسة وبين القضاة، وهو ما سجله سيد مرعى وتفاصيل ذلك هي:

 1-أن سبب أزمة ناصر مع القضاة 1969 ضعف المستوى السياسى للقانونيين المحيطين بالرئيس مما صدّر الأزمات.

2- هدى عبد الناصر حفظت للزعيم تراثه السياسي والأدبي  بكل موضوعية وتجرد وليست كوريثة تجمع عن مورثها.

3- أي رئيس يهتدي فى منهج الدولة بمواءمة سيادة القانون والأمن القومى بالخبرات القانونية المحيطة به التى يجب أن تستجمع بين علمى القانون والسياسة فتجعل بصيرته نافذة إلى الشعب بغير حجاب.

4- نقطة البداية الخاطئة أن عبد الناصر لم يرى في اشتراك القضاة بالاتحاد الاشتراكي خروجاً على استقلال القضاء ثم عاد عبد الناصر إلى النقطة الصحيحة بعد هزيمة 1967بعدم إشراك القضاء أو القوات المسلحة أو الشرطة.

5- جمال عبد الناصر أول رئيس عربى اقترح اشراف القضاة على الانتخابات والاستفتاءات في العصر الجمهوري.

6- الأزمة الحقيقية بلغت ذروتها بإصدار عبد الناصر القانون رقم 83 لسنة 1969 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية وهو ما قضت محكمة النقض بانعدامه ولا ألوم عبد الناصر بل ألوم وزير العدل وهو المنصب الذى يجب أن يتأهل صاحبه بالسياسة مع القانون.

7-عبد الناصر واجه تحديات كثيرة ضد الأمة المصرية وسلطاته الاستثنائية للحفاظ على الأمن القومى, والرئيس السيسى ربان سفينة الوطن يستطلع الأخطار فيتجنبها ويسلك السلامة والأمن للمواطنين.

وأضاف الدكتور محمد خفاجى شهادة للتاريخ أن الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر أثناء رده على استفسارات المؤتمر الوطنى للقوى الشعبية فى 4 يوليو 1962 كان مجلاً للسلطة القضائية بقوله "السلطة القضائية لها كل التقديس باعتبارها صمام الأمان فى البلد وهى تقوم بدورها بصورة تدعو إلى الافتخار والإعزاز "وفى كلمة الرئيس عبد الناصر التى ألقاها فى مجلس الأمة فى 30 أكتوبر 1954 قال:" القضاة هم الدرع الأخير فى الدولة ضد الاستبداد وضد الاضطهاد وضد الإستعمار، ويقع على عاتقهم الدفاع عن الحق ورفع راياته فى إطار تحقيق الثورة والدفاع عنها وتحقيق الإهداف الكبرى التى قامت من أجلها الثورة". 

وأشار "خفاجى" إلى أن الرئيس جمال عبد الناصر كان يفهم مبدأ استقلال القضاء على أعلى مستوى فني في الفهم الدستوري في الفكر الحديث بأن تعيين القضاة لا يعد تدخلاً في عمل القضاء لأنه يتوج اختيار القضاة بقرار جمهوري منه وليس في ذلك تدخل فى شئون القضاة أو القضايا، بقوله أمام الأمانة العامة للاتحاد الاشتراكي فى 12 ديسمبر 1964: "إن رئيس الجمهورية هو الذي يعين رؤساء المحاكم وله حق التوقيع على الحركة القضائية لاعتمادها وله أيضا ألا يعتمدها وكذلك فإن وزير العدل يعرض عليه هذا الموضوع، فهل معنى ذلك أن القضاء غير مستقل؟ إن استقلال القضاء مقصود به ألا نتدخل في حكم القاضي، وهذا هو استقلال القضاء وهو أساس التعامل بين الناس". 

وأوضح "خفاجى" أن نقطة البداية الخاطئة أن الرئيس جمال عبد الناصر رغم إدركه لاستقلال القضاء وعدم التدخل في شئون العدالة أو توجيه العدالة على وجه معين منذ قيام ثورة 23 يوليو 1952 لم ير فى الاتحاد الاشتراكي حزباً سياسياً بل عبارة عن تنظيم شامل يضم كل فئات الشعب وأنه أعلى سلطة فى البلاد تتفرع عنه باقي السلطات، ومن ثم لم ير عبد الناصر في اشتراك القضاة بالاتحاد الاشتراكى خروجاً على استقلال القضاء.

 وقد عاد الرئيس جمال عبد الناصر إلى النقطة الصحيحة بعد هزيمة 1967 وذلك من خلال بيان 30 مارس 1968 حيث أعلن عبد الناصر فى المؤتمر الشعبى بالمنصورة فى 18 إبريل 1968 عدم رغبته فى إشراك القضاء والجيش والشرطة في التنظيم السياسي بقوله: "لا نستطيع أن نحمل القضاء بعملية تكوين تنظيم سياسي بل لعلي أقول أنني لست ميالاً فى الوقت الحاضر لإشراك القضاء أو القوات المسلحة أو الشرطة  في التنظيم السياسي –إحنا بنعمل التنظيم السياسي ما بنروحش نقول للقضاء تعالى اعملنا التنظيم السياسي إحنا إللي حنعمل التنظيم السياسي والقضاء يمكن أن يشرف على عملية الاستفتاء وذلك دوره في كل الانتخابات تأكيداً لنزاهة عملية الانتخابات" ويعتبر الرئيس جمال عبد الناصر أول رئيس عربي في العصر الجمهوري اقترح إشراف القضاة على الانتخابات والاستفتاءات.

كما أضاف محمد خفاجى أن الأزمة الحقيقية بلغت ذروتها بإصدار الرئيس عبد الناصر فى 31 أغسطس 1969 القرار بقانون رقم 83 لسنة 1969 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية، وهو الذى قضت محكمة النقض بإنعدامه بركيزة من خروجه عن نطاق قانون التفويض رقم 15 لسنة 1967.

 وذلك فى الطلبات أرقام 21 لسنة 39 ق و23 لسنة 41 قضائية و 26 لسنة 41 قضائية "رجال القضاء" والرأى عندى أنى لا ألوم الرئيس جمال عبد الناصر بل ألوم ضعف المستوى السياسى للقانونيين الذين استعان بهم الرئيس عبد الناصر خاصة منصب وزير العدل فهو المنصب الذى يجب أن يتأهل صاحبه إلى استجماع علمين معاً هما علم القانون وعلم السياسة، فلا غناء لأحدهما عن الأخر.

 وقد أثبتت التجربة أن سبب الأزمة بين الرئيس جمال عبد الناصر وبين القضاة هو وزير العدل حينذاك حتى قيل فى ذلك الوقت أن وزير العدل كان سبباً مباشراً فى إفساد العلاقة بين مؤسسة الرئاسة فى عهد عبد الناصر وبين القضاة، وهذا ما سجله سيد مرعى من قوله " بأنه لاحظ  أن الرئيس عبد الناصر غير مستريح للمعلومات التى أدلى بها وزير العدل حينذاك عن القضاة".

ولا ريب لدينا أن الرئيس - أي رئيس – إنما يهتدي في منهج الدولة القائم على مبدأ سيادة القانون مع الحفاظ على عناصر الأمن القومي من الخبرات القانونية التى تمده بأصول العدالة يجب أن تستجمع بين كفتيها القانون من ناحية والسياسة من ناحية أخرى، فتجعل بصيرته نافذة إلى الشعب بغير حجاب. 

وسجل الدكتور محمد خفاجى، أنه يجب توجيه التحية والتقدير للدكتورة هدى جمال عبد الناصر لأنها قامت بعمل عظيم للأجيالإذ حفظت عن الزعيم جمال عبد الناصر جميع خُطبه للشعب وتصريحاته السياسية فى مجموعة كاملة وهى التى تضمنها فكر الرئاسة فى تلك الحقبة المهمة من تاريخ بلادنا حتى أصبحت موئلاً ينهل الباحثون من عظيم عملها، مادة تتضمن المصادر والتحليل والتفسير والتأصيل في رسائل الدكتوراه كالرسالة الماثلة.

وأن الدكتورة هدى عبد الناصر لم تقم بهذا العمل باعتبارها إبنة لوالدها أو بمركزها الشخصى داخل الأسرة كحالة مدنية أو عائلية، وإنما قامت بهذا العمل الكبير بما يحفظ تراث الزعيم، وكتبته بروح الإنصاف وبكل موضوعية وتجرد، وليست كوريثة تجمع عن مورثها تراثه الأدبي والسياسي.

وذكر الفقيه خفاجى أن الرئيس خالد الذكر جمال عبد الناصر واجه تحديات ومخاطر كثيرة ضد الأمة المصرية، فقد واجه مشاكل ناجمة من أثار الاحتلال البريطانى كما واجه التحدى مع إسرائيل المستظلة بحماية أكبر قوى في العالم أمريكا، وواجه الثورات المضادة، وواجه جماعة الإخوان الإرهابية وواجه الإقطاع، لذا أُنِشأت محاكم أمن الدولة لتكون حكمًا يحفظ للبلاد أمنها من جرائم العدوان على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وأعلن حالة الطوارئ بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1967 وهي التي أُعلنت من قبل منذ حريق القاهرة فى 26 يناير 1952 ثم أُلغيت.

واستطرد أن سلطات الرئيس جمال عبد الناصر الاستثنائية لإعلان حالة الطوارئ كانت للحفاظ على الأمن القومي للأمة المصرية، وهي سلطة منظمة فى معظم الدساتير الحديثة والعبرة بحسن تطبيقها، وقد أخذ بها دستور 2014 فى المادة 154 منه بتنظيم محكم وأحاطه الدستور بالعديد من الضمانات حيث منحت رئيس الجمهورية ألحق في أن يعلن حالة الطوارئ، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه، وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورا للعرض عليه. 

وفي جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. وإذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ.

واختتم  "خفاجى" أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قرر إنهاء حالة الطوارئ نظراً لما تمتعت به البلاد من استقرار وما حققته ومازلت من تنمية اقتضت توافير مناخ يتناسب مع هذا التقدم، وليس معنى ذلك أن الرئيس يُحرم من استخدام سلطاته فى اعلان حالة الطوارئ، بل تظل له هذه السلطة الدستورية إذا ما حدث ما يهدد أمن البلاد أو استقرارها، فهو ربان سفينة الوطن يستطلع الأخطار فيتجنبها ويسلك السلامة والأمن للمواطنين.