رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مصر وعراق صدام حسين».. سنوات الدعم والأخوة

كتاب «مصر وعراق صدام
كتاب «مصر وعراق صدام حسين»

صدر مؤخرًا كتاب "مصر وعراق صدام حسين"، للسفير سيد أبوزيد، مساعد وزير الخارجية السابق للشئون العربية والشرق الأوسط.

ويقع الكتاب، الصادر عن دار "الشروق" للنشر والتوزيع، والذى يُصنف ضمن كتب المذكرات، فى ٢٦٣ صفحة، ويضم مقدمة و٦ فصول، حملت عناوين: "فى البدء كان العراق"، و"فى عاصمة الرشيد"، و"حكم البعث.. ثنائية البكر- صدام حسين"، و"عودة للعراق فى ظروف أصعب"، و"من يزرع الريح يحصد العاصفة"، و"نظرة مستقبلية"، بالإضافة إلى ملحق للصور.

وحسب المقدمة، فإن هذا الكتاب يتناول قصة العراق بوجه عام، وإن كان قد سلط أكثر الضوء على الفترة التى ظهر فيها الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين على المسرح السياسى، إلى أن تولى زمام الأمور فيها بصورة كاملة دون منازع، حتى انتهاء عهده بصورة مأساوية، والآثار المترتبة على ذلك بوضع العراق فى قالب جديد يختلف تمامًا عما قبله، وموقف مصر من كل هذه التطورات وتأثيرها على العلاقات التى جمعت البلدين منذ فجر التاريخ.

كان السفير سيد أبوزيد يتابع تلك الأحداث بكل اهتمام، من واقع قربه من الشئون العربية منذ اللحظة الأولى لانضمامه لوزارة الخارجية، ومن واقع دراساته الجغرافية والتاريخية، ومن واقع عمله مرتين على أرض العراق فى فترتى الستينيات والسبعينيات، ملحقًا بالسفارة أول مرة، وبقائه هناك حوالى ٦ سنوات، وسفيرًا فى المرة الثانية قبيل غزو "صدام" للكويت.

وعن أهمية الكتاب، قال: "تكمن فى أهمية العراق ذاته، وحيوية العلاقات المصرية العراقية، خاصة من الجانب الاستراتيجى، بالإضافة لما يمكن أن تصب فيه العلاقات فى مختلف المجالات بين بلدين وضح عبر التاريخ عمق المصلحة المشتركة وفائدتها لهما سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا".

وأضاف: "يكفى أن نشير إلى أنها كانت ولسنوات مقصدًا لعمالة مصرية كثيفة وصلت أعدادها إلى الملايين، ووجدت فى العراق ترحابًا ووجدت فيه ملاذًا آمنًا، فى الوقت الذى كان فيه العراق يعوذه من يحمل عبء العمل الداخلى عندما كان يخوض حربًا ضروسًا شاركت فيها كل قواه البشرية".

وخلال صفحات الكتاب؛ يقول السفير سيد أبوزيد، إنه تجول فى أكثر من دولة عربية وأوروبية وإفريقية، وأكثرها قربًا إلى قلبه كانت فترة عمله فى العراق، رغم مناخه القارى الحاد بين الصقيع القارس فى الشتاء والحرارة الشديدة فى الصيف، وأوضاعه السياسية المتقلبة، بصورة دموية فى أغلب الأحيان، وتعدد الأجناس والمذاهب والألسنة، وهو الانطباع الذى يحمله أغلب من عمل به.

واستطرد: "الشخصية العراقية بوجه عام حادة المواقف والعواطف، تحب أو تكره إلى أقصى الحدود، ويضيق العراقى بالمواقف المهادنة والمساومة إلا إذا اضطر إلى ذلك اضطرارًا، فيقف جامدًا وهو كظيم إلى أن يجد الفرصة للتعبير عن مشاعره ومواقفه الحقيقية، وهو فى علاقاته الشخصية والعامة على استعداد لأن يقدم حياته دون تردد لمن يحمل له صداقة حقيقية، يتحمل أقصى الضغوط والتضحيات، ولكنه لا ينسى ما حدث له مهما طالت المدة، ولهذا فهو يفرز بدقة أعداءه من أصدقائه".

وأشار مؤلف الكتاب إلى أن إيمانه لا يتزعزع بأن العراق سيقف فى النهاية على قدميه، فدول الحضارة مهما يمر بها من مصائب ومحن، فإن نواة الأصالة والعراقة فيها لا تنكسر، وإنما تظل على صلابتها لكى تجد الفرصة لتشع من جديد. 

وتابع: 'وأقرب دليل على صحة هذه المقولة بلدنا مصر، الذى تعاقبت عليه المحن منذ سقوط آخر أسرة فرعونية مع الاحتلال اليونانى قبل الميلاد، وتوالت عصور الطغيان الأجنبى كل هذا الزمن إلى أن عاد إليه الحكم الوطنى، وتولى المصريون زمام أمورهم".

وتطرق السفير سيد أبوزيد إلى العراق والنكسة فى مصر عام ١٩٦٧، قائلًا: "كان للهزيمة العسكرية وقع الصاعقة علينا فى العراق، إذ لم تكن لها مقدمات، بل على العكس من ذلك، فقد كانت المعلومات التى قيلت لنا من كبار القادة العسكريين المصريين الذين كانوا يزورون العراق قبل الحرب، إن إسرائيل سوف تقع فى شر أعمالها لو حاولت التحرش بمصر، ومن بينهم قائد القوات الجوية الفريق صدقى محمود، الذى كان فى زيارة لبغداد قبل نشوب الحرب".

وأكمل: "لم تكن الهزيمة احتمالًا واردًا، ولم تكن عقولنا تقبل إمكانية حدوثها، ولهذا لم نكن نصدق ما تردده الإذاعات الأجنبية عن مجريات الحرب، بل كنا نرفض مجرد الاستماع إليها، وكانت ردودنا على الاستفسارات التى كانت تنهال علينا من الأصدقاء العراقيين مشوبة بالتفاؤل، خاصة بعد أن وردت رسالة إلى القيادة العراقية من القاهرة فى نهاية اليوم الثالث للقتال بأن تراجعنا فى سيناء هو عمل تكتيكى يستهدف إدخال القوات الإسرائيلية فى مصيدة مدبرة لها على مسرح العمليات".

وعن صعود "صدام" إلى السلطة، أشار السفير سيد أبوزيد إلى أنه وفى منتصف عام ١٩٦٨، جمعت السلطة العراقية بين نقيضين؛ أحمد حسن البكر رئيسًا وصدام حسين نائبًا، وأوضح: "الأول كان كهلًا سبقت له تجربة قاسية خاضها حزب البعث، تولى فيها (البكر) رئاسة الحكومة فى فبراير ٦٣، وفشل الحزب فى الحفاظ على السلطة، وسقط بعدها بتسعة أشهر، حنكته الخبرة البعثية وتجارب الأمر الواقع، فكان يتعامل بهدوء مع مختلف الصعوبات التى واجهتهم فى البداية، ويبدو متسامحًا أحيانًا مع الخصوم السياسيين إذا وجد نتيجة مرجوة بتقريبهم أو تحييدهم، ولكنه يضرب بكل قسوة وعنف إذ تطلب الأمر ذلك".

وأضاف: "كان صدام يمثل القبضة الحديدية الباطشة بخصومه، وكان أيامها شابًا (عمره ٣١ عامًا) يملؤه الطموح والثقة فى أن يصل فى النهاية إلى مبتغاه بالاستئثار بالحكم، لهذا بدأ فى التخلص من خصوم النظام، خاصة قادة الكتائب الذين ساعدوه فى البداية على الانقلاب على عبدالرحمن عارف، (الرئيس العراقى الأسبق)، واتخذ مقرًا منفصلًا فى المجلس الوطنى يجمع فيه أنصاره وأدواته بدعوى حماية القياديين بالحزب، واتخذ صدام من قصر النهاية معتقلًا لخصوم الحزب من جميع الاتجاهات؛ حيث يخضعون لأقسى صنوف التعذيب؛ لانتزاع اعترافاتهم أو مجرد التنكيل بهم والتخلص منهم".

وتابع: "عمد صدام إلى اتخاذ موقف مهادن فى السنوات الأولى، والتقرب إلى البكر إلى الدرجة التى كان الأخير يعلن أن صدام بمثابة ابنه الذى يعتمد عليه، ذلك أن صلة القربى العشائرية بينهما، ومساعى (خيرالله طلفاح)، خال صدام، قد أتاحا له التدرج جزئيًا من عضو فى المكتب الفلاحى إلى أن يشغل منصب أمين سر القيادة القطرية، ووقف البكر مساندًا لترشيحه لهذا المنصب، وكان كثيرًا ما يتغاضى عن الانتقادات التى توجه لصدام من أعضاء القيادة".. هكذا أوضح مؤلف الكتاب.

كما أشار إلى دور العراق الرئيسى فى تحريك الموقف العربى لتجميد عضوية مصر بالجامعة العربية، ونقل مقرها إلى تونس، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، إذ اتخذ العراق موقفًا متشددًا من مصر، وقاد عمليًا مجموعة الدول العربية التى سميت بـ"جبهة الرفض"، وضمت العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن وفلسطين.

وبين أن تلك الجبهة كانت تعارض بشدة كل الخطوات التى قامت بها مصر، سواء الزيارة التى قام بها السادات لإسرائيل عام ١٩٧٧، أو توقيع إطار السلام فى كامب ديفيد عام ١٩٧٨، وصولًا إلى عقد معاهدة السلام فى واشنطن عام ١٩٧٩، وكانت بغداد مقرًا للاجتماعات التى انتهت إلى تلك القرارات الهادفة إلى عقاب مصر لخروجها عن الإجماع العربى، وعقدها سلامًا منفردًا مع إسرائيل، ونقل مقر جامعة الدول العربية بالفعل من القاهرة إلى تونس، رغم أن ميثاق الجامعة قد نص على أن يكون المقر بالقاهرة.

وذكر أن انفراد صدام حسين بالسلطة المطلقة رسميًا وحزبيًا كان أمرًا طبيعيًا عام ١٩٧٩، بعد أن جمع كل خيوطها فى يده، وبعد أن أصبح يسيطر على الوزارات المختلفة والجيش والمخابرات العامة والحزب، وجهاز "حنين" الذى شكله لحماية كبار المسئولين، وكان فى الحقيقة جهازًا للمراقبة والسيطرة عليهم، ولم يبق سوى أن يعقد اجتماعًا عاصفًا مع "البكر" فى مكتبه يطالبه بالاعتزال، وكان الأخير قبلها يشكو لخلصائه أنه قد أصبح أسيرًا لدى صدام لا يملك من أمره شيئًا.

وبعد إقالة "البكر"، يروى السفير سيد أبوزيد أن صدام حسين شدد قبضته على العراق، مع القضاء على أى مراكز للقوى مهما ضأل شأنها، وشنت بغداد حربها على العديد من الدول من بينها إيران، وخرج العراق من هذه الحرب مستنزفًا من الناحية المادية، ومثقلًا بالديون للعديد من الدول الأجنبية، ورغم أن عضوية مصر أيامها بالجامعة العربية كانت مجمدة، إلا أن مصر ساندت العراق فى حربه.

وأكد مؤلف الكتاب، أن هذا الموقف المصرى النبيل ومسارعتها إلى دعم العراق الشقيق؛ للحفاظ على التراث العراقى كان من العوامل المساعدة على التعجيل بإعادة عضوية مصر إلى الجامعة العربية، والعلاقات العربية المصرية إلى طبيعتها حتى قبل أن تضع الحرب أوزارها.