رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نبأ الديانة الإبراهيمية الجديدة

هناك حديث متواصل حاليا عن ديانة إبراهيمية جديدة، ديانة يرفضها الأزهر الشريف وتأباها الكنيسة المصرية، تجمع بين الديانات الإبراهيمية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام)؛ فلا يبقى بعدها تعدد ديني، وصحيح أن ذلك يمحو مضمون اختيار الإنسان دينه واستقلاله به، لكنه، فيما يقال، كفيل بالقضاء التدريجي على الخلافات الناشئة بسبب التباينات العقدية؛ لأنه سوف يكون سلاما يضم الخرائط تحت لوائه، لوائه الواحد إذا اشترط توحدا سياسيا لينفذ في الأمم، وغالبا سيشترطه!
من يتحدثون بإيجابية عن الموضوع، يتحدثون عن وفاق بعد شقاق، وهذا المعنى وديع وجذاب طبعا، لكن وراء الأكمة ما وراءها في الأغلب.. فالرافضون، وهم الأكثرية المتنبهة، يتحدثون عن قدامة الموضوع، وعن إصرار خطاب الدبلوماسية العالمية عليه مجددا، وعن مراكز بحثية وجامعات، في أمريكا وإسرائيل تحديدا، تشتمل أدبياتها على الفكرة وتبشر بها وتدعو إليها..
تكشف الباحثة الجادة هبة جمال الدين محمد العزب كثيرا من الأمور الخافية في كتابها البحثي المهم "الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي- المخطط الاستعماري للقرن الجديد".. ويمكن الرجوع للكتاب الوافي شديد الأهمية.
مع الوقت، قد يؤمن كثيرون في العالم بأهمية توحيد الأديان السماوية الثلاثة، أي جعلها دينا واحدا، فيه من كل دين ما فيه من العموميات التي لا تسبب مشكلات فقهية تفضي إلى تضارب ما، ولا تسبب من ثم أزمات وعقدا.. (هكذا المذاع، والمسكوت عنه أكل القوي للضعيف إلى العظام بموجب ذلك) ولكي يصل العالم إلى تلك النقطة، نقطة الإيمان بالفكرة المريبة المطروحة؛ فإن أحداثا خطيرة للغاية يمكن أن تجري فيه، في دول شرقه بالذات، المنطقة الأصعب لأنها مهبط الأديان، وناسها هم الأكثر تمسكا بأديانهم ولو شكليا.. أعني قد يجري إرهاب جديد باسم الإسلام، يقوم بصناعته الراغبون في مزج الأديان لا الإرهابيون التقليديون، لإشعار البشرية بأن موضوع تباعد الأديان له قلاقله، وإرغامهم على قبول الفكرة المستحيلة.
على العرب أن يكونوا مستعدين لأحداث سيئة متوقعة، وعلى وطننا العزيز أن 
يتأهب لمثل تلك الملمات، لدينا ميزة الإحساس بالمصائب الشديدة قبل وقوعها، لكن لا مجال للاستهتار وعدم الجدية منذ الآن!
الضربات الإرهابية المصنوعة أحد السيناريوهات لا كلها، وباب التخمينات مفتوح للمحللين السياسيين، لكن على البلدان جميعها أن تكون جاهزة لكل الاحتمالات، ما دام المسخ ظهر، وعلينا الوجود في المقدمة؛ لأننا تحت المجهر ومحل الأطماع منذ الأزل..
لقد تصورت قوى عالمية عاتية، أيا كانت، أن حل مشكلاتها الخاصة يكمن في تضييق الأديان، مشكلاتها التي هي نتيجة رغباتها الوحشية وحدها، كأنها ساحر كان يلعب ببرتقالات ثلاث، لكنه لا يقوى على إحكام اللعب، فقرر اللعب بواحدة ليضمن السيطرة، غير أنه فقد بريقه، وعرض نفسه لغضب الجماهير التي لا تقبل الخداع، ولا تستريح إلى التلاعب اللعين بمصائرها!