رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمثال الشعبية المصرية والروسية

الأمثال جزء لامع من التراث الشعبى الشفهى للأمم، تتجسد فيها خلاصة تجارب الأمة التاريخية والاجتماعية والفردية بإيجاز ودقة، وفى صياغة فنية تمكنها من الانتشار والرسوخ جيلًا بعد جيل.. ومع أن لكل قومية خصائصها الثقافية، بل والنفسية، إلا أن قسمًا ضخمًا من الأمثال يتجاوز ذلك إلى القاسم المشترك بين التجارب البشرية، فترى نفس الأمثال أحيانًا بنفس الكلمات فى التراثين المصرى والروسى، ما يجعلنا نكتشف الصلة التى تربط الشعبين وجدانيًا وفكريًا، رغم بُعد المسافات واختلاف الطقس واللغة. 

فى هذا المجال قام د. ضياء نافع، أحد رواد الترجمة الكبار، بنشر «معجم الأمثال الشعبية الروسية»، الذى ضم الأمثال بالروسية ومترجمة إلى العربية، وعندما تقرأ ذلك المعجم تتبين تلك القواسم المشتركة بين البشر، وخبراتهم، وتثق أن الإنسان هو نفس الإنسان أينما كان. 

يقول المثل الروسى: «إذا عشقت اعشق ملكة وإذا سرقت اسرق مليونًا»، ونظيره عندنا: «إذا عشقت اعشق قمر، وإذا سرقت اسرق جمل»، وهنا ستجد أن الفكرة واحدة لدى الثقافتين، ألا وهى على الإنسان أن يتطلع فقط إلى الأفضل والأجمل إذا أحب وحتى إذا سرق، وفى الوقت ذاته فإن الفكرة المشتركة تظهر اختلاف الظروف التاريخية لمجتمع يقدر الثروة بالعملة النقدية، ومجتمع يقدر الثروة بالجمل، لكن الخلاصة الفكرية واحدة. 

يقول المثل الروسى: «بطن الجوعان صماء» ويقابله عندنا بنفس المعنى: «الجوع كافر».. يقولون فى روسيا: «يعمل من الذبابة فيلًا» ويقابله عندنا: «يعمل من الحبة قبة».. يقولون: «إذا ركضت وراء أرنبين فلن تصطاد أيًا منهما»، وعندنا: «صاحب بالين كذاب».. يقولون: «حتى فى الشمس ستجد بقعة»، وعندنا: «الحلو ما يكملش».. يقولون: «أحيانًا تكون الكلمة أسوأ من رمية سهم»، وعندنا: «عضة أسنان ولا جرح من اللسان».. أخيرًا يقولون: «الدم ليس ماء والقلب ليس حجرًا» ويقابله عندنا: «عمر الدم ما يصبح ميّة».

ولست مطلعًا على الأمثال الشعبية لدى شعوب أخرى، لكنى أتخيل أنها ستحتوى على قواسم مشتركة مع الأمثال الشعبية الروسية والعربية والمصرية، لأن هناك ملامح عامة فى رحلة تطور البشرية وصراعها فى مواجهة الطبيعة والأنظمة الحاكمة والنفوس البشرية والأطماع والأهواء.. هناك شىء مشترك يجسده الأدب، والتراث الشعبى لكل أمة فى رحلة تأثره وتأثيره فى ثقافة الشعوب الأخرى.. فى مصر لم ينتبه أحد إلى أهمية الأمثال الشعبية المصرية قبل أحمد تيمور باشا، أعظم من ظهر فى العائلة التيمورية التى تركت أثرًا بالغ الأهمية فى الثقافة المصرية، أخته عائشة التيمورية الشاعرة، وابنه محمد تيمور رائد القصة القصيرة ومؤلف أوبريت «العشرة الطيبة» لسيد درويش، وابنه الثانى محمود تيمور القاص. 

وبالرغم من أن أحمد تيمور باشا كان من الأعيان والأثرياء إلا أنه صب اهتمامه كله على الجانب الشعبى من الثقافة، فترك العديد من الكتب فى هذا المجال، منها قاموس الكلمات العامية فى ستة أجزاء، ثم «الأمثال العامية المصرية» الذى نشر فقط عام ١٩٤٩ بعد وفاته بنحو عشرين عامًا.. وسوف تدهشك الأمثال التى جمعها الباشا لأن بعضها اختفى من الحياة، وبعضها تطورت صياغته ليصبح أسهل، ومعظمها ما زلنا نردده إلى اليوم، مثل: «اتدلعى يا عوجة فى السنين السودة»، والمثل القائل: «آخد ابن عمى وأتغطى بكمى»، و«آخر الزمر طيط» ويضرب للعمل الذى ينتهى دون نتيجة مثلما ينتهى الزمر بالصوت «طيط» ويذهب الصوت أدراج الرياح.