رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرواية التي كتبها رفعت السعيد منذ 16 عاما

شكرى مصطفى الإرهابى الذى تربى فى أحضان الإخوان «1».. أسرار عملية اغتيال الشيخ الذهبى باسم الإسلام

شكرى مصطفى
شكرى مصطفى

مؤسس التنظيم تعلم على يد «القطبيين» فى السجن.. ورفض تأييد عبدالناصر مقابل الإفراج عنه

أنشأ الجماعة فى المنيا وأسيوط.. درب عناصرها فى معسكرات قتالية.. وانتشر داخل الجامعات 

شكرى كان منبوذًا من الإخوان لأنه كان يستخف بخوفهم من التصادم مع حراس السجن

فؤاد علام ذكر أنه يوم وفاة عبدالناصر لم يكن فى السجون من أعضاء الجماعات الدينية سوى ١١٨ فقط

كان «شكرى» يدعو أتباعه عند الحاجة إلى «العزلة الشعورية»

لن تقدر على مواجهة الثعابين وهزيمتها إلا بالدخول إلى أعمق نقطة فى جحورها.. هناك ستعرف حركاتها.. طرق خداعها.. كيف حتى أن بعضها يتظاهر بالموت المحقق، وهو ينتظر فرصة سانحة للقضاء عليك.. حتى إن أصابتك لدغاتها، لن تُشفى إلا بمصل يُستخرج من سمومها.

حقائق آمن بها المفكر الكبير الراحل رفعت السعيد، رئيس حزب «التجمع» السابق، من خلال مؤلفاته العديدة التى شَرحَ من خلالها تنظيمات «المتأسلمين» بمختلف أنواعها، سواء ما تُسمى «تيارات الإسلام السياسى»، أو الحركات الجهادية.

من بين هذه المؤلفات كتاب «المتأسلمون .. الآتون من عباءة الإخوان»، الذى استعرض «رفعت» خلال أحد فصوله قصة شكرى مصطفى، مؤسس ما عرف باسم تنظيم أو جماعة «التكفير والهجرة»، بداية من أفكاره التى تأسست داخل السجن، مرورًا بتأسيس التنظيم وانتشاره فى الصعيد والجامعات، وصولًا إلى ما يمكن اعتباره ذروة نشاطاته المتمثلة فى اختطاف واغتيال الشيخ محمد حسين الذهبى، وزير الأوقاف، فى الثالث من يوليو ١٩٧٧، وهو ما ننشره فى السطور التالية، على مدار أكثر من حلقة.

فى عام ١٩٦٥، وفيما كانت حملات القبض قد اشتدت فى إطار قضية «سيد قطب»، قُبض على شاب صغير السن «طالب فى زراعة أسيوط»، هو شكرى مصطفى، بتهمة الانضمام لجماعة «الإخوان».

هناك فى سجن طرة، وفى إطار سجناء الجماعة المشحونين بالعداء لحكم «عبدالناصر» وقسوة سجانيه، عاش شكرى مصطفى ٦ سنوات.

كان «الإخوان» فى ذلك الحين منقسمين على أنفسهم سياسيًا، قسم يرى أن فترة السجن قد استطالت، وأنه لا بأس من إعلان تأييد «عبدالناصر» وسياسته كمنفذ للخروج من سجن لا نهاية معلومة له، وقسم ظل ملتزمًا بالعداء السياسى لـ«عبدالناصر».. ونبت من الخلاف السياسى اختلاف فكرى، تصاعد حتى بلغ التكفير.

يقول عمر التلمسانى: «عندما كنا فى المعتقلات كان عذاب زبانية عبدالناصر على أشد صورة ووحشية، وتصور بعض المعذبين أن ما وقع عليهم لا يمكن أن يصدر من مسلم فى قلبه ذرة من إيمان.. وفى غمار هذا الهول نبتت فكرة التكفير عند بعض الشباب.. ورسخت فى أذهانهم وآمنوا بها فى اقتناع غريب».

من بين هؤلاء الشباب شكرى مصطفى، الذى كان يصيح فى وجه سجناء «الإخوان»، خاصة دعاة تأييد «عبدالناصر»، قائلًا: «من العار على المسلمين أن يُمسك بهم كالدجاج دون مقاومة.. كنتم تكذبون على أنفسكم وعلى الناس، عندما كنتم تقولون: (الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا)».

وكان «شكرى» يدعو لـ«الجهاد ضد الكفار» حتى فى داخل السجون، لأنهم «كفرة والواجب قتالهم وجهادهم»، معتبرًا أن «الأصل فى حياة المسلم هو طلب الشهادة، فإن حصل عليها فى أى موقع فهو الفائز»، وأنه «يجب على المسلمين أن يبحثوا عن الشهادة فى سبيل الله، ولو بين طرقات العنابر وظلمة الزنازين». وعندما يحاول البعض تهدئته كان يصيح: «لو حسن تصوركم علمتم أن الشهادة هى الباب الصعب إلى العالم الرحب».

وكثيرًا ما كان يقف فى عنابر مزرعة طرة صارخًا بشعر أعده ردًا على من يناقشونه، داعيًا إياهم لـ«الهجرة إلى الله»:

اترك شلالة من ضلوا وغيهم

واتبع نبيك واستوثق على رسل

أعدت شاردها لله فاجتمعت

من بعد مختلف الأهواء والنحل

أو يصرخ فيهم منددًا ومعلنًا مفارقتهم:

دياركمو قومى أثارت فؤاديا

وذكراكمو قومى أدمن جراحيا

وقفت بأرض ما عليها علاقة

من الأهل إلا ذكريات خواليا

فيا ليتنى عنها بعيد مسافة

ويا ليت تلك الأرض ليست بلاديا

وفى الغرفة رقم ٢ داخل سجن مزرعة طرة، تمترس شكرى مصطفى ومجموعة من الشباب، منهم: عبدالله السماوى، وأحمد إسماعيل، وغيرهم ممن قُدر لهم أن يكونوا زعماء بعد ذلك، وكانت مجموعته هذه تضطرم بالثورة العارمة.

فـ«شكرى» يريد أن يعلنها حربًا على العالم أجمع، ومن ليس معه فهو من الكافرين، وعنبره هو سفينة نوح، والناجى هو من ركب فيها، ومن ليس معه فهو عليه، كانت نفسه تضطرم بالغضب والرغبة فى الانتقام، ويعلن هذا فى كل مكان ولكل شخص.. وصار الغضب يغلى فى صدره حتى جافاه النوم، فهو يقطع الليل جيئة وذهابًا فى الممر الطويل صامتًا متأملًا.

وبعد «النكسة»، وعندما تراخت قبضة العنف فى السجون الناصرية، أبلغ المعتقلون فى سجن مزرعة طرة أن من يكتب «تظلمًا» من أمر الاعتقال سيُفرج عنه.. وبالطبع كان من المفترض أو من الضرورى أن يؤكد المتظلم على ولائه للرئيس «عبدالناصر».

يقول أحمد رائف، مؤلف «البوابة السوداء»: «وقلت له: يا شكرى.. قائد المعتقل أقسم بخروج كل من يكتب تظلمًا فما قولك؟».

فأجابنى ساخرًا:

إنهم قالوا، وخير القول قول العارفينا

مخطئ من ظن يومًا أن للثعلب دينًا.

والحقيقة أن شكرى مصطفى كان يردد رأيه فى شجاعة ودون خوف، حتى فى مواجهة قيادات السجن، فبعد هزيمة يونيو زار حسن طلعت، مدير «البوليس السياسى»، معتقل مزرعة طرة، وفيما كان يلاين السجناء، قام إليه «شكرى» ووجّه إليه كلامًا قاسيًا كطلقات نارية من مدفع أوتوماتيكى: «أنت كافر ورئيس جمهوريتك كافر، ولئن أحيانى الله وخرجت من المعتقل لأقاتلنكم قتالًا شديدًا، ولئن مت فسوف يأتى بعدنا من يقضى عليكم ويزيل دولتكم، ولئن هربتم من عقابنا فى الدنيا فلن ينجو أحد منكم يوم القيامة».

وإذا كان حسن طلعت قد أبدى تراجعًا قائلًا: «لا شك أنكم فئة من المؤمنين المظلومين، وأنتم تقرأون القرآن وتعرفون أجر الصابر على البلاء وأن هذا يكفر الذنوب»، إلا أن قيادات «الإخوان» كانت تخشى من أن تؤدى هذه الاستفزازات أو أن تتطور لما يؤدى إلى صدام من تلك الصدامات التى ذاق السجناء السياسيون مرارتها عديدًا من المرات، ولهذا ظلوا يضغطون على هذه المجموعة من الشباب الثائرين ويحاصرونهم.

ونقرأ ما رواه واحد من أتباعه: «كان الشيخ شكرى منبوذًا فى معتقل طرة السياسى من أكثر الإخوان، لا لدمامة خلقه فقد خلقه الله فأحسن خلقه، ولا لسوء خلق فهو لم يكن يثور إلا إذا ثار للحق، وما عاب هذا الأسلوب حينئذ غير عصبية فى الطبع حالت بينه وبين الالتقاء مع الآخرين من رجال الحركة الإسلامية عند نقط اتفاق».

لكنه كان يستخف بخوف «الإخوان» من التصادم مع حراس السجن، ويندد بهم قائلًا:

أن التى حرست بأبطال الوغى

باتت تصانع سفلة الحراس

وزادت حدة التصادمات داخل صفوف «الإخوان» فى السجون.. المعارضون لـ«عبدالناصر» يحاصرون ويهاجمون المؤيدين له، وبرز تياران واضحان: معارضون ومؤيدون، وبعدها انقسم المعارضون- كما رأينا- إلى قائلين بـ«التكفير» ورافضين لذلك.

وفى أتون هذا اللهيب من النقاشات، التى اتخذت أحيانًا طابعًا عدائيًا قاسيًا، كما حدث فى سجن «جناح» بالواحات، اشتعل شكرى مصطفى بمواقفه المتشددة، محدثًا صدامات ودويًا مرتفعًا، الأمر الذى أدى بإدارة السجون إلى ترحيله بين عدة سجون، وكانت فرصة سانحة كى ينشر أفكاره.

وطوال السنوات الست التى قضاها فى السجون، قرأ شكرى مصطفى كثيرًا من كتب الفقه واللغة والتفسير، وتلقى الكثير على يدى «القطبيين» الذين أفلتوا من أحكام الإعدام فى قضية «سيد قطب» وحكم عليهم بالسجن.. ودوّن وهو فى السجن عديدًا من الكراسات كانت الأساس لأفكار جماعته.

استمر شكرى مصطفى فى السجن حتى وفاة جمال عبدالناصر.

يقول اللواء فؤاد علام: «يوم وفاة عبدالناصر لم يكن فى السجن من أعضاء الجماعات الدينية سوى ١١٨ فقط، ٨٠ من قيادات الإخوان المتشددين، مثل عمر التلمسانى ومحمد قطب ومصطفى مشهور».

ويضيف: «طلب السادات ملفات هؤلاء، وقرر الإفراج عنهم فى صفقة سياسية من طرف واحد، رغم تحذيرات الأجهزة الأمنية من خطورة هؤلاء، خاصة أنهم جميعًا مصنفون (خطر جدًا). لكنها دراما التاريخ التى جعلته يوقع بيده قرار إعدامه!».

أفرج عنهم جميعًا.. وكانت المفارقة هى توجه عمر التلمسانى وعدد من إخوانه، فور الإفراج عنهم، إلى قصر عابدين ليدونوا فى سجل التشريفات شكرهم للرئيس، بينما اتجه شكرى مصطفى إلى أسيوط، وبدأ «خطة الانتشار فى القلب والأطراف، من أجل قيام الدولة الإسلامية، بعد أن تخرج جيوشه من شعاب اليمن لتطهر العالم من الفساد والكفر»، وفقًا لـ«علام».

ويواصل: «انتشر أفراد التنظيم فى عدة محافظات أبرزها المنيا وأسيوط، وتدربوا على الأعمال العسكرية فى منطقة جبلية بالبر الغربى بمحافظة المنيا. كنا فى ذلك الوقت نرصد الخيوط ولكننا بلا غطاء سياسى، حتى أبلغنا أحد الخفراء السريين بأنهم حاولوا قتله أثناء مروره بالمصادفة فى المنطقة، ولكنه نجح فى الإفلات. ورؤى ضبط المجموعة بالكامل، وكانت أول قضية لما عرف باسم (تنظيم التكفير والهجرة)».

لكن الأدلة كانت ضعيفة جدًا، ولم تزد على حيازة أسلحة وذخائر دون ترخيص، ولم تتكشف فى التحقيقات ما يقلل من غلواء التهاون مع هذه التيارات، فقد كان «السادات» مصممًا على المضى فى مهادنته معهم، حتى لو كانت من طرف واحد. وصدرت أحكام مخففه جدًا.

وعاد شكرى مصطفى ليمارس نشاطه بحماس شديد، مطمئنًا إلى أن ظهره غير مكشوف، واستفاد وأتباعه من مناخ عام مفعم بالتأسلم حرص «السادات» على دعمه وتمويله، فانتشرت «المعسكرات الإسلامية» التى وصفت بأنها معسكرات «للتدريب الروحى البدنى».

وعملت الجماعات الإسلامية على تغيير أنماط الحياة الجامعية، ففرضت وقف المحاضرات والأنشطة الأخرى فى أوقات الصلاة، ومنعت إقامة حفلات موسيقية وأمسيات فنية، واستخدمت أسلوب تقديم الخدمات لجذب المؤيدين بتوزيع كتب دراسية رخيصة، والمساهمة فى تدعيم الإسكان الجامعى والعلاج الطبى، وتقديم دعم للمواصلات، وتوزيع ملابس رخيصة، وتقديم مساعدات مالية مباشرة. وكان خلف ذلك كله دعم وتأييد وتمويل من السلطة.

واستفاد شكرى مصطفى من ذلك كله، وأسهم فيه، وحصد منه نفوذًا وأعضاءً وأموالًا.

ورغم أن الأمن قد اكتشف الجماعة، وقبض على قياداتها وقدمهم للمحاكمة، منحت الأحكام المخففة شكرى مصطفى انطباعًا بأن السلطة تفتح أمامه أبواب النشاط، وتعطيه الفرصة للمزيد من العمل.

كان «شكرى» على حق تمامًا فى ذلك. فانطلق بأقصى جهد ممكن فى بناء تنظيمه، ويُقال إن عدد أعضائه قد بلغ ٥ آلاف. وسريعًا تشكل «تنظيم هرمى» قوى، يمتلك إمكانات لا بأس بها.. العديد من الشقق فى أكثر من مدينة، والعديد من السيارات، وتمويل لا بأس به، قال شكرى مصطفى فى التحقيقات إنه يحصل عليه من تابعيه الذين سافروا للعمل فى البلاد العربية، ليتمكنوا من الحصول على دخل مرتفع يرسلون أغلبه إلى أميرهم. كما أن كثيرين من هؤلاء المسافرين تركوا مساكنهم تحت تصرف هذا «الأمير».

ارتبطت نشأة تنظيم «التكفير والهجرة» وأفكاره وعضويته بشخصية مؤسسه، فهناك زملاؤه فى زنازين معتقل مزرعة طرة، من أعضاء «الإخوان»، مثل عبدالرحمن أبوالخير وعبدالله السماوى وغيرهما، وابن أخته ماهر عبدالعزيز بكرى «النائب الأول للأمير»، وابن أخته الآخر هاشم عبدالعزيز بكرى، وبعض زملاء دراسته فى كلية الزراعة بجامعة أسيوط، ومنهم صفوت الزينى. لكن العضوية فى أغلبها من شباب صغار طلاب على الأرجح.

وقد أجريت دراسة على المتهمين فى قضية اختطاف واغتيال الشيخ الذهبى، وعددهم ٤٧ متهمًا، فتبين ما يلى:

- متوسط العمر ٢٥ سنة، أصغرهم عمره ١٤ سنة وأكبرهم ٣٩.

- أغلب المتهمين ترك الدراسة أو العمل، وتفرغ للعبادة والدعوة والعمل فى الجماعة، إلى درجة أن المحقق مع المتهمين توقف بعد فترة من التحقيقات سأل فيها ٣٢ شخصًا عن سؤال بقية المتهمين عن مهنتهم.

- وفى حدود الـ٣٢ متهمًا الذين سُئلوا عن مهنتهم، كان هناك واحد فى الإعدادية، وأفصح جميعهم عن أنهم توقفوا عن الدراسة، والـ١٥ الآخرين منهم ٣ أتموا دراستهم الجامعية لكنهم لا يعملون. وقال أنور مأمون أحمد إنه حاصل على بكالوريوس زراعة ويعمل تاجرًا.

ولم يحدد أعضاء التنظيم نوع وظائفهم مبررين ذلك بالتفرغ للعبادة مع العمل فى مشروع تجارى صغير، مثل بيع كتب أو سواك أمام أحد المساجد.

وفى التحقيقات قال المتهم عبدالرحمن يوسف حسين إنه استقال من عمله فى مصلحة الضرائب استعدادًا لـ«الهجرة إلى المدينة المنورة للتعبد هناك». وقال إنه استقال لأن «زميلاته فى العمل من النساء المتبرجات يسببن له تعبًا نفسيًا».

وأقام شكرى مصطفى تنظيمه على أساس فكرة «الهجرة»، ومن لا يستطيع الهجرة بعيدًا عن «أرض الكفر»، يهاجر بنفسه بعيدًا عن «المجتمع الكافر»، فيترك مدرسته أو عمله، ويترك أسرته، ويهاجر إلى الجماعة.

وتتمثل «الهجرة إلى الجماعة» فى الإقامة مع مجموعة من أعضائها فى واحدة من الشقق العديدة التى شكلت شبكة لا بأس بها لإيواء الأعضاء، حيث يتم تزويجهم من عضوات فى الجماعة بما حقق ارتباطًا وثيقًا بين العضو والجماعة.

وهكذا فإن الجماعة «قد انتزعت أعضاءها من وعائهم الاجتماعى ودفعتهم إلى العزلة عن أسرهم وعملهم ومدارسهم فحققت لهم نوعًا من الهجرة».

فالمتهم إبراهيم عبدالمنعم أبوسنة كان طالبًا فى كلية الهندسة، ووالده أستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس، ترك منزل الأسرة ليقيم مع الجماعة، وترك الدراسة ليبيع السواك أمام أحد المساجد.

والمتهم جمال غريب حشيش كان طالبًا فى كلية التربية جامعة طنطا، والده مزارع بسيط، ترك الأسرة والدراسة وأقام فى شقة، قال فى التحقيق إن الجماعة كانت تدفع له إيجارها. والمتهم صفوت الزينى والده وكيل مدرسة إعدادية، وترك الأسرة هو أيضًا.

والمتهم عبدالله محمود غزالة «أمير مجموعة مصر الجديدة» حاصل على دبلوم معهد فنى صناعى. ويعمل بائعًا متجولًا للكتب الدينية. وقال للمحقق إن ربحه اليومى ما بين جنيه و٦٠ قرشًا.

«ويلاحظ هنا أن مفاهيم الحياة والعمل والأسرة قد بدأت تندرج تمامًا فى إطار فكر الجماعة».

وكان شكرى مصطفى يدعو أتباعه عند الحاجة إلى «العزلة الشعورية»، يعنى يمكن للشخص أن يبقى موجودًا فى «مجتمع كافر» لأنه ضرورة، لكنه ينفصل عنه شعوريًا. ولذلك أحيانًا حتى أثناء وجوده معنا فى السجن كان يبقى منعزلًا شعوريًا، كان يصلى معنا فى الصف لكن تكبيرته لنفسه، ولا يأتم فعليًا بإمام منا. لكنه يبقى فى الصف درءًا للفتنة.

ويشير أحد الباحثين إلى حقيقة أن كثيرًا من أعضاء الجماعة من مواليد الريف أو المدن الصغيرة، وأنهم انضموا إلى الجماعة بعد فترة قصيرة من انتقالهم إلى المدن الكبيرة مثل القاهرة والإسكندرية والمنيا وأسيوط، بعد أن حصلوا على الثانوية العامة، حيث أقاموا إما فى المدن الجامعية التى كانت مركزًا لنشاط التيارات الإسلامية المتصاعد، أو فى مناطق فقيرة وعشوائية مع عدد من زملائهم.

وفى مناخ اجتماعى جديد ومنفتح كهذا، يستشعر الفتى الصغير القادم من مجتمع قروى مغلق بحالة من الغربة والرفض. ونلاحظ أنه ذات الإحساس الذى تحدث عنه كثيرًا حسن البنا، مؤسس جماعة «الإخوان»، عندما حضر إلى القاهرة ليدرس فى كلية دار العلوم.

ونلاحظ توزيعًا جغرافيًا لعضوية الجماعة يعزز هذا الرأى. فعضوية الجماعة تمركزت فى عدد من المدن الكبيرة التى تواجد بها جامعات أو معاهد: القاهرة- الإسكندرية- الجيزة- المنيا- أسيوط- المنصورة- دمياط.

ويقول أحد الباحثين إنه «تابع شخصيًا حالة أعضاء الجماعة من المنيا، فوجد أن أغلبهم يقيم فى حى الجنوب الذى يتكون من عزبة جاد السيد وأبوهلال وأرض المولد. حيث تعيش أكثر من ٥٠٠ أسرة فى حجرات ضيقة وأكواخ إيواء، ويتكدس فى هذا الحى الفقير ما يزيد على ١٥٠ ألف شخص جميعًا فى حالة فقر ما مدقع. وذلك على عكس الحى البحرى (أبو سلطان)، الذى تسكن فيه الأسر الراقية والمتوسطة، ولم تأت منه عضوية تذكر إلى صفوف الجماعة والجماعات المماثلة».

ويقول البحث الذى أعده المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، عن نتائج فحص عينة من أعضاء الجماعة: «الانطباع المبدئى لهيئة البحث التى قامت بإجراء دراسة حالة لبعض المحكوم عليهم من هؤلاء الشبان ملخصه أن هؤلاء شباب مراهق مندفع يغلب على سلوكه الرعونة والانفعال، وأنه يمثل شريحة مغلقة ليست لديها رؤية واضحة للقضايا المحتمعية. وأنه من الصعوبة بمكان إجراء حوار مفتوح مع هذه الشريحة».

إنهم فى أغلبهم فتية مراهقون أرهقم الفقر والاغتراب، واستدرجهم التآلف الشيطانى بين السلطة والإخوان، والمناخ الذى يشجعهم على التطرف والمزيد من التطرف.

ولا يمكن لأى بحث أن ينسى أن هذه الجماعة وهذا الجيل من المتأسلمين قد انطلق فى إطار مجتمع الانفتاح فى السبعينيات، وهو المجتمع الذى حاصر الفقراء بمزيد من الإفقار ومنح الأثرياء ثراءً غير محدود.

غدًا.. نستكمل نشر خطة شكرى مصطفى