رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حديث الجنس والمخدرات والمال


بحثت عن رابطة تربط بين الجنس والمخدرات فإذا هي المال؛ ففي الحقيقة لا يخلو حديث عنهما من حديث عن المال لأنه مفتاح الجنس، حلالا كان أو حراما، والتركيز هنا على النوع الممنوع، وهو أيضا جلاب المخدرات بصنوفها المختلفة، ومهما شحت فإنها موفورة بسوقها الخفية الرحبة..
في معظم جلساتنا في مضايف البيوت وفي الأندية والمقاهي، باختلاف أحوالنا، تدور أحاديثنا في المجالات الثلاثة، تأتي بقصدية ما لم تأت تلقائيا، ونتحمس لها بشدة، نختلف ونتفق ونضحك ونبكي ونتقزز أيضا.. قال لي شخص قريب مني ذات يوم: أهلكتنا أحاديث الجنس والمخدرات والمال يا صديق، ولم يكن الأمل أن نهلك هذا الهلاك المشين! 
يحتاج الجنس إلى المال الجم، وتحتاج المخدرات إلى مثله طبعا؛ فبغيره لا يستطيع الراغبون في المتعة السريرية الممنوعة أن يحصدوها، ولا يستطيع الباحثون عن الغياب المؤقت أن ينالوه.. وعلى هذا يدخل المال بالدائرة المحرمة كالجنس الممنوع والمخدرات؛ فالأكثرية فقراء ليس بوسعهم أن يدفعوا الثمن ولذا يفكرون في الغنى بلا جهد ليحققوا بغيتهم، ولن يجد الباحث المجتهد مجتمعا فشت فيه الرغبات الجنسية المحرمة وانتشرت فيه المواد المخدرة إلا وجد معهما مالا يكتسبه الناس بدون عرق.. يكتسبونه بالسرقات أو استغفال الخلق أو الضحك على البسطاء أو الرشاوى التي منبعها خراب الضمائر أو بيع الوهم للأغرار (جمع غِرٍّ، من ينخدعُ إذا خُدِع)
في بلادنا، نعاني، منذ مدد، من زيادة في الجرائم الجنسية.. التحرش والاغتصاب والخيانات العاطفية والزوجية والانحرافات السلوكية، ولا تخلو كثير من الجرائم الجنسية من متعاطين للمخدرات ومن مال فاسد.. ومن حين إلى آخر نتفاجأ بجريمة مؤسفة في هذا الإطار الفاحش، والمجرمون منوعون في بيئاتهم وأعمارهم ودرجات تعليمهم ومستوى طبقاتهم، فلم تسلم من الخلل بيئة من البيئات حتى الريفية التي كانت منبع القيم في الماضي، ولم يبرأ من الفعل الآثم عمر ناضج، ولم يتورع عن العمل المخزي متعلم جامعي، ولم يترفع عنه ذو منصب كبير! 
في العادة تنعقد مناقشات وحوارات بأعقاب المصائب، يجِدُّ الإعلام في تغطية ما جرى، ويكتب في القضية متخصصون في علمي النفس والاجتماع، ومثقفون ومهتمون بالشأن العام، ويبدو معظم الناس في حالة اكتئاب وخوف بالغ على مصائرهم ومصائر ذويهم، لكن الأيام تمر وتتكرر المصائب الشديدة؛ كأن ما كان لم يكن! 
تأكيد صلة المال الحرام بالجنس الممنوع والمخدرات مدخل واسع إلى تفهم الواقع المعقد المحبِط.. الواقع التي تجر النوازل فيه بعضها جرا، وإني لا أحب، بداية من هذه اللحظة، رؤية بلادي مستسلمة ومتغاضية، ولا أهلها عاجزين عن التأمل الثاقب للأحداث، والبحث عما يربط الأشياء بالأشياء، ويحدد مواضع الخطورة في كل شيء، لكنني أحب رؤية البلاد والعباد أيقاظا وأقوياء ومتعاونين؛ فتنحصر الرزايا والبلايا!