رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صوتك مسموع.. لكنك لا تتكلم!

البيان الصادر عن وزارة التنمية المحلية، بمناسبة مرور ٣ سنوات على إطلاق مبادرة «صوتك مسموع»، تضمّن أرقامًا غريبة، توحى بأن الوزارة تفتح لك أذنيها، لكنك لا تتكلم. مع إشارة أغرب، ربما على سبيل الفخر، إلى وصول عدد متابعى صفحة المبادرة على «فيسبوك» إلى أكثر من ٦٦ ألف متابع!.

المبادرة أطلقتها الوزارة، فى أكتوبر ٢٠١٨، تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، وفى ضوء تكليفات الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن تكون هناك آلية مستمرة للتواصل مع المواطنين، وتلقى شكاواهم ومطالبهم والعمل على حلها، آلية غير تقليدية، تتزامن مع جهود الدولة الرامية إلى استحداث أسس وركائز الجمهورية الجديدة، التى تعلى من شأن المواطن، وتضع على رأس الأولويات إتاحة آليات تواصل تحقق مشاركة المواطنين فى إطار من الشفافية وتفعيل مبادئ الحوكمة الرشيدة. 

ترتكز المبادرة، طبقًا لما نقله البيان عن اللواء محمود شعراوى، وزير التنمية المحلية، على محورين رئيسيين: الأول بعنوان «إدارة مستجيبة للمواطن» حيث يكون المواطن طرفًا فاعلًا ومشاركًا فى منظومة محاربة الفساد والإهمال وإهدار الموارد ونقص فاعلية وكفاءة أداء السلطات المحلية للخدمات التى تقوم بها، إضافة إلى حق المواطن فى تقديم مقترحاته من خلال إدارة منصة متكاملة للتواصل. أما المحور الثانى فعنوانه «إدارة محلية تتحرك وتعمل من أجل المواطن»، وذلك بمعالجة المشكلات وحل الشكاوى والرد على استفسارات المواطنين، عبر آلية دائمة على كل المستويات المحلية بالوزارة والمحافظات.

الكلام، كما ترى، جميل ومعقول، وموجود على الموقع الرسمى للوزارة، منذ إنشاء المبادرة، مع وعد بـ«نشر تقارير شهرية عن الشكاوى الواردة وتصنيفاتها وأنواعها وموقفها وما تم بشأنها على كل مستوى محلى بدءًا من المحافظة وصولًا إلى القرية»، وهذا ما حدث فعلًا، وتضمنت البيانات إشادات متكررة بجهود العاملين فى المبادرة بالديوان العام للوزارة وكل المحافظات، وكذا القيادات المحلية المتفاعلة مع شكاوى المواطنين وسرعة الاستجابة لها والتفاعل السريع مع المستجدات التى تهم الدولة المصرية. مع إشارة إلى أن المبادرة تمنح أهمية قصوى للمشكلات والقضايا الرئيسية التى تهم المواطن مثل البناء المخالف، والتعديات على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة، والمخلفات بأنواعها، والإشغالات، والفساد، إضافة إلى الشكاوى الخاصة بجائحة كورونا ومخالفة مواعيد إغلاق المحال العامة ومبادرة حياة كريمة.

المهم، هو أن التقرير، الذى تلقاه الوزير بمناسبة مرور ٣ سنوات، أكد تلقى المبادرة ٣٩٠ ألفًا و٤٤٠ رسالة منذ انطلاقها، منها ٧٤ ألفًا و١٩٨ شكوى، تم حل ٧١.٥ ألف منها، بنسبة ٩٦.٤٪. وبقسمة هذه الأرقام على ٣٦ شهرًا، تكون النتيجة ١٠ آلاف و٨٤٥ رسالة شهريًا، منها ٢.٠٦١ شكوى. وهذه بالضبط هو ما ستكتشفه لو عدت، مثلًا، إلى بيان الشهر الماضى، الذى قال إن المبادرة تلقت منذ انطلاقها ٣٧٩ و٥٦٢ رسالة، تضمنت ٧٢ ألفًا و٢٦٠ شكوى. ما يعنى أن حصيلة شهر واحد كانت ١٠ آلاف و٨٧٨ رسالة تضمنت ١٨٣٨ شكوى. والرقم نفسه تقريبًا، تلقته المبادرة خلال شهر سبتمبر الماضى!.

نصف الشكاوى تقريبًا، وبالتحديد ٣٦ ألفًا و٧٦٨ منها، يتعلق بالقمامة، تلتها شكاوى الإشعالات «هكذا فى الأصل، والمقصود غالبًا الإشغالات، بالغين» وبلغ عددها ٢٣ ألفًا و٨٣٨ شكوى، بنسبة ٣٢.١ ٪، ثم مخالفات البناء، وبلغ عددها ٦٨٢٣ شكوى بنسبة ٩.٢٪ ثم التعديات على الأراضى الزراعية وأملاك الدولة وبلغ عددها ٤٩٢٠ شكوى بنسبة ٦.٦٪ ثم شكاوى الفساد وبلغ عددها ١٧٤٨ شكوى بنسبة ٢.٤٪، وكانت ١٠١ شكوى فقط، أى ٠.١٣٪، من نصبب مبادرة حياة كريمة.

.. أخيرًا، ولو افترضنا صحة تلك الأرقام، واستبعدنا تدخل ألاعيب موظفى المحليات فيها، يكون غريبًا، فى بلد يسكنه أكثر من ١٠٠ مليون مواطن، ألا يتابع صفحة مبادرة «سمعنا صوتك» غير ٢٢ ألفًا، سنويًا، ويكون عبثًا ألا تتلقى المبادرة، غير ١٠ آلاف رسالة، شهريًا، تقل نسبة الشكاوى فيها عن ٢٠٪. أما الأغرب والأكثر عبثية، فهو أن البيانات الشهرية، بما فيها بيان الاحتفال بمرور ثلاث سنوات، لم تكشف عن محتوى باقى الرسائل: مقترحات، طلبات وظائف، نكات، شتائم، أم رسائل غرامية؟!.